محمد فهيم

بنتى بتقولكم "اخرسوا كلكم"

الجمعة، 08 يونيو 2012 03:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عدت من العمل، وجد حالة من الشحناء بين ابنتى الكبرى وأخيها، ورأيت زوجتى عاجزة عن احتواء الموقف، حاولت نزع فتيل الأزمة، إلا أننى دخلت فى المعركة دون أن أدرى، وصرنا جميعا فى حالة من الزعيق والشخط والنطر والهياج، وفجأة خرج علينا صوت رفيع يرن كالجرس، إنه لابنتى الصغيرة "جنة" التى يبدو أنها زهت مننا كلنا، وقفت إلى جوارى، جذبتنى بعنف من بنطلونى، وصرخت قائلة "اخرسوا كلكم".

تسمرت أنا وزوجتى للحظات ثم رحنا فى حالة من الضحك الهستيرى، وعندها احتضنت الصغيرة وانتهى الموقف ومر بسلام، ولكنى على الفور تذكرت ما نحن فيه اليوم، من حالة الصراخ السياسى، والعويل الإعلامى، والهتاف الذى يملأ الميادين، الكل يتكلم ولا يسمع أحد أحدا، ولا يقنع برأى أحد أحد، الكل يرى نفسه الصواب وما خلاه الخطأ، الجميع يعرف الحقيقة ويصر على تزييفها، الجميع يرى النور ويصر أن يعيش فى الظلام، الجميع يريد الخير ولكن بطريقته وعلى كيفه وبمزاجه وهواه، والويل كل الويل لمن يخالفه الرأى، أو يحاول أن يثنيه عن اعتقاده، هنا يصبح خائنا للوطن خائنا للدم وللدين.

ردتت كلمة ابنتى الصغيرة فى نفسى قائلا: "اخرسوا كلكم"، وأغلقت التليفزيون حتى أنعم بشىء من الهدوء، بعيدا عن الحروب السياسية على كل الشاشات ودخلت بيوتنا رغما عنا، من نخبة من أساتذة ومحامون وأصحاب مناصب رفيعة، وقادة ائتلافات، ورؤساء وأعضاء بالأحزاب، ونشطاء على الفيس بوك وتويتر، وفنانون، ووزراء وسفراء، وآكلون على كل الموائد، ومصاصون للدماء، ومذيعون متلوونون لم يفكروا فى مراجعة أنفسهم وتاريخهم، ونسوا أن كل ما قالوه فى عهد الزعيم الوطنى قائد الأمة مبارك مسجل، وكل ما ادعوه عن الثورة فى بداياتها مرصود، وكل دموعهم على مبارك يوم التنحى مسجلة بالصوت والصورة، ومع ذلك فهم تلونوا وتزينوا وغيروا بعض منابرهم وديكوراتهم، وعادوا إلينا ليثيروا الفتنة من جديد، وللأسف كما قال المولى عزو جل "يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم" وصارت ألسنتهم تتلوى وتتلون وتنشر الكذب والسوء والإشاعات، ونحن مازلنا نصدقهم ونسير فى ركبهم أنى ساروا نردد ما يقولون، وقال تعالى أيضا "إذ تلقونه بألسنتكم، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم".

هنا أغلقت التليفزيون وأطفأت نور الشقة، وخرجت وزوجتى وأولادى للعشاء فى الفرندة بين النجوم وضوء القمر، وبدأنا نستعيد ذكريات الماضى الجميل، البساطة والحياة النقية الخالية من العقد، والكره والحقد، والملذات والشهوات، وحب النفس والأثرة، وأبعدت نفسى ليلة واحدة عما تعيشه مصر من حالة مزرية على يد القانونيين، وأصحاب الفكر والرأى، الذين رأيت كل واحد منهم يتحدث حديثا بليغا رصينا أقتنع بحكمته وحكمه بصفته متخصصا وعالما، ثم يعقب عليه آخر فينفى ما قاله تماما وبالدليل والحجة والبرهان، ويتركونا كل ليلة أمامهم حيارى تائهون ضائعون، وندخل فراشنا مغمضى العيون، ولكن عقولنا لا تنام، والأرق يسرح فى جنبات المكان، والخوف من مستقبل لا نعلم منه ولا عنه شيئا يكاد يقتلنا، ويلهب قلوبنا ويوغر صدورنا.

جلست بين أولادى أحدثهم فى التاريخ الذى أحبه، وفى الفلسفة والدين والأخلاق، وسير الأنبياء والصحابة، وبين كل ذلك لم يغفل عقلى عن هم بلادى، وظلت أسئلة كثيرة بداخلى لا أجد عنها إجابات، منها هل ستقام الانتخابات الرئاسية فى موعدها؟ ومن سينجح؟ ذنب مبارك وفل الفلول؟ وهل ستحترق مصر والشرفاء على يديه؟ أم الدكتور مرسى؟ وهل لو نجح ستتركه الحدادى والغربان والثعالب والأفاعى والجرذان يستعيد المجد والكرامة أم أنهم سيقفون له بالمرصاد ويقطعون عليه مسيرته ويعيدوننا للوراء؟ أم هل سيتم تطبيق العزل السياسى على شفيق؟ وهل ستعاد عندها الانتخابات الرئاسية من جديد؟ وننفق المليارات مرة أخرى وتعود البلاد لحالة المربع صفر! وهل سيحل مجلس الشعب ونعود لحالة التيه ويعود أصحاب المصالح للبرلمان مرة أخرى بأموالهم ونفوذهم ويعود الفساد المالى والسياسى على أشده كما كان؟ وهل ستعاد محاكمة مبارك والعادلى وعلاء وجمال ومساعدى العادلى؟ وهل سيتم القصاص العادل للشهداء؟ وهل ستعود أموال مصر المهربة فى الخارج؟ وهل سيعود الأمن والأمان مرة أخرى؟ وهل سيعود السولار والبنزين لمحطات التموين والأفران؟ وهل ستنقطع الكهرباء فى رمضان ساعة صلاة التراويح ككل عام؟ وهل سيهدأ الشارع الثائر ويعود الكل إلى عمله ويعود الإنتاج للمصانع؟ أسئلة كثيرة تقتل عقلى كل ليلة حتى الصباح، لا تجد إجابة ولا مجيب.

هل أعود لفتح التليفزيون مرة أخرى حتى يحترق دمى واتخمد وأنام، أم أظل فى حالة المقاطعة وإطفاء الأنوار والجلوس فى ضوء القمر وسط أولادى، ولكن هذه المرة جاء الحل من عند زوجتى، فقمنا جميعا وتوضأنا وصلينا فى ضوء القمر، ودعونا الله أن يفك الكرب، ويزيل الهم والغم ويرزقنا الأمل ويحينا عليه، ويعيد لمصر أمنها وأمانها وعزها ومجدها واستقرارها.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة