حالة من الجدل مازالت مستمرة حتى يومنا هذا، بين التيارات الدينية المتشددة، وبين مؤيدى وتلامذة المثقف الحر الدكتور فرج فوده، الذى راح ضحية الجهل باسم الدين وإصدار فتاوى التكفير على كل من يعارض فكر هذه التيارات الإسلامية المتشددة، وبالرغم من قيام ثورة مجيدة، نادت بالحرية فى الفكر والإبداع والتعبير عن الرأى، إلا أن عددًا ممن يمثلون أغلبية عددية فى البرلمان لهذه التيارات الدينية لا يزالون يتعاملون مع غيرهم على أنهم "الأسياد" ودونهم عليه السمع والطاعة، وهو الأمر الذى جعل البعض يفكر كثيرًا، ويخشى أن تتكرر حادثة اغتيال "فودة"، وربما تحاول هذه الأغلبية العددية تقنين محاربتها ومطاردتها لمن ترى أنهم أعداء الإسلام، "اليوم السابع" استطلعت رأى عدد من المثقفين حول هذه الإشكالية، ونحن نمر بذكرى رحيل "فودة" العشرين، فتباينت آراؤهم حولها.
قال الشاعر والمترجم رفعت سلاَّم إنه فى البداية لابد وأن نعترف كمثقفين أن "فوده" هو شهيدنا جميعًا، والذى ربما استدان بنفسه حين كان يطالب بالدولة المدنية فلم تمهله الجماعات الإسلامية لينشر فكره، الذى نحن أحوج إليها من التسعينيات، وعلى الجماعات الإسلامية بما فيها الإخوان المسلمون والسلفيون أن يعتذروا جميعاً عن هذه الجريمة النكراء، التى ارتكبها فيصل منهم يجلس بجوارهم الآن فى البرلمان، ولا بد وأن نتذكر فى هذا السياق أن قتل فرج فوده جاء فى إثر فتوى بتكفيره من الشيخ الغزالى، الذى يطلق عليه الإسلاميون فقيه الاعتدال، وبالتالى فدمه معلق فى رقبة جميع الإسلاميين، بمن فيهم من راجعوا أنفسهم فى السجون ولم يعتذروا للشعب المصرى عن جرائمهم الدموية، ويحاولون الآن بحكم الأغلبية العددية فى البرلمان أن يصدروا قانونًا للعفو عن تلك الجرائم، التى ارتكبوها فى الثمانينيات والتسعينيات.
وأوضح أن الإسلاميين بعد أن خسروا معركتهم المسلحة مع الدولة يحاولون الآن التوصل إلى نفس الأهداف بطريقةٍ أخرى، من خلال البرلمان، فبعد أن اكتشفوا عجزهم وخسائرهم الفادحة من المواجهة مع أجهزة الدولة تراجعوا خطوتين فى أسلوب وليس فى الهدف، ونحن لا نزال فى معركة معهم تتعلق بمحاولتهم فرض سطوتهم على المجتمع وأفكارهم الظلامية.
وتساءل: لا ندرى ماذا ستكون النتيجة إذا ما فشلوا هذه المرة أيضًا، هل سيعودون إلى العمل المسلح أم ماذا؟، وأنا أميل إلى أنهم لن يرتبكوا تلك الحماقات مرة أخرى، لأن أحدًا من المجتمع لم يقف فى ذلك الحين فى صفهم، فلن يعودوا إليها، وسيكون الاعتماد الكبير على هذه الأغلبية الكبيرة المؤقتة فى البرلمان، وتلك الطريقة الغوغائية فى الدعوة، التى يرهبون بها خلق الله بالجحيم والنار فى مقابل النعيم الذى يعدون به، وكأن فى أيديهم مفاتيح الجنة والنار.
وقال الناقد الدكتور صلاح فضل، رئيس الجمعية المصرية للنقد الأدبى، أعتقد أن المجتمعات تمر بمراحل من المراهقة والشباب والنضج، وأظن أن الجماعات الدينية فى ثورتها الأولى كانت تتصف بكثير من الرعونة وإدعاء احتكار الحقيقة وتتجرأ كثيرًا على رفض الآخرين وتكفيرهم، وكان هذا يغرى الشباب الجاهل المتحمس بحكم طبيعته واندفاعه الأيديولوجى، وأن يأخذوا هذه التصريحات الحماسية غير المتروية وغير المتفقهة فى الدين مأخذ الجد، فيصلون إلى درجة استخدام العنف، والتصفية الجسدية فى بعض الأحيان مع المفكر الحر الدكتور فرج فودة، ولكن لم تلبث هذه الجماعات أن قامت بعمليات مراجعة شاملة وأدرج زعماؤها ضرورة العودة إلى روح الإسلام السمحة، وتشريعاته الوسطية والكف عن الفتاوى الحمقاء، بالتكفير والإقصاء.
وتابع، نضجت كثير من هذه الجماعات، وأتاح لهم سقف الحرية العالى بعد ثورة يناير أن يدخلوا فى العملية السياسية، وظنى أن أول شروط العملية السياسية هو قبول التعدد والاختلاف وعدم تكفير الآخرين، واحترام حرية الرأى والتعبير، وبالتالى إذا لجأ أى فصيل إلى استخدام العنف القولى أو الفعلى فسوف يقضى على نفسه بالفشل السياسى، وسيصبح كارثة على تاريخ مصر والوطن العربى، وعندما وضع المثقفون بالتعاون مع كبار علماء الدين فى الأزهر الشريف وثائقهم الثلاث، الأولى التى تشرح نظام الدولة المدنية فى الإسلام وأسسها، المعتمدة على المواطنة وحقوق الإنسان، والثانية التى تعطى للشعوب العربية والإسلامية حق الثورة للحاق بالدول الديمقراطية المتقدمة، والثالثة الضامنة للحريات الأساسية الأربع، وهى حرية العقيدة، وحرية الرأى والتعبير، وحرية البحث العلمى، وحرية الإبداع الأدبى والفنى، عندما أعلن الأزهر هذه الوثائق، وهو أكبر مرجعية دينية فى العالم الإسلامى، ألجم كل الفصائل بروحها وسار حجة عليها، وأملنا كبير ألا يشذ عن ذلك أى فصيل يلجأ للعنف لأن دائرته جهنمية وعاقبته وخيمة، وفى ظل هذه المفاهيم لا سبيل أمام هواة الفتوى ودعاة الفتنة إلا أن يصمتوا ويحترموا رأى الدين والعلم.
وقال الشاعر محمود قرنى: بكل أسف كنا نتصور أن انتقال تيار الإسلام السياسى من أدبيات العمل السرى إلى الفضاء العام المحروس بالشرعية المجتمعية والسياسية سوف يؤثر على مواقفه ومرجعياته شديدة التخلف والبدائية، غير أن واقع الحال – كنت أكثر المؤيدين لمنح الفرصة لهذا التيار ودمجه فى المجتمع – يؤكد أن هذه الأدبيات والمرجعيات لم تحتفظ من العمل السياسى إلا بانعدام أخلاقياته وبانتهازيته، ولم تحتفظ من المرجعية الفكرية إلا بظلالها التكفيرية والإقصائية، وأظن أن أداء هذه التيارات فى الشهور الماضية يعزز هذا التصور، وأظن أن التركيبة المجتمعية فى مصر بدأت تلفظ هذه الأفكار وهذه التيارات، لأنها تناقض الطبيعة الوسطية بنت الثقافة النهرية لهذا الشعب، ومسار الأحداث يؤكد أن ثمة صراعا حقيقيا يدور تحت السطح بين التيارات المدنية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبين تيارات الإسلام السياسى التى تجر الدولة إلى أدبيات القرن الأول الهجرى، وأظن أن هذا الصراع سوف يحسم فى نهاية الأمر لصالح التيار العام، الأكبر والأشمل، وهو التيار المدنى، والدولة الوطنية، وفى هذه الحالة لا أستبعد عودة العمل المسلح الذى كانت تمارسه تلك الجماعات فى فترات مختلفة من تاريخها، وأعتقد أن ما يشاع ويصاغ حول تسلح هذه الجماعات، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، يعزز هذا التوجه، وإذا تتبعنا تصريحات الكثير من رموز تيار الإسلام السياسى، سنجدها تنطوى على الكثير من التهديد والوعيد والويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم ينجح مرشحهم أو مشروعهم، هنا أو هناك، ما يعنى أن أنهار الدماء قادمة طالما ظل هذا التيار ينظر للمجتمع، باعتباره مجتمعاً كافراً، وينظر لأدبياته ومرجعياته باعتبارها فسادا فى فساد.
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmad abdelaziz
البديل
عدد الردود 0
بواسطة:
من مصر
يا رب
يا رب اى حد غير الاخواااااااااااااااااااان