حافظ أبو سعدة

عودة البرلمان على أنقاض دولة سيادة القانون

الخميس، 12 يوليو 2012 06:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بات واضحا أن الرئيس مرسى عندما أشار فى خطابه بجامعة القاهرة إلى أن المؤسسات المنتخبة سوف تعود، كان يقصد ما يقول وينوى تنفيذه بصرف النظر عن حكم المحكمة الدستورية، وإلزامه لكل مؤسسات الدولة، ونفاذه فى مواجهتها، بمن فى ذلك السيد رئيس الجمهورية. وبمعنى آخر أنه لم يعترف أصلا بحكم المحكمة، برغم أنه قد عرج فى خطابه إلى إعلان احترامه لأحكام القضاء.

وقد انقسم المجتمع المصرى حول قرار عودة البرلمان، فهناك من أيده - بخلاف الإخوان المسلمين أصحاب المصلحة فى العودة - بزعم أن الذى حل البرلمان هو المجلس العسكرى، وبالتالى الرئيس بذلك استعاد صلاحياته فى مواجهة المجلس العسكرى، والجانب الآخر رفض القرار انطلاقا من الخوف على سيادة القانون، واحترام أحكام القضاء واستقلاله، وضرورة ألا يشعر رئيس الجمهورية أنه فوق القانون، حتى لا نعيد إنتاج الاستبداد وحكم الفرد.

وبرغم اعتقادى أن هذا البرلمان المنعدم- وفقا لوصف المحكمة الدستورية العليا- لن يكون باستطاعته إصدار أى قانون، أو القيام بأى عمل برلمانى، وفى حالة إصدار أى عمل فإن مصيره البطلان، سواء أكان العمل قانونا أم أى عمل من أعمال البرلمان، لأن الأخير لا يتمتع بأى مشروعية، فهو منعدم حتى لو سايرنا ما قاله الإخوان وأنصارهم من أن الحكم انصب على الثلث فقط، فإن ما تبقى من الثلثين لا يشكل أى نصاب قانونى، حيث نصت المادة 32 من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 على أن يُشكّل مجلس الشعب من عدد من الأعضاء يحدده القانون، على ألا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضوا.. إلخ. فإذا كان عدد أعضاء المجلس الثلثين يكون 332، فهو أقل من النصاب، وإذا أضفنا إليهم العشرة المعينين يكون العدد 342، يظل المجلس غير مكتمل النصاب، وهنا هو مجلس غير قادر حتى على الاجتماع أو الانعقاد، فضلا على أن أحزاب الوفد، والمصرى الاجتماعى الديمقراطى، والمصريين الأحرار قد أعلنت مقاطعة هذه الاجتماعات، وغير معترفة بقرار إعادته، لذا فإنه يصبح قرار الرئيس بعودة البرلمان -من الناحية العملية- قرارا غير ذى جدوى، حتى لو أدى ذلك إلى خلق أزمة سياسية، وصدام مع السلطة القضائية.

ويدفع أنصار الرأى المؤيدون لقرار الرئيس بقوله إن قرار عودة البرلمان قد استند إلى أن الحل كان بقرار من المجلس العسكرى، ولكن هذا فى الحقيقة مخالف للمنطق والعقل، لأن أحكام المحكمة الدستورية نافذة بقوة القانون، ولا تحتاج إلى قرار، فإذا صدر حكم بعدم دستورية قانون فورا تمتنع كل جهات الدولة عن التعامل بهذا القانون، وإذا أنشأ هذا القانون غير الدستورى مجلسا أصبح منعدما، ولدينا خمس سوابق لحل مجالس منتخبة فى مصر بأحكام المحكمة الدستورية العليا، منها مجلسا الشعب عام 84 وعام 87، وبالتالى لا صحة لاعتبار أن قرار الحل صادر من سلطة استثنائية.

أما القول بأن المحكمة الدستورية قد تجاوزت اختصاصها، فهذا مردود عليه بأن الحكم إذ أقر بأن القانون غير دستورى، فإن الطبيعى أن تحدد المحكمة ما يترتب على ذلك، وهو اعتبار المجلس المنشأ استنادا إلى هذا القانون فى حكم المنعدم، حتى يتم نفاذ الحكم، فإذا اختلفنا حول مضمون الحكم فإن المرجعية فى التفسير هى المحكمة ذاتها، لا أن نفسر نحن الحكم وفقا لرؤى أشخاص أو أفراد غير مختصين.

والأخطر مما سبق أن البعض استطالت انتقاداته الحكم ذاته، حتى بلغت الطعن فى المحكمة ذاتها، وهم الذين كانوا ينتقدون مجلس الشعب سابقا عندما كان لا ينفذ قرارات محكمة النقض بدعوى أنه سيد قراره، برغم أن الدستور قد أعطى محكمة النقض حق التحقيق فقط فى الطعون وصحة العضوية أيضاً وليس الحكم، وانتفض لهذا بعض القضاة الذين اتجه بعضهم- للأسف- ليكون رأس الحربة فى الهجوم على أحكام المحكمة الدستورية، وهم يعرفون جيدا ماذا يعنى عدم احترام أحكام القضاء، وانهيار مفهوم سيادة القانون.

ونهاية، ينبغى التأكيد على أن الرئيس لا يملك دعوة المجلس للانعقاد بعد الحكم بعدم دستورية قانون مجلس الشعب، فهو هنا يدعو جماعة من المواطنين للاجتماع كلهم من أعضاء حزبه وحلفائهم لا يمثلون الشعب المصرى، ولا يملكون أى سلطة للتشريع أو الرقابة، وبصراحة هذا اعتداء سافر على الشرعية، وقرار الرئيس مشوب بعيب الانحراف بالشرعية، ولا يهدف بأى حال من الأحوال إلى تحقيق مصلحة عامة، بل إن البعض يرى أن المجلس يعاد لسببين، الأول هو تشكيل حكومة يهيمن عليها حزب الحرية والعدالة وحلفاؤه، والسبب الثانى أن يصدر المجلس قانون مجلس الشعب الجديد مع تفصيل نظام انتخابى يضمن أغلبية لحزب الحرية والعدالة، لاسيما بعد أن كشفت الانتخابات الرئاسية عن انخفاض شعبية الحزب بدرجة كبيرة قد لا تمكنه من تشكيل حكومة منفردا، أو الحصول على أغلبية المقاعد الوزارية، فهذه هى حقيقة ومضمون قرار الرئيس.

إن الأزمة السياسية الحالية ستفتح الباب لاحتمالات التصعيد، لاسيما مع إصرار حزب الحرية والعدالة على استمرار عمل الجمعية التأسيسية بتركيبتها غير المتوازنة، وسيطرتهم على أغلبية تضع دستورا للبلاد يعبر عنهم فقط، ولا يعبر عن الشعب المصرى.. تبقى كلمة أخيرة أن قرار الرئيس قد يكون أعاد البرلمان، ولكن على حساب دولة سيادة القانون!





مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

هاشم حسن

أحكام عادلة

عدد الردود 0

بواسطة:

هاني من أمريكا

محترم

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة