يُعد السلام فى مقدمة القيم الإنسانية الرفيعة. وهناك العديد من الأقوال المتواترة فى هذا الخصوص، والتى شاعت فى أعمال الفلاسفة، والباحثين، والشعراء والأدباء، تمجد جميعها فى السلام، وتجعل منه قيمة أساسية ومحورية فى الحياة. ومثله مثل غيره من المفاهيم، يحتاج السلام إلى تعريف محدد.
أولاً: ما مـعـنى الـسلام؟
هناك اتجاهان للنظر - بصفة عامة - إلى مفهوم "السلام".
1. السلام - فى أبسط تعريفاته - هو "غياب الخلاف، العنف، الحرب...". وتلك نظرة شائعة فى العديد من الكتابات، والتى لها جذور فى الحضارة اليونانية القديمة، وامتدت فى التاريخ الإنسانى المسيحى. ويتبنى دعاة السلام هذا التعريف لمفهوم السلام. ويرى الباحثون فى مجال العلاقات الدولية أن السلام يعنى غياب الحرب، ووجود الحرب لا يعنى وجود السلام. وفى المجتمعات الإنسانية يعنى السلام غياب كل ما له علاقة بالعنف، مثل الجرائم الكبرى المنظمة كالإرهاب، أو النزاعات العرقية أو الدينية أو الطائفية أو المناطقية (أى تلك التى تنشب بين مناطق جغرافية فى مواجهة مناطق أخرى داخل إقليم الدولة ذاته). وعادة ما تعود أسباب النزاعات المناطقية إلى اعتبارات اقتصادية (مثل الصراع على الثروات الطبيعية كما هو الأمر فى العديد من بلدان أفريقيا)، أو سياسية (مثل احتكار مناطق جغرافية معينة للسلطة السياسية مثلما هو النزاع الجارى حاليًّا فى دارفور) أو عرقية (مثل النزاعات بين الأعراق المختلفة التى تقطن مناطق جغرافية فى مواجهة بعضها البعض كما كان الحال حتى وقت قريب فى الصراع بين شمال وجنوب السودان).
2. السلام هو "الاتفاق، الانسجام، الهدوء...". وفق هذا التعريف فإن السلام - عكس التعريف السابق - لا يعنى غياب العنف بجميع أشكاله، ولكنه يعنى صفات إيجابية مرغوبة فى ذاتها مثل الحاجة إلى التوصل إلى اتفاق، الرغبة فى تحقيق الانسجام فى العلاقات بين البشر، سيادة حالة من الهدوء فى العلاقات بين الجماعات المختلفة.. وهكذا.
السلام – إذن - هو حالة إيجابية فى ذاتها (الاستقرار والهدوء مثلاً)، أكثر من كونه غيابًا لحالة سلبية مرفوضة (العنف، الحرب، القتل مثلاً). يفتح هذا التعريف المجال أمام التفكير فى مستويات مختلفة للتعامل مع مفهوم "السلام". هناك سلام بين دول، وهناك سلام بين جماعات بشرية، وهناك سلام فى داخل الأسرة، وهناك سلام بين المرء وذاته.
وعليه يكون السلام الاجتماعى هو الهدوء، والاستقرار، والصحة، والنماء، والحب بين أفراد المجتمع الواحد، ويمكن أن نقترب أكثر من مفهوم السلام الاجتماعى Social Peace فنقول إن المجتمع - أى مجتمع - يتكون من مجموعة من البشر، مختلفون بالضرورة عن بعضهم البعض، سواء فى انتمائهم الدينى، أو المذهبى، أو موقعهم الاجتماعى، أو الوظيفى، ولكن يجمعهم جميعًا ما يمكن أن نطلق عليه "عقد اجتماعى"، أى التزام غير مكتوب بينهم، يتناول حقوق وواجبات كل طرف فى المجتمع. الخروج على هذا العقد يمثل انتهاكًا لحقوق طرف، وإخلالاً بالتزامات طرف آخر مما يستوجب التدخل الحاسم لتصحيح الموقف.
من هذا المنطق فإن العقد الاجتماعى هو:
- تعبير عن حالة توازن بين الأطراف المجتمعية المختلفة فى المصالح، والقوة، والإمكانات، والإرادات.
- يحافظ على هذا التوازن "قوة"، ليست هى بالضرورة "قوة العضلات" أى العنف، ولكن هى - فى الأساس - قوة القانون، والشرعية.
- يساعد على تسوية النزاعات أو الخلافات باعتباره المرجعية التى تعود إليها الأطراف المختلفة لحل مشكلاتهم.
يساعد ذلك على حدوث ما نطلق عليه "التوقع". كل طرف يتوقع من الطرف الآخر سلوكًا معينًا، بناء على ما يقع على عاتقه من التزامات وواجبات، فإذا لم يأت بهذا السلوك يعتبر ذلك خروجًا على العقد الاجتماعى السائد.
فمثلاً إذا كانت هناك التزامات تقع على عاتق صاحب العمل تجاه العاملين فإنه فى المقابل هناك حقوق لصاحب العمل تجاه العاملين.
الإخلال بأى منهما يؤدى إلى الخروج عن العقد الاجتماعى، مما يستوجب التصحيح.
رحـم الله عاداتنا وتقاليدنا التى درجنا عليها لســــنوات طويلة تقدر بســـــبعة آلاف ســــنة، فلنعد لتلك العادات والتقاليد الجميلة والتى بهرت وتُبهر العالم أجمع.
د. حسن عبدالحميد الدّراوى يكتب: السلام الاجتماعى
السبت، 09 يونيو 2012 11:27 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ثناء ديب
حلمنا هو السلام