مصر ليست مكة أحب بلاد الأرض لله سبحانه وتعالى، مصر دخلها كثير من الأنبياء، ومع ذلك لا يوجد نبى دعا لمكة كما دعا سيدنا إبراهيم بأن يجعل هذا البلد آمنا ويرزقه من كل الثمرات.. لم تكن مصر طوال تاريخها آمنة طوال الوقت.. فى كل العصور حتى فى أوج حضارتها تعرضت لهجمات وغزوات من كل الدول الطامعة فى مصر وخيراتها، ولا يوجد بلد فى العالم استعمر كما استعمرت مصر.. البطالسة، الرومان، العثمانيون، الفرنسيون، الإنجليز. المصريون تقلبوا عن جمر النار من هولاء الغزاة، نحن نحب مصر الوطن لا مصر الدولة، وهناك فرق كبير بين الاثنين، الوطن هو الأرض والنيل والجغرافيا والمناخ، بينما الدولة هى السلطات من حكام وحكومات.. مصر الدولة نغضب عليها كثيراً ونكرهها قليلاً، نحبها قليلاً، ونتلوى منها كثيراً.
الشعب المصرى أكثر الشعوب مسالمة ومع ذلك نحن أكثر الشعوب قلقاً، وأقل شعوب العالم تفاؤلاً وسعادة.
حضرات القراء
قد يكون هذا حديث عن الماضى غير السعيد، وللأسف الحاضر الآن غير سعيد أيضاً، فمن ثورة ناجحة إلى فترة انتقالية بائسة، فيها لمحات ضوء تنير الظلام من وقت لآخر كضوء انتخابات الرئيس التى تمت. د. مرسى الرئيس المنتخب جاء فى أصعب ظروف عاشتها مصر طوال تاريخها. عبدالناصر جاء بعد قيام ثورة عسكرية ضد ملكية فاسدة، وفى بلد انتشر فيه الفقر والجهل والمرض، ومستعمر من الاستعمار الإنجليزى. السادات جاء بعد وفاة مفاجئة لعبدالناصر، وبعد هزيمة 67 واحتلال الإسرائيليين لسيناء. مبارك جاء أيضاً فى ظروف صعبة بعد اغتيال الرئيس السادات..
وفى رأيى أن د. مرسى جاء فى ظروف أصعب من الرؤساء الثلاثة، فبعد ثورة يناير التى نجحت فى بدايتها، ثم تأرجحت بين النجاح والفشل طوال العام ونصف العام، عمر الفترة الانتقالية، جاء بتأييد محدود من الشعب المصرى، وبفارق ضئيل عن منافسه الفريق شفيق. لم يدخل قصر الرئاسة بتسعة وتسعين فى المائة، ولا ثمانين ولا سبعين ولا حتى ستين فى المائة، بل انقسم المصوّتون مناصفة بينه وبين منافسه.
جاء وسط تشرذم سياسى بين القوى والأحزاب والحركات السياسية، جاء وسط صدام من حزبه وجماعته ضد القضاء، وضد المجلس العسكرى، وضد الإعلام المصرى، ووسط تشكيك من حزبه ضد لجنة الانتخابات الرئاسية.
قد يكون لدى الدكتور مرسى أفضلية غير الرؤساء الثلاثة، أن أمامه وبين يديه تجاربهم الإيجابية والسلبية، وهى فرصة كبيرة للاستفادة وتجنب السلبيات.
ومع ذلك فهناك شىء مفزع حدث لكل حكام مصر، من أول تاريخ الفراعنة حتى الآن، فرعون مصر غرق فى اليم عند مطاردة النبى موسى، توت غنج آمون مات مقتولاً كما يشاع، كليوباترا ماتت منتحرة بلدغة الثعبان، شجرة الدر قتلت بضرب القباقيب، محمد على مات بالزهايمر، حيث انتهى به الأمر بأنه لا يعرف من حوله أو ما يدور حوله، عبدالناصر مات فجأة وفى سن صغيرة بالسكتة القلبية، السادات تم اغتياله، مبارك خلعته الثورة، وحكم عليه بالسجن المؤبد، طبعاً لو دققنا أكثر سنجد أن الغالبية العظمى من حكامها كانت نهايتهم مأساوية.
ونحن ندعو الله أن يجنّب الدكتور مرسى هذه النهايات، فربما يكون هو الأسعد حظا، والأكثر شعبية، وربما هو يسطر تاريخا مضيئا لمصر، وربما يكون هو مصدر السعادة لكل المصريين، من يدرى، نرجو له ولمصر كل ذلك.
عزيزى القارئ..
بدأ الرئيس خطابه بكلمات ومعان لا تختلف كثيراً عن خطابات رؤساء ثورة يوليو 52، فلو حللت الخطابات الأربعة ستجدها كلها متشابهة.. التواضع، البساطة، احترام الشعب، الإيمان بالله، وتملق الشعب.
عزيزى القارئ..
الفرق بينه وبينهم أنه لم يأت بإجماع شعبى، كما حدث مع عبدالناصر ومع السادات، بل حتى مع مبارك.
فالذين أيدوه قريبون فى العدد مع الأعداد التى صوتت للفريق أحمد شفيق، والذين لهم حق التصويت خمسون مليونا، الأصوات الصحيحة حوالى 25.5 مليون، حصل منها د.مرسى على 13 مليونا وربع المليون، والفريق شفيق 12 مليونا وحوالى أربعمائة ألف، وهناك خمسة وعشرون مليونا لم يصوتوا، ولا نعرف لمن كانوا سيصوتون، هذا غير بقية الشعب المصرى المتبقى الذى قد يصل إلى أربعين مليوناً..
مهمة د. مرسى الصعبة هى الوصول إلى كل الشعب المصرى.. مؤيديه ومنافسيه، ورجاله ونسائه، شبابه وعجائزه، نعم لديه أشياء عاجلة كالأمن والمرور والباعة الجائلين والعشوائيات، وأهم من كل ذلك هو وضع الدستور المصرى الذى لا أتوقع أنه سيتم وضعه فى سلام.
الوصول إلى قلوب الشعب المصرى قد يكون سهلا وميسورا بالكلام الحلو، والأفعال البسيطة التى تؤثر فى الناس، وبالمصالحة وباحتضان الجميع، وليس بالانتقام ومحاربة الخصوم، ومحاولات الزج بهم فى السجون. مهمته ستكون أسهل لو تخلى وابتعد واستقل إلى حد ما عن جماعة الإخوان المسلمين، وهو أمر صعب وليس من اليسير فعله، وإذا كان الإخوان أصبح لكثير من المصريين شك كبير فيهم، لافتقادهم المصداقية فى بعض المواقف، ومحاولاتهم التكويش على كل السلطات.
إشكالية الرئيس هى ما قاله المفكر الكبير كمال أبوالمجد عن الإخوان: «هم ينتقمون من الماضى، ويتحوطون للمستقبل، فالمسافة من قصر الرئاسة إلى طرة أمتار قليلة».
إذا سار الدكتور مرسى، الرئيس المنتخب، فى ذلك الطريق فلا هو سينجح، ولا مصر ستنجح، ولن تكون هناك مصر ولا دولة خلافة إسلامية.. وكما يقال «الكتاب يبان من عنوانه».. فنحن يا سيادة الرئيس ننتظر عنوان الكتاب.
> د. محمد مرسى.. كان سيكسب أكثر لو أعلن بصراحة وبشجاعة أنه قرر هو أن يحلف اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا.. وكان سيكسب أكثر لو فاجأ المصريين بإخلاء ميدان التحرير من أنصاره المعتصمين، وإخراج الباعة الجائلين الذين يملكونه الآن، وبنزول شباب الجماعة لتنظيف الميدان كما فعل شباب الثورة فى أيامها الأولى.. لو فعل ذلك لأسعد أهالى القاهرة ولصدقه كل المصريين، ولكن للأسف لم يفعل، ظل الميدان معتصماً ويافطات اللاءات مرفوعة، وهتافات «يسقط يسقط حكم العسكر» مستمرة، والهجوم على منافسه أحمد شفيق لا يتوقف.
هو لم يرد على إعلانات قيادات الجماعة بأنه لن يحلف أمام الدستورية العليا، بل أمام مجلس الشعب المنحل، بالإضافة إلى حلفان آخر فى ميدان التحرير.
المعنى من كل ذلك أن مؤسسة الرئاسة ليست مستقلة تماماً عن جماعة الإخوان، وحزب الحرية والعدالة.
> شباب الثورة الأصلى.. يخسر الشباب الحقيقى للثورة، خاصة حركة 6 إبريل لو قبلوا المناصب التفيذية التى سيعرضها عليهم الرئيس المنتخب بعد تأييدهم له.
فى ظنى أن أكبر إشكاليات د. مرسى هو التخلص من هؤلاء الذين لو استمروا على هذا لأصبحوا كمراكز قوى أيام الرئيس السادات.
> م. خيرت الشاطر.. نائب رئيس الإخوان، والمرشح الأصلى لانتخابات الرئاسة الذى تم استبعاده، ترى كيف يفكر الآن؟ هل ينطبق عليه المثل «تبقى فى بقك وتقسم لغيرك»، ما هى مشاعره كإنسان معروف بطموحه الشديد فى السلطة؟، وليس هو فقط ولكن بالذات د. عبدالمنعم أبوالفتوح الذى وصل إلى مرحلة خُيّل له فيها أنه رئيس مصر القادم، وأيضاً ما هى مشاعر حمدين صباحى، «كتنا نيلة فى حظنا الهباب»؟، ما مشاعر كل هؤلاء عندما يرون د. مرسى يقسم اليمن الدستورية لرئاسة مصر!
> الإمام الشهير حسن البنا.. لعل الرجل سعيد فى قبره الآن، ولعله روحه ترفرف أكثر علواً بعد أن تحقق للجماعة التى أنشأها رئاسة مصر، وهو ما لم يكن يحلم أو يصدق أنه سيحدث حتى لو كان حياً.. لعله يقول الآن: «والله وعملوها الرجالة».
> الفريق شفيق المرشح الخاسر للانتخابات.. تحية واجبة له لشجاعته لخوض الانتخابات فى ظل هذا الموقف المعادى له طوال الوقت، ولقدرته على الحصول على أصوات قريبة جداً للرئيس المنتخب د. مرسى. إعلانه بفوز د. مرسى وتهنئته موقف حضارى له ولمصر، وعلامة مهمة لبدء الديمقراطية فى مصر، اتصال أوباما به لتهنئته ليس مجرد احترام للرجل، ولكنه احترام أكثر للشعب المصرى.. هل سيشكل حزباً جديداً من مؤيديه؟
> فرقة «متقال» للغناء الشعبى.. هل تذكرون هذا الرجل ملك الربابة والارتجال، وحب المصريين له؟.. هل لاحظت كم التصريحات التى خرجت من أفواه قيادات الإخوان وحزب الحرية والعدالة بعد النتيجة، بدءاً من صبحى صالح، وعبدالمنعم عبدالمقصود، محاميى الإخوان، التصريحات النارية للدكاترة عصام العريان، ومحمد البلتاجى، اللذين تحدثا باسم الرئيس المنتخب، مثل أنه لن يحلف اليمين أمام الدستورية، وأنه لا لحل مجلس الشعب، ولا للضبطية القضائية، ولا للإعلان الدستورى المكمل، لا تنسَ أنهم الذين حاصروا د. مرسى عندما أعلنوا نتيجة الانتخابات مسبقاً فجر يوم الأحد الماضى.. الشعب لا ينقصه ضغوط أكثر من ذلك.
> إمام الدعاة الشيخ الشعراوى.. مع كل التقدير للخطاب الافتتاحى للرئيس المنتخب كنت أتمنى أن يحمل خطابه مقطع الشيخ الشعراوى عن الثائر الحق الذى يثور لنصرة الحق، ثم يهدأ ويجمع من خرج ضدهم فى صفه.. كان الدكتور مرسى سيكسب، ليس قلوب مؤيديه ولكن خصومه، وبقية أفراد الشعب المصرى.. وأرجو أن يكون ذلك شعاره فى الفترة القادمة.
> د. محمد البرادعى.. الرجل الذى أضاع على نفسه زعامة مصر، وأضاع علينا أحلام القناعة به والأمل فى أن يأخذنا معه.. للأسف رأى الجميع أننا لا نجد الرجل عندما يجد الجد، ويشتعل الموقف السياسى، فقط كنا نجده فى موقعه الأثير، موقع «تويتر».
هل يستطيع أن يعود مرة أخرى ويكتسب ثقة المصريين؟ هل سيستمر فى رئاسة حزبه؟ أم أنه لن يكمل المشوار؟ هل يستطيع هو والقوى المدنية الأخرى أن يشكل معارضة قوية؟ هل ينجح بالعمل الشعبى فى الحصول على نسبة ثلاثين أو أربعين فى المائة فى انتخابات البرلمان؟ هل سيكون قادراً ومن معه أن يكونوا حائط صد ضد تغول وتكويش جماعة الإخوان؟.. الله أعلم.
> النفاق السياسى الجديد.. وبدأت بشائر النفاق السياسى تظهر مبكرة بعد نجاح د. مرسى، بشائر تأليه الحاكم، وتحويله إلى فرعون كالذين سبقوه.
خذ عندك، إعلان مجهول من أن البورصة حصلت على مكاسب لم تحصل عليها منذ ثلاثين شهراً، أى طوال الفترة الانتقالية.