قالت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية إن مصر على أعتاب التجربة الحقيقية الأولى فى الحكم الإسلامى، فلو فاز مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسى فى جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية، فإن الجماعة ستفرض بذلك سيطرتها على كل من الرئاسة والبرلمان، وستكون أمامها فرصة حقيقية للغاية لتنفيذ أجندتها التى تقوم على أساس تحقيق انتعاش اقتصادى يحركه السوق، والأسلمة التدريجية وإعادة تأكيد دور مصر الإقليمى.
وتضيف الصحيفة فى تقرير مطول كتبه مدير الأبحاث بمعهد بروكنجز الدولحة، شادى حميد، قائلة إنه على مدى الانتقال المضطرب الذى تشهده مصر، أصبح الإخوان حازمون بشكل متزايد وعلى نحو غير معهود فى نهجهم السياسى. فالتراجع عن عهود عدم الترشح للرئاسة والدخول فى مواجهة علنية مع المجلس العسكرى ومحاولة الجماعة "لإنقاذ الثورة" قد تم تفسيرها من قبل آخرين بأنه إحكام الجماعة لقبضة شاملة على الحكم. والليبراليون فى مصر، فضلا عن الولايات المتحدة، يشعرون بالقلق الآن من الآثار المترتبة على حكم الإخوان بدون رادع، وما يعنيه هذا بالنسبة لمصالحهم.
وترى فورين بوليسى إن المجتمع الدولى وخاصة الولايات المتحدة يشارك الليبراليين فى مخاوفهم من هيمنة الإسلاميين، ولكن لأسباب مختلفة تماما. فالإخوان من الناحية التاريخية كانوا أحد أكثر مروجى مشاعر العداء لأمريكا وإسرائيل. وفى حين أن بعض قيادات الجماعة وخاصة مخططها الاستراتيجى خيرت الشاطر أقل تشددا، وأقل إبداعا فى نظريات المؤامرة التى يتحدثون عنها سرا ـ إلا أن مرسى ليس كذلك. ففى محادثة مع حميد، تطوع بإبداء آرائه حول هجمات 11 سبتمبر دون أن يطلب منه وقال: عندما تقول لى إن الطائرة ضربت البرج مثل ضرب السكين فى الزبد، فإنك بذلك تهيننا، كيف دخلت الطائرة فى الفولاذ هكذا؟ لابد أن يكون شيئا ما قد حدث من الداخل. هذا مستحيل.
لكن الأمور، كما يقول حميد، كانت أكثر اختلافا قبل عامين. ففى ظل قمع نظام مبارك، كان شعار الإخوان غير الرسمى هو المشاركة وليس الهيمنة، وعرف عن الجماعة حذرها وصبرها فى المعترك السياسى. ونقل الكاتب عن مرسى قوله له قبل أشهر قليلة من الثورة إن كلمة المعارضة تعنى دلالة على السعى إلى السلطة، لكن فى هذه اللحظة، لا نسعى إلى السلطة لأن هذا يتطلب الإعداد والمجتمع ليس مستعدا.
وتتابع المجلة قائلة إن مرسى لم يكن معروفا آنذاك، فقد كان لاعبا مهما فى جماعة الإخوان المسلمين لكن لم يكن يبدو أن لديه وجهات نظر مميزة. فقد كان مواليا ومنفذا ومشغلا وكان بارعا فى هذه المهام، لكن أن يكون أو يصبح قائدا، فهذا أمر مختلف.
وعلى الرغم من ترأسه الكتلة البرلمانية للإخوان فى فترة سابقة ثم رئيس حزب الحرية والعدالة، فإن مرسى ناضل من أجل أن يحظى باحترام القيادة الصفوف الإيديولوجية. ونادرا ما كان يتحدث مثل شخص يحب تقديم التنازلات أو يقوم بالعمل الصعب المطلوب لبناء توافق.
ومثل العديد من قيادات من الإخوان، يوجد لدى مرسى درجة من الاستياء تجاه الليبراليين فى مصر، فيعتقد أنهم كانوا أقلية صغيرة غير مترابطة، فلماذا إذن يطلبون الكثير. ويقول حميد إنه عندما سأل مرسى من قبل لماذا لا يوجد تعاون أكبر بين الإسلاميين والليبراليين، قال إن هذا يعتمد على الجانب الآخر، مرددا ما كان يقوله الليبراليو عن الإخوان. لكن هذا الأمر اختفى عندما توحد الإسلاميون والليبراليون واليساريون إبان الثورة ضد مبارك.لكن عندما سقط مبارك، لم يتبق الكثير مما يوحدهم.
وتشير استطلاعات الرأى المختلفة، كما يقول حميد، إلى أن أغلب المصريين اليساريين الليبراليين يعتقدون نفس الأمر، وإن كان هذا لا يجعلها أقل إزعاجا لكن المفارقة أن مرسى أمضى وقتا طويلا فى الولايات المتحدة وحصل على الدكتوراة منها.
وبشكل عام، يقول خبير بروكنجز إن الإخوان بعد الثورة ومثل القوى السياسية الأخرى فى المشهد السياسى المسموم فى مصر، أصبحوا مستهلكين بجنون العظمة، يخشون من أن مجموعة من الليبراليين واليساريين وعناصر النظام القديم كانوا يتربصون بهم. وكان للانفتاح الديمقراطى مخاطرة، فكان صعود عبد المنعم أو الفتوح المنشق عن الجماعة كمرشح للرئاسة كتهديد غير مسبوق لوحدة الجماعة وانضباطها.
هذه البارونويا ممزوجة بنمط السخرية السياسية القديمة، تجلت فى خطاب الإخوان فى السياسة الخارجية، فعندما رفع المجلس العسكرى الحظر عن نشطاء المنظمات غير الحكومية الأمريكين، فى محاولة لنزع فتيل أزمة سياسية، دعا البرلمان الذى يقود الإخوان إلى إجراء لسحب الثقة وإقالة الحكومة التى عينها الجيش، وألقى البرلمان بالمسئولية على الحكومة التى خضعت للضغوط الأمريكية وطالب برفض مصر المعونة الأمريكية، ووجد الإخوان أنفسهم يؤدون رقصة صعبة، يفكرون فى شىء ما فى السر ويقولون شيئا آخر فى العلن.
وختمت المجلة حديثها بالقول إن تأثير رئاسة مرسى على السياسة الداخلية غير واضح. فلا تزال مؤسسات الحكومة فى مصر يسطر عليها موالوان لمبارك، ويمكن أن تمنع أى تغييرات يحاول أن يدفع بها مرسى. وكان مرسى الوحيد من بين المرشحين الرئاسيين الذى يؤمن بالحد من صلاحيات مكتبه الخاص. لكن ربما يتغير رأيه فى هذا الشأن بعد أن يصبح رئيسا وسيكون أول اختبار للإخوان فى الحكم تجربة ربما لا تكون الجماعة مستعدة لها، فالانتخابات لها عواقب، ولانعرف ما هى، وكذلك الحال بالنسبة لمرسى.
فورين بوليسى: الإخوان من أكثر مروجى مشاعر الكراهية للولايات المتحدة
الجمعة، 08 يونيو 2012 02:42 م