نظرة أمل فى النجاة ملأت عين رجل عجوز حملته سيارة إسعاف مسرعة وهى تمر أمام مبنى مغلق كتب عليه «مستشفى أبوخليفة»، فى طريقها قادمة من قرية صغيرة على أطراف محافظة الإسماعيلية، الآن عليه أن يقطع ما يقرب من 20 كيلو متراً إضافية ليصل إلى غرفة الطوارئ بمستشفى الإسماعيلية العام لأن المستشفى القريب من منزله لم يبدأ العمل بعد.

شاب آخر أصيب بالحمى، واضطرت أسرته للاختيار بين أن يشارك مريضا آخر غرفته، أو أن يستكمل علاجه بمنزله، لأن مبنى استقبال وطوارئ الجديد بمستشفى حميات إمبابة توقف العمل به لنقص التمويل، ولا توجد أسرة إضافية متاحة بالمبنى الحالى للمستشفى.
المشهدان السابقان يتكرران يوميا تقريبا فى محافظات عديدة، حيث توجد مستشفيات تنتظر بدء العمل بعدما توقفت عمليات إنشائها عند القواعد الأساسية أو اكتفت بهيكل خرسانى، أو مبنى كامل التشطيب يتبقى له فقط أجهزة العلاج والأسرة للمرضى والأطباء ليبدأ العمل فيه، ولكنه مازال مجرد مبنى ينتظر اعتمادات مالية من ميزانية الدولة ووعود الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية، بزيادة مخصصات الإنفاق على القطاع الصحى وزيادة المستشفيات لتوفير منظومة صحية على درجة عالية من الكفاءة.
فى الإسماعيلية هناك مستشفيان كاملا التشطيبات وينتظران التجهيزات ليبدآ العمل، فيما السويس تنادى باستكمال بناء المستشفى العام الجديد، ومبنى فخم ملحق بمستشفى معهد ناصر بالقاهرة ارتفع وسط أرض فضاء مليئة بالحجارة والمخلفات، وفى الجيزة مستشفى استقبال وطوارئ حميات إمبابة ينتظر استكمال الدعم ليغطى هيكله الخرسانى، وحتى واحة سيوة خرجت عن الصمت بوقفة احتجاجية ضد سوء الخدمات الصحية وطول انتظار عمل المستشفى الجديد الذى تحول لاستراحة أطباء بدون عمل.
المستشفيات السابقة فيما عدا مستشفى إمبابة وصلت تكلفتها إلى 154 مليون جنيه، وهى لا تمثل سوى عينة عشوائية من المنشآت الصحية المتوقفة عن العمل لعدم استكمال إنشاءاتها أو توقف دعم التجهيزات الطبية، وتدخل ضمن خطة وزارة الصحة لاختيار المستشفيات ذات أولوية بدء العمل خلال الخطة المالية 2012/2013.
وتنفيذ البرنامج الرئاسى للدكتور محمد مرسى ووعوده بانتشار الوحدات الصحية فى المدن والقرى والمراكز وتطوير المستشفيات الحكومية، وزيادة المخصصات والإنفاق على الصحة ليصل إلى %12 من الموازنة العامة بنهاية الفترة الرئاسية.
طموح مرسى بزيادة المخصصات يقابله مطالبات مستمرة من نقابة الأطباء وحركة أطباء بلا حدود بزيادة ميزانية الصحة لتكون %15 حسب اتفاقية أبوجا التى وقعت عليها مصر عام 2000 ولم تطبقها حتى الآن فأوقف تنفيذ مشروعات واستكمال بناء المستشفيات الجديدة.
وزارة الصحة خصصت مليار جنيه تقريبا كميزانية للإنشاءات الطبية حسب تصريح الدكتور عادل أبوزيد مدير قطاع الطب العلاجى بوزارة الصحة من 35 مليار جنيه تقريبا هى ميزانية الوزارة من الموازنة العامة للعام المالى 2012/2013.
المبلغ المرصود وأسلوب عمل الوزارة جعل نقابة الأطباء الفرعية بالإسماعيلية تطلق مبادرة لاستغلال المستشفيات المتوقفة بالمحافظة، وقال الدكتور هيثم فريد مساعد أمين نقابة أطباء الإسماعيلية، إن المبادرة لاستغلال مستشفى أبوخليفة العام لأنه مبنى مكتمل البناء على طريق الإسماعيلية بورسعيد، وأنشئ ليكون وحدة استقبال وطوارئ، ولكنه توقف منذ عام 2003 رغم انتهاء الإنشاءات وينتظر التجهيزات والأسرة فقط.
المستشفى المتوقف منذ عام 2003 أنفق عليه 16 مليونا و500 ألف جنيه على مساحة 10 آلاف متر مربع، يطل على طريق الإسماعيلية بورسعيد، مكون من 5 طوابق وسعة 200 سرير ومجهز بست غرف عمليات ومبيت للأطباء وأطقم التمريض، وكان الهدف منه هو تقديم خدمة متميزة على خلفية أنه مستشفى ذو طابع خاص للراغبين فى العلاج الاستثمارى، وحاول محافظ الإسماعيلية الأسبق عبدالجليل الفخرانى تحويله إلى مركز كبد عالمى وطب رياضى وتم تشكيل لجنة من كلية طب جامعة قناة السويس وانتهى تقريرها لضرورة بيعه فى مزاد علنى لأعلى سعر وقد تم تقديره بشكل مبدئى بحوالى 40 مليون جنيه، ولكنه مازال متوفقا دون أى نشاط حتى الآن.
مبادرة أطباء الإسماعيلية شملت مستشفى التل الكبير المركزى المتوقف أيضا منذ عام 2006 رغم انتهاء إنشائه بتكلفة بلغت 10 ملايين جنيه، وطالب حقوقيون وأطباء باستغلال المستشفى ليكون مركزا لأمراض القلب ليخدم مرضى محافظات إقليم القناة وسيناء.
على بُعد 90 كيلومترا جنوب الإسماعيلية، توقف العمل فى مشروع مستشفى السويس العام الجديد بطريق السويس القاهرة، توقف بناؤه بعد ثلاثة أعوام من البدء فيه عام 1998، رغم رفع الأعمدة الخرسانية وتعاقد وزارة الصحة مع مجموعة رامى لكح للإنشاءات لبناء المستشفى بقيمة 68 مليون جنيه بنظام التشطيب النهائى، ورغم عقد محافظة السويس لمناقصة جديدة لشركات المقاولات لاستكمال البناء فإن المبنى مازال هيكلا خرسانيا فقط.. المستشفى كان مخصصا لأحد عشر دورا بطاقة استيعابية لـ500 سرير وغرفة عمليات ووحدات للعناية المركزة.
مبادرة الإسماعيلية والتفكير فى إحياء مستشفى السويس يتوقف تنفيذه حسب عمل لجنة خاصة بحصر مطالب مديريات الصحة بالمحافظات وتحديد المنشآت الصحية التى تنتظر تشطيب التجهيزات وبدء عملها واختيار المنشآت حسب الأولوية لتنفيذ مشروعاتها خلال العام المالى 2012/2013.
بخلاف مستشفيات السويس والإسماعيلية هناك مبنيان على ضفتى نهر النيل بدأ العمل فيهما عام 2000 فى عهد وزير الصحة الأسبق الدكتور إسماعيل سلام، الأول ملحق علاجى بمستشفى معهد ناصر، على كورنيش حى الساحل بالقاهرة، وعلى الضفة المقابلة مبنى استقبال وطوارئ مستشفى حميات إمبابة بالجيزة، الذى بدأ إنشاؤه عام 2000 وتوقف العمل به عام 2006 بسبب عدم توفير تمويل، المبنى الخرسانى الكامل للمبنى المكون من 14 طابقاً على مساحة 2200م2 مخصص كمستشفى للحميات والأمراض المعدية وجراحاتها وعناية مركزة وغسيل كلوى، وقال حارس بوابة المستشفى إن محافظ الجيزة الدكتور على عبدالرحمن تفقد المستشفى العام الماضى وطلب إعداد مذكرة لوزارة الصحة للنظر فى تشغيل جزء من المبنى وعمل بعض الأقسام بداخله كمرحلة أولى والنظر فى كيفية توفير التمويل اللازم.
على الضفة الأخرى من النيل يقع ملحق مبانى مستشفى معهد ناصر، بدأ العمل فيه عام 2000 وتوقف بعد الانتهاء من %80 من المشروع الذى تكلف 40 مليون جنيه ويتبقى صرف 5 ملايين أخرى للتجهيزات الفنية والأجهزة.

رغم الحراسات الموجودة والأسوار المحيطة به تظهر بوضوح فخامة الواجهة الرخامية والتشطيبات الداخلية، تقابلها لافتة حديدية كبيرة تشرح اسم المشروع والشركة المسؤولة.
المبنى بنى بشكل دائرى على مساحة 29400 متر، يرتفع إلى 12 دورا ويشمل دورين للخدمات وآخرين للتأهيل الطبيعى والباقى لإسكان المرضى بواقع 229 غرفة. المبنى تم إنشاؤه ليكون مركز تأهيل صحيا متكاملا. وهو يتكون من دور كامل من خدمات الطب التأهيلى على غرار مركز العجوزة الطبى التابع للقوات المسلحة وأجنحة وغرف فندقية لاستقبال المرضى فى حالات ما بعد العمليات.
حتى الآن المبنى معطل وغير مستغل، يتبقى له خمسة ملايين جنيه فقط حسب دراسة وزير الصحة الأسبق الدكتور إسماعيل، و200 إلى 300 مليون جنيه حسب تصريح سابق للدكتور عبدالرحمن شاهين المتحدث الرسمى السابق باسم وزارة الصحة.
على الطرف الغربى لحدود مصر يعيش سكان واحة سيوة فى حالة سخط من تجميد المستشفى المركزى بالواحة رغم اعتماد محافظ مطروح مبلغ 15 مليون جنيه لتطوير مبنى المستشفى الجديد الذى توقف بناؤه عام 2008 بسبب خلاف مع المقاول فإن المبنى يستغل فقط كاستراحة للأطباء فقط وما زال المرضى يعالجون فى المركز الطبى القديم.
إنشاء مستشفيات جديدة أو إنهاء مشروعات متوفقة ليست المشكلة الوحيدة بالنسبة للدكتورة منى مينا منسق حركة أطباء بلا حقوق، فهى ترى أن على وزارة الصحة إحلال وصيانة المستشفيات القائمة لتزيد نسبة الإشغال وتقدم خدمة كبيرة متميزة.
