استوقفت خطابات الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية الثلاثة، التى ألقاها على الشعب المصرى منذ إعلان فوزه برئاسة الجمهورية، كثيرا من أساتذة علم النفس والمحللين وخبراء الإعلام، حول مضمونها النفسى والدفاع ورائها فى ظل ما شهدته البلاد من جدل مستمر، حول إمكانية تخطى الرئيس مرسى للمرحلة الحالية التى تمر بها مصر، "اليوم السابع" رصد مع الخبراء التحليل النفسى واللغوى للرئيس.
حيث قال الدكتور محمد الحديدى أستاذ الطب النفسى بجامعه المنصورة، خطابات الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية، والتى وجهها الى الشعب المصرى تؤكد على شعوره من وجود قلق لدى المواطنين نتيجة وجوده فى الحكم فى الداخل والخارج، مما دفعه لمحاولة طمأنه المواطنين، من خلال استخدام العديد من الألفاظ مثل "أهلى وعشيرتى" موجها خطابة للمجموعة الكبيرة التى لم تختاره إلى جانب العالم الخارجى، موضحا أن خطابه الذى ألقاه خلال احتفال القوات المسلحة بتسليم السلطة بالهايكستب حاول فيه إعطاء تطمينات للجيش، مؤكدا على شعاره "قوتنا فى وحدتنا".
وقال الحديدى إن الرئيس حاول فى خطابه الأول، توحيد الصف، من خلال إحصاء كل مجموعة من الشعب، بالإضافة إلى اختيار العديد من الأماكن لإلقاء خطابه، حيث توجه لميدان التحرير وجامعة القاهرة والقوات المسلحة، فجمع بين الفكر والجيش والثوار، فالميدان ممثلا للثوار والثورة، والجامعة التى تمثل الشباب إلى جانب القوات المسلحة، وذلك دليل على أنه قلق من الاختلافات فى الشارع المصرى، وطالبا لدعمهم.
وأكد أستاذ الطب النفسى، أن الرئيس مرسى استخدم أسلوب الجرأة بميدان التحرير للفت الانتباه، وتكوين كريزما وهو شىء هام ومطلوب خلال هذه المرحلة، بسبب الهجوم الذى تعرض له مرسى قبل تولية الحكم، بأنه لا يملك كاريزما، مما جعله يتجه لإثبات عكس ذلك، وإظهار أنه يملك الشجاعة، دون الاهتمام بالحراسة.
وأضاف الحديدى فى تحليله لخطابات الرئيس، أنه استخدم أسلوب الارتجال، مما يعطى انطباعا للمستمعين أنه منهم للطمأنة، بجانب استخدام لغة الجسد وتحركاته الجريئة تعطى إحساسا بالثقة بالنفس، محاولا التحول من رئيس إلى زعيم، والاقتراب من زعامة عبد الناصر، مؤكدا أنه من الشعب وللشعب.
بينما قالت وفاء داوود الباحثة فى العلوم السياسية، إن خطاب د. محمد مرسى رئيس الجمهورية فى حفل تنصيبه بجامعة القاهرة، بعد أدائه اليمين الدستورى أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، جاء مغايراً تماما لخطابه الأول والثانى، وهذا يدل على إدراك الرئيس لاختلاف المناسبات والمواقف، فالخطاب الأول كان بشكل غير رسمى يتلاءم مع الحس الثورى، إلا أن خطابه الثالث وبعد إعلانه رسمياً كرئيس للبلاد جاء أكتر تقدماً ورقياً، ليتلاءم مع رجل دولة متناولا قضايا عدة، ويلاحظ من خلال القراءة التحليلية للخطاب الثالث، أن الرئيس محمد مرسى بدأ بجملة "الله أكبر" على كل شىء، والتى كانت إشارة واضحة لمبارك الذى سجنه وظلمه وتأتى الأيام التى تعكس الأوضاع، فيكون مرسى الرئيس ومبارك السجين، فسبحان المعز المذل. كما اعتذر قبل البدء بخطابه لطلاب جامعة القاهرة بسبب إلغاء الامتحانات اليوم بسبب لقائه بالجامعة، وتأكيده على معرفته بكافة التفاصيل التى تتعلق بالطلاب مؤكداً معرفته بأن الإمتحان كان خاص بكليتى الآداب والحقوق فقط.
وتضيف "داوود"، انطلق مرسى فى خطابه بالتأكيد على عدم العودة للوراء ومحاربة كل من يحاول العودة إلى ما قبل 25 يناير، مشيراً إلى نقاط هامة تُعد جوهر خطابه والتى تتمثل فى التأكيد على شرعية المؤسسات المنتخبة والتى تعد إشارة واضحة وصريحة على عودة البرلمان المنتخب لدوره ولانعقاده وهو الأمر الذى يوضح عدم اعترافه بقرار المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان، كذلك أكد على احترامه للجنة التأسيسية للدستور وهو الأمر الذى يمثل الضوء الأخضر لاستكمال عملها، لكن هذا لا يمنع انتظار حكم القضاء حول بطلانها من عدمه. بعد تفجيره لقضيتى عودة البرلمان وشرعية اللجنة التأسيسية للدستور يحاول محمد مرسى مغازلة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فيقدم له التحية والتقدير والإثناء على جهودة ومشيداً لجهود قوات الشرطة، وفى ذات الوقت أكد تقديره لجهود القضاء مركزاً على العدلاء فى المؤسسة القضائية وهذه إشارة إلى إدراكه بوجود البعض المسيس داخل أروقة القضاء.
وأضافت: كرر د. مرسى خمس مرات تقديره لجهود القوات المسلحة مستخدماً لفظ "الجيش" ثلاث مرات، ولفظ المجلس الأعلى للقوات المسلحة "مرتين"، وذلك لتوصيل أكثر من رسالة والتى بدأت بمغازلته واحتوائه والتأكيد على احترام المؤسسة العسكرية ودعمها، مع مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالعودة إلى ثكناته، فقد سرد مرسى أداء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى إدارته للمرحلة الانتقالية موضحاً أنه قام بإجراء الانتخابات البرلمانية "انتخابات مجلس الشعب والشورى"، وأنتج برلماناً منتخباً يعبر عن إرادة الشعب" وهذا تلميح بعدم المواقفة على حل البرلمان"، متابعاً الإشادة بدور المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الانتخابات الرئاسية والتى أنتجت رئيسا منتخبا يعبر عن إرادة الشعب بالإضافة إلى تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، وينطلق الرئيس من ذلك بتوجيه الشكر والتقدير للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على إدارته للمرحلة الانتقالية داعياً إياه للعودة لدوره الأساسى فى حماية الوطن معلناً انتهاء المرحلة الانتقالية ودور المجلس فى إدارة شئون البلاد.
وتقول الباحثة فى العلوم السياسية: إنه ورغم إشارته الصريحة بعودة المؤسسات المنتخبة لممارسة دورها "عودة البرلمان لعقد جلساته"، يؤكد مرسى على احترامه لسيادة القانون والعمل على تطبيقه على كافة المواطنين سواء، واحترام الدولة المؤسساتية وتحقيق التوان بين السلطات الثلاث.
وتابعت: انتقل مرسى إلى فصائل وشرائح الشعب المصرى مؤكداً على احترامه لقيم المواطنة والتسامح، والتزامه بسياسات عامة تحقق مطالب الشعب تتلاءم مع احتياجات المرحلة الحالية، موضحاً الخطوط العريضة لبرنامجه فى المرحلة القادمة والتى تتركز فى إصلاح المجال الاقتصادى والأمنى لعودة الاستقرار للبلاد، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية التى تعد من أهم مطالب المرحلة الثورية ثم عاد مرسى مرة ثانية ليطمأن شرائح الشعب المصرى ويؤكد أن صعوده كرئيس ينتمى لتيار إسلامى لن يؤثر على مسار الدولة وحضارتها، متطرقاً إلى رصد سلبيات النظام السابق لاسيما فيما يتعلق بتدنى مكانة مصر دوليا وإقليميا خلال فترة المخلوع، مؤكداً على أن أولوية السياسة الخارجية لحكومة رئيس الجمهورية تكمن فى عودة مكانة مصر الرائدة دولياً وإقليمياً، موضحاً الاهتمام بما أهمله السابق السابق لاسيما الدوائر الإسلامية والأفريقية فى السياسة الخارجية المصرية.
وتشير إلى أن مرسى أكد على احترامه والتزامه للمعاهدات الدولية لطمأنة الخارج لاسيما أمريكا وإسرائيل إلا أنه أكد فى ذات الوقت على مساندته للشعب الفلسطينى لحصوله على حقوقه الشرعية وبذل جهود المصالحة بين الفصائل السياسية الفلسطينية لتكون بمثابة صف واحد وجبهة واحدة لتشكل قوة ضغط للحصول على حقوقها الشرعية كدولة، وهو ما يربك إسرائيل ويخلق بور توتر فى العلاقات المصرية الإسرائيلية الأمريكية، كما أكد مرسى على دعمه للشعب السورى فى مواجهه النظام المتسلط، موضحاً عودة القومية العربية والهوية العربية من خلال العمل على توحيد الصفوف العربية سياسياً واقتصادياً من خلال تفعيل المؤسسات العربية الإقليمية، فضلا عن طمأنته الدول العربية - وهى إشارة للدول الملكية التى لم تصاب بعدوى الثورة من الدول العربية- بأن مصر لا تعمل على تصدير الثورة ولا تتدخل فى شأن داخلى لدول أخرى لأنها لا تقبل تدخل أى دولة مهما كانت فى شأنها الداخلى، وهذه إشارة لدول عربية بعينها حاولت وتحاول التدخل فى الشأن المصرى، وفيما يتعلق بتقييم المهارات الشخصية لكتور محمد مرسى فى أدائه للخطاب الثالث، نلاحظ ثقته بنفسه، وبروز شخصيته القوية وصلابته، كما نلاحظ تحسنا فى أدائه مقارنةً بالخطاب الأول والثانى.
وأشار الدكتور مصطفى رجب عميد كلية التربية السابق بجامعة سوهاج، أنه لوحظ على خطابات الرئيس أنه لا يلتزم كثيرا بالنص المكتوب، واتجاهه إلى أسلوب الارتجال، كما يميل إلى تكرار بعض العبارات التى يراها أكثر تأثيرا على المستمعين، مضيفا أن الخطاب من الجانب النفسى هو أكثر حميمية من خطابات الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، على عكس خطابات مبارك التى لم يكن فيها أى قدر من محاولة التواصل النفسى مع الجماهير، وهو ما يرتفع بشخصية الرئيس محمد مرسى عن مستوى الرئاسة إلى أول درجات الزعامة، بحيث يستطيع مباشرة كسب تعاطف مستمعيه، حيث ظهر ذلك من انطباعات الرافضين لترشيح مرسى، فأصبحوا بعد خطاباته لديهم درجة كبيرة من التقبل والاستعداد للإعجاب به، غير أن المحاذير الآن تتمثل فى ضرورة الفصل بين الرئيس بوصفه زعيما للأمة وبين انتمائه الفكرى لجماعه الإخوان المسلمين.
وقال رجب إن مرسى استخدم كلمة "أهلى وعشيرتى" فى خطابه الأول، فاستخدام كلمة عشيرة قد يوحى للبعض أنه يوجه خطابه للإسلاميين فقط، لأنها كلمة تعنى الأقربين، وهو ما جعل مرسى يستخدم كلمة أهلى فقط فى باقى خطاباته.
وعن استخدام الرئيس للغة الجسد، أكد رجب أنها متسقة مع العبارات الحماسية التى ظهرت فى الملامح النصية لكلمات الرئيس وجملة، حيث لوحظ تحريكة ليده اليمنى كثيرا وتوزيع نظراته، كما أنه أوضح ثباته النفسى لكسب ود الجميع، وذلك من خلال قيامة بفتح "الجاكيت" بالميدان، مما يؤكد ثقته بالشعب، مثلما فعل عبد الناصر من قبل، لأن الشعب مستعد لحماية رئيسه إذا أحبه.
من جانبه، قال الدكتور هاشم بحرى رئيس قسم الطب النفسى بجامعة الأزهر، إن مرسى استخدم فى خطابه الأول منهج ثورى لإثارة مشاعر المواطنين، حتى يكونون أكثر انقيادا له باستخدام الصوت المرتفع، إلى جانب لغة الارتجال، موضحا أن خطاب مرسى فى التحرير كان يغلب عليه الطابع الثورى على العكس من خطابه الذى ألقاه بجامعة القاهرة، فغلب عليه الطابع العقلى، بالإضافة إلى قيامه بأداء القسم 3 مرات، مما يعطى انطباعا بأن لكل مقام مقال، فكان عنده انتقاء بعناية لأسلوب الإلقاء والحوار فى كل خطاب.
وعن التحليل الإعلامى لخطابات رئيس الجمهورية، قال الدكتور محمد الباز الكاتب الصحفى والأستاذ بإعلام القاهرة، إن الجزء الأهم فى خطاباته هى أننا أمام رئيس يريد أن يثبت للجميع أنه يمتلك كافة الصلاحيات، وقوى بما يكفى لإدارة شئون البلاد، واستخدم فى ذلك نبرة الصوت المرتفعة القوية، وهو ما لا يعتاده البعض على الدكتور محمد مرسى.
أما عن مضمون الخطابات، فأوضح الباز أننا امام 3 خطابات متناقضة، تعكس أننا أمام رئيس يريد أن يرضى الجميع دون إثارة غضب أحد، مما أوقعه فى متناقضات، ففى خطابه بجامعة القاهرة، أكد على عودة المجالس المنتخبة إلى أعمالها، وانحصار دور القوات المسلحة فى تأمين حدود البلاد، على عكس خطابه فى الهايكستب، حيث أكد أن القوات المسلحة ستظل بجانب الرئيس المنتخب، لحين انتهاء المرحلة الانتقالية.
وعن أداء الرئيس القسم 3 مرات، أوضح الكاتب الصحفى، أنه قام بذلك لإرضاء شباب التحرير والحصول على الشرعية من المحكمة الدستورية العليا، إلى جانب إرضاء أعضاء مجلسى الشعب والشورى، فالخطب الثلاثة كانت مجموعة من المحاولات التى تهدف إلى تجميع كافة فئات الشعب المصرى .
وأضاف الباز، أن الرئيس حتى الآن لا يمتلك القاموس الخاص به، فامتنع عن استخدام جملة "أيها الإخوة المواطنون" لأنه رأها سيئة السمعة، واستبدلها بأهلى وعشيرتى، مما يعكس خلفيته وثقافته وانتمائه للجماعة، إلى جانب غلبة التعبيرات الدينية على خطاباته.
خبراء نفسيون وإعلاميون يحللون خطابات الرئيس.. الحديدى: مرسى يشعر بقلق ويحاول طمأنة الشعب.. رجب: خطاباته أكثر حميمية من أسلافه.. بحرى: حاول إثبات تمتعه بكاريزما.. والباز: لغته تميزت بالتعبيرات الدينية
الأحد، 01 يوليو 2012 07:04 م