ما إن أعلنت نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية حتى تسمر الأستاذ مصرى من هول النبأ: فوز مرسى وشفيق بالجولة الأولى ودخولهما الإعادة!
كيف يحدث ذلك؟!
كان مرشح الثورة الذى اختاره الأستاذ مصرى مع كل أصدقائه ومعارفه ومعظم جيرانه تقريبًا يحتل الصدارة، يليه مرشح الثورة الثانى بفارق ملحوظ. أسوأ الاحتمالات الممكنة أن يضطر أحد مرشحى الثورة للإعادة مع مرشح آخر، لكن أن يُستبعد كلُّ مرشحى الثورة من الصندوق لصالح أضعف وأسوأ المرشحين جميعًا، فهذا ما لم يقبله المنطق أو تصوره الأستاذ مصرى فى أبشع كوابيسه؟! السؤال الآن: كيف يمكن أن يختار بينهما فى الإعادة؟! الأول ينتمى لجماعة كارهة لمصر والمصريين، ظلت طوال تاريخها مثالاً للانتهازية والوصولية والمراوغة، وهى تعمل لخدمة مصالحها الخاصة وليس مصلحة الوطن، بينما الثانى رمز كبير من فلول النظام السابق الذى نهب ثروات مصر وأفقر المصريين وقمعهم وأذلهم حتى أوصل مصر إلى أقصى درجات الظلم والفساد فى العالم، فأى الاثنين يختار؟!
قضى الأستاذ مصرى ليلهُ مؤرَّقًا فى فراشه لا يستطيع التفكير من شدة الحزن والإحباط، ثم فجأة سمع صوتًا كبكاء امرأة مكتوم يأتى من الصالة، فهب واقفًا وهرع إلى هناك، وما إن وقعت عيناه على المرأة حتى جاشت عواطفه ودمعت عيناه وهتف: مصر!
كانت مصر الوطن متجسدة فى صورة أمه - رحمها الله - وهى فى ريعان الشباب، ولم يستغرب الأستاذ مصرى ذلك، على العكس وجده طبيعيًّا تمامًا. أليست مصر هى الأم؟! لاحظ أن أمه مصر مكممة بشريط لاصق يمنعها من الكلام ومقيدة من ذراعيها وقدميها، فأسرع يفك قيودها وينقذها. لكن فجأة سمع صوت ارتطام عنيف، وبرز إلى الصالة رجلان يتصارعان بالأسلحة البيضاء.. لقد كانا مرسى وشفيق!
كان من الواضح أنهما يقتتلان من مدة طويلة لكنه لم يسمعهما لأنه كان نائمًا. انتهى من فك قيود مصر بسرعة واحتميا فى أحد الأركان، بينما راح الآخران يدوران فى المكان حول بعضهما وهما يتبادلان هذا الحوار:
دخلت هذا المنزل من قبلك إذن فهو منزلى وهذه المرأة من حقى!
لكنك دخلت من النافذة.
وأنت تسللت فى جوف الليل بمفتاح مسروق!
تذكر أنك تخون الاتفاق!
أنت الذى خنت الاتفاق!
طيب دعنا نتفاوض: ما رأيك فى النصف الأعلى؟!
لا أحتاج إلى التفاوض، لقد جئت قبلك والمرأة من حقى!
فأجابه الثانى:
أنت ستخطفها لكننى سأتزوجها على سنة الله ورسوله (ورفع سبابته ليضيف بانفعال وحسم): بما لا يخالف شرع الله!
يبدو أننى سأقتلك أنت والمرأة إذا لم تفسح طريقى..!
بل أنا الذى سأقتلك!
واشتبكا من جديد!
حاول الأستاذ مصرى أن يهرب بمصر بسرعة، لكن للأسف كانت أن كل النوافذ موصدة بالمسامير، ولاحظ الآخران ذلك فانقضَّا بوحشية عليه وانتزعا منه المرأة ودفعاه بقوة.
سقط مصرى أرضًا وارتطمت رأسه بالحائط وبدأ يشعر بالدوار وخيوط دافئة من الدماء تسيل على جبهته، لكنه استجمع قوته بأقصى ما يستطيع. لا يمكن أن يسمح لهما باختطاف أمه مهما كلفه الأمر. تذكر الأستاذ مصرى أنه يحتفظ بمسدس خرطوش كان قد اشتراه أيام الانفلات الأمنى بعد الثورة لزوم الدفاع عن النفس. الآن قد جاء وقته! تحامل على ذراعه وسار مترنحًا إلى غرفة النوم وفتح درج الكوميدينو الذى يحتوى على المسدس، بينما يسمع صراخ أمه ومقاومتها المستميتة.
قفا عندكما.
هكذا صاح مصرى بالرجلين وهو يصوب مسدسه نحوهما. كانت أمه قد فقدت وعيها من شدة الإعياء وتمزقت ملابسها وانكشفت عورتها، وفى نفس الوقت واصل الرجلان العراك على المرأة غير عابئين بوجوده.
اتركا أمى وإلاَّ فسأضرب فى المليان.
وهكذا صرخ مصرى للمرة الأخيرة. كانت يداه ترتعشان من الانفعال والإنهاك وصور الثلاثة تتماوج أمام عينيه، والعراك مازال مستمرًّا، ولكن لم يعد هناك وقت للتفكير فهتف:
واحد... اثنان... ثلاثة..
