طه أمين يكتب: جيڤارا.. رومانسية الثورة والموت

السبت، 14 يوليو 2012 06:04 م
طه أمين يكتب:  جيڤارا.. رومانسية الثورة والموت صورة ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إرنيستو تشى جيڤارا (يونيه ١٩٢٤ - أكتوبر ١٩٦٨)، ينطق اسمه جيڤارا "بالجيم القاهرية، وليس چيڤارا بالجيم المعطشة"، طبيب أرجنتينى الأصل، كوبى الجنسية، آمن بالشيوعية منذ بداية تعرفه الثقافة، درس الطب فى بيونس آيرس، وكانت رحلته على الدراجة النارية مع صديقه "ألبرتو جرانادو" عبر أمريكا اللاتينية سببًا فى إيمانه المطلق بالثورة، حتى ولو كانت من خلال حرب عصابات تتم بعدها إقامة العدل والتخلص من ظلم الطبقات الحاكمة الديكتاتورية هناك، التقى بـ "راؤول كاسترو" شقيق "فيدل كاسترو" الذى كان يقضى فترة عقوبته فى السجن لمحاولته الفاشلة الانقلاب ضد نظام الحكم فى كوبا، ورأى "فيدل" أنهم فى حرب العصابات التى سيقودونها سيحتاجون إلى طبيب، نجحت حرب العصابات وتم الاستيلاء على الحكم وأصبح "جيڤارا" الرجل الثانى فى كوبا، تقلد عدة مناصب، منها رئاسة البنك المركزى، ومنصب وزير الاقتصاد، ثم وزير الصناعة، ورأس وفد كوبا فى الأمم المتحدة، وكانت هذه الزيارة سببًا فى شهرته فى كثير من دول العالم حتى تحول إلى رمز من رموز الثورة العالمية، ترك جيڤارا مناصبه السياسية وتنازل عن جنسيته الكوبية عام ١٩٦٥ على خلفية خلاف مع حكومة كاسترو - بضغط من الاتحاد السوڤيتى - وقرر العودة إلى حلمه: ثائرًا يحمل ثورته على ظهره ويطوف العالم، ناشرًا بذور الثورة ومحررًا لكل من يطلب التحرر من النظم الديكتاتورية، اتجه إلى الكونغو لينضم إلى الثوار ضد نظام "موبوتو"، ولكن جهله بطبيعة الخلافات القبلية فى الكونغو وتعرضه للخيانة من قبل البعض منهم جعلا جيڤارا يلقى فشلاً ذريعًا فى أفريقيا. بعد ذلك قرر الاتجاه إلى بوليفيا لمساعدة المتمردين هناك، ولكنه لم يكن يدرك أنه لا يحارب فقط حكومة ديكتاتورية وإنما كان يحارب المخابرات الأمريكية التى أرسلت فرقة للقضاء عليه، وتم اعتقاله وقتله والتنكيل به ثم دفنه فى قبر مجهول فى أكتوبر ١٩٦٧، حتى تم العثور على جثمانه فى ١٩٩٧ ونقل إلى كوبا ولقى فيها التكريم اللائق به، وكذلك فى موطن مولده الأرجنتين.

وبرغم انتشار صورة "جيڤارا" الثورى، معارض الديكتاتورية، الحالم بعالم عادل للفقراء، فإن الجميع ليسوا متفقين حول هذه الصورة، ولا تزال جماعات كوبية سياسية تتهم "جيڤارا" بالوحشية والديكتاتورية، ولا تزال عبارته "إن من يدعى الإيمان بالثورة ولا يؤمن بالحزب الشيوعى هو كاذب لا يؤمن بالثورة" باقية للدلالة على ديكتاتوريته، بالإضافة للعديد من الحوادث التى نفذ فيها "جيڤارا" حكم الإعدام بيده ضد معارضى الثورة، ولكن تبقى تلك الصورة المثالية التى يعرف بها "جيڤارا" فى العالم كله هى السائدة، حتى أنها أصبحت كنزًا لمسوقى القمصان والقبعات والمناديل التى تحمل صورته الشهيرة، ليتم استغلال صورة الثورى الشيوعى فى تغذية نزعة استهلاكية طالما حاربها ووقف فى وجهها هو ورفاقه من الشيوعيين.

وبإلقاء نظرة أبعد على كفاح "جيڤارا" وانسلاخه من صورة رجل الدولة للعودة إلى صورة الثورى الذى يجوب العالم لنشر فكرته، بالنظر إلى هذه الصورة يبرز لدينا العديد من الأسئلة: هل يمكن لإنسان أن ينصب نفسه ثوريًّا قادرًا على قيادة الثورة فى كل زمان ومكان؟ هل الثورة يمكن أن تتحول إلى هدف فى حد ذاتها؟ هل يمكن أن يتحمل مسئولية قيادة الثورة من هو ليس من وطن من يثورون؟ هل الثورة عمل يستمر إلى ما لا نهاية دون توقف ودون فهم لضرورة أن تتحول الثورة إلى عمل سياسى؟ هل العمل الثورى يكون بكل تلك الرومانسية التى دفع "جيڤارا" حياته ثمنًا لها؟ هل الثورة هدف أم وسيلة؟ هل الثورة أصل أم استثناء؟ هل يترتب على استثنائية الثورة استثنائية الواقع على الأرض؟ هل الثورات تكون بكل هذا النقاء الذى يبدو لنا عند الحديث عن "الثوار" كجيڤارا وأمثاله؟ بمراجعة التاريخ يبدو لنا أن الثورة حدث استثنائى لا يمكنه أن يكون قاطرة للتاريخ، بل هو جزء من حركة التاريخ الذى يحرك البشرية كلها، ويشارك فى صنعه كل البشرية، فالثورة ضرورة لتغيير لا يمكن أن يتم بغيرها، ولكنها لابد أن تكون مرحلة سريعة وخاطفة يتم البناء عليها بشكل سياسى مستفيدين من قوة الثورة واندفاعها والتفاف الجماهير حولها، وبقراءة التاريخ يثبت أن الثورات لم تكن أبدًا بكل تلك البراءة والنقاء الذى يبدو لنا فى بدايتها وصورتها التى يرسمها لها الثوار ومن آمن بهم، بل إن تلك الصورة الرومانسية للثورة والثوار تكون فى الغالب هى السبب الأقوى للإحباط الذى يصيب من آمن بها حين يكتشف ديكتاتورية الثورة حتى مع من أيدوها، بل ومع من قاموا بها؛ فكم من ثورة أكلت أولادها وانتهى الأمر بالثوار فى السجون أو إلى قتل بأيدى من خرجو معهم حاملين رؤوسهم على أكفهم، إن النظر إلى الثورة بكل تلك الرومانسية متخيلين ملائكية من قامو بها ومنبهرين بأشخاصهم إلى حد التقديس، مؤمنين بقدرتها على صنع مجتمع من القديسين، كل ذلك يشبه فى جوهره الحب على طريقة أغانى عبد الحليم حافظ، فأنت تسمعها ويدق قلبك لسماعها وتمتلئ عيناك بالدموع لروعتها وتدندن بها على شاطئ البحر وقت الغروب، ولكن الويل لك لو حاولت أن تخوض تجربة الحب بالطريقة نفسها، فإنك لن تحصل فى حياتك على امرأة قط، وكذلك الثورة لو تعاملت معها برومانسية "جيڤارا" دون أن تضعها فى إطارها السياسى الصحيح فإنك لن تحصل على وطن حر قط، بل وربما تفقد ما كان فى يدك يومًا وثرت عليه طمعًا فى الأفضل، وساعتها – ربما - تدرك أنه لا فرق بين مفهومك للثورة عند "جيڤارا" وإيمانك بأن الحب هو ما غناه عبد الحليم.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة