د. محمد صبرى يوسف يكتب: اعتبار المآلات

الخميس، 12 يوليو 2012 03:03 م
د. محمد صبرى يوسف يكتب: اعتبار المآلات الرئيس الدكتور مرسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اعتبار المآلات، هو أحد فروع الفقه المختص باستشراف المستقبل وحسن التوقع ودراسة النتائج المترتبة على أى فتوى أو فعل أو قرار.. وكذلك فعلى ولى الأمر الرشيد أن يأخذ فى الاعتبار أن يوازن بين ما قد تؤول إليه قراراته من تحقيق فاعل لمصلحة أو جلب خطير لمفسدة.. وكان رسول الله (ص) بما آتاه الله من الحكمة والبصيرة مثالا للتروى وحسن التقدير والتدبير الذى جنب الإسلام والمسلمين الكثير من المخاطر والمزالق.. فعلى سبيل المثال امتنع رسول الله (ص) عن قتل المنافقين فى المدينة على استحقاقهم لذلك لإدراكه لتبعات ومآلات ذلك التصرف على مستقبل دعوته.. فقد توقع النبى (ص) أن يشن عليه المنافقون فى المدينة حربًا إعلامية قد تثبط الهمم أو تسىء للمسلمين إن هو أقدم على سفك الدماء.. وقال مقولته الحكيمة “معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمدًا يقتل أصحابه”، وهذا بالقطع ليس تخاذلا والعياذ بالله، وإنما حصافة وحسن تقدير.. فما أروع ذلك المسلك الذى سلكه رسول الله (ص) حتى يسد ذرائع لنفور محتمل من الإسلام وأهله.. لم يندفع النبى (ص) إذا نحو طريق العواطف الهوجاء غير المأمون العواقب المحبذ من بعض صحابته، وإنما اختار الطريق الآمن، وهو طريق الجهاد باللسان والحجة على مشقته وطول أمده.
خان التوفيق الرئيس مرسى فى قراره الأخير بعودة البرلمان رغم حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلانه.. حيث إن الرئيس فى ظنى لم يراع جيدًا مآلات قراره من مفاسد الانقسامات، التى باتت تضرب فى عضد مجتمع على وشك الانهيار.

كما أن القرار أيضًا يظهر الرئيس وكأنه غير عابئ بأحكام أعلى سلطة قضائية فى مصر.. لم يستطع الرئيس أن يفصل بين ممارسات القضاة وبين مقام القضاء كمثل الطالب، الذى صفع مدرسه على وجهه أمام الطلاب لظلم وقع به.. لا يجوز للطالب (ولا حتى ناظر المدرسة) أن يصفع مدرسا على وجهه حتى وإن كان ذلك المدرس مرتشيا وقاسيا ووقحا وغير أمين.. لأن الطالب هنا لم يفصل بين فعل المدرس الآثم وبين مقام المعلم المستوجب للتبجيل وتكون فظاعة جرم الطالب هنا كفيلة بأن تضعه تحت طائلة القانون وأن تفقده تعاطف المتعاطفين، كما أنها تشكك فى نقاء سريرته ورجاحة عقله.. ما اقترفه الطالب يخرج الموضوع من كونه خلافاً بين طالب مظلوم ومدرس ظالم إلى كونه مساسًا بمقام المعلم المقدس ولو أجيز ذلك التصرف تحت أى مسمى فهذا يعنى ببساطة القبول بصفع الطلاب لمدرسيهم، كلما عرض لهم عارض.. كان الأجدر والأسلم للطالب الغاضب أن ينتهج نهجا قانونيا لأخذ حقه، وإن كان شاقا وعسيرا.

بالرغم من كل التأويلات والتفسيرات ولحن القول القانونى فإن الرئيس قد صفع المحكمة الدستورية وقضاتها بقراره هذا، وما كان ينبغى له، وذلك لسببين رئيسيين: السبب الأول أن الرئيس قد اختار طواعية أن يعتلى سدة الحكم فى مصر محتكماً للنظام القضائى المصرى ومستعينًا به، وهو ما رفضه مثلا الدكتور محمد البرادعى حين انسحب من السباق الرئاسى معلنا عدم ثقته فى النظام الراعى لعملية الانتخاب برمته، وهذا موقف مختلف عن موقف الدكتور مرسى، الذى طفا فوق سطح النظام القضائى والعسكرى المصرى حتى وصل إلى مقعد الرئاسة.. وبالتالى فأى تشكيك منه فى نزاهة أيهما أوكلاهما هو فى واقع الأمر تشكيك مباشر فى أحقيته لمنصب الرئيس.. الشكوى الانتقائية من القضاء المصرى لا محل لها هنا لأنها تظهر الرئيس كمن يستخدم القانون كإله من العجوة يعبده إذا ما شبع ويلتهمه إذا ما جاع. والسبب الثانى أن الرئيس قد أقسم على احترام الدستور (على عيوبه) والقانون(على نواقصه) وحنث اليمين يحل كل مؤسسات الدولة تلقائيا من طاعته.. الرئيس هو الحامى الأول للقانون أيا كانت مثالبه والمدافع الأول عن المؤسسات القضائية أيا كان اعوجاجها.

ولا يستقيم أن تتم تنقية المثالب وتقويم الاعوجاج بازدراء تلك المؤسسات والانقضاض عليها، وإنما يكون بانتهاج لمسالك قانونية ودستورية رصينة.. ومما لا شك فيه أن الرئيس كان لديه الكثير من الطرائق والمفاتيح القانونية (غير المسيسة)، والتى كانت ستفضى إلى ما يرتضيه من نتائج دون أن يقول الناس “إن مرسى يقتل أصحابه” ودون أى تعد واضح على مقام القضاء.. بالطبع قد تكون تلك الطرائق القانونية عسيرة مجهدة، مستهلكة للوقت متطلبة لحسن التدبير والقدرة على الإقناع.. لكن الرئيس فيما يبدو قد اختار الطريق القصير المفخخ بالألغام والمحفوف بالمخاطر.

أخشى أن الرئيس مرسى لم ينسلخ تمامًا من جلده الإخوانى وما زال بحكم النشأة والتاريخ والعاطفة تتطابق عنده مصلحة الجماعة مع مصلحة الوطن.. أرجو أن يكتشف الرئيس سريعا أن هذا التطابق قد يحدث حينا وقد يخلف أحيانا أخرى وأن عليه أن يغلب مصلحة الوطن عندما تعارض المصالح.. أحذر الرئيس من مستشاريه الذين تتدلى أقدامهم فى الماء البارد دون إدراك لمآلات كرات اللهب التى يلقونها بين كفيه والطرق الوعرة التى يسلكونه إياها. كما أدعو الله ان يوفقه للوفاء بتعهداته أمام الشعب وأن يحميه من شر الفلول والعسكر ومكتب الإرشاد.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة