لا ننكر هذا التحول العظيم الذى أحدثته ثورة يناير فى مصر، والتأثير الإيجابى فى القضاء على طغيان حكم الفرد واستبداده. ولكن يراود المرء سؤال ملح، هل يملك شخص ما –أيا كان وضعه – أن يهب لنفسه شرعية يتحكم بها فى مجريات الأمور؟
وهل نعود مرة أخرى إلى اغتصاب الشرعية بعد أن نالت مصر حريتها من حكم ديكتاتور ووضعت الأمل فى الاحتكام إلى شرعية القانون والدستور بعيدا عن ظلم الفرد؟
فلماذا نشأ نزاع لا يلبث أن يهدأ فيثور ثانية بين القوى السياسية ويلجأ كل منها إلى الادعاء بملكه للشرعية ؟!
والمعروف أن الاختلاف فى الآراء والنزاعات حقيقة بشرية وفطرية وقضية واقعية لا انكار لها ووارد حدوثها فى كل المجتمعات، وهذه النزاعات والخلافات ناشئة فى الغالب عن انعدام التعارف الكامل بقضايا ومعنويات ومطالب الآخر ولكى نقوم بحل هذا النزاع لابد أن تكون الآلية فى التعامل معها يكمن فى الحوار وتبادل المقترحات ومناقشتها بإيجابية وتفعيل المناسب منها لجذب جميع الأطراف المتنازعة، بحيث تكتشف نقاط الاتفاق وتبرز ونقاط الاختلاف فتبعد وتقصى، مما يؤدى بدوره إلى البعد عن الشقاق والفرقة والعداء المتبادل .
وقد تكون هذه النزاعات متشعبة وعميقة وتحتاج إلى لجوء الأطراف المتنازعة إلى لجان وقوانين وأحكام وضعت خصيصا لهذا النوع المعين من النزاع، حتى أن الأمم المتحدة مثلا قامت بوضع القانون النموذجى للتحكيم ( الأونسترال) وهو يعتبر أحد أهم الأسس للتحكيم فى العالم، ووضعت أيضا قوانين شتى لسنا هنا بصدد الحديث المستفيض عنها، والشاهد أن هذه القوانين والأحكام واجبة الاحترام تضفى الشرعية المؤكدة المحقة لصاحبها فيقف الجميع حيالها موقف المؤيد والمؤمن بصدقها وعدلها.
ولدى مصر بالطبع قوانين عديدة ودساتير ومجالس وغرف لكل منها طابور طويل من الفقرات القانونية والأحكام الفقهية التى تنظم العلاقات وتحل المشاكل والنزاعات والخلافات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات ..الخ، فأين تختبئ هذه القوانين، وقد كان من الطبيعى أن تفعل هذه القوانين والدساتير دون استغلال فرد لها لمنفعته ومصلحته هو دون الآخرين!
ولا ننكر على وجه الإطلاق الدور المصرى الرائد فى نهج القوانين والدساتير على مر السنين ولدينا العديد من فقهاء الدستور المشهود لهم بالخبرة الطويلة فى هذا المجال.. فأين هم؟
ولما كان ميدان التحرير نقطة انطلاق للثورة المجيدة التى حررت الناس من عبوديتهم، فكيف نصر على تواجدنا فيه لنعيد مصر إلى عبودية الاحتياج الاقتصادى والتدهور المعيشى؟
والأدهى أن من يقود هذا الانهيار هم الذين كانوا متقدمين للرئاسة لتحسين اقتصاد مصر وأحوالها!
فنجاح الثورة فى تغيير النظام إلى الأفضل هو الأمل لا أن يعطى الجميع لنفسه الشرعية للتظاهر دون قيود تحافظ على منشآت وشوارع ومرافق، وتحافظ أيضا على اقتصاد يهوى بسرعة وتهوى معه رغبة الآلاف فى الحياة من العاملين فى قطاعات متضررة كالسياحة والبورصة والاستثمارات، ويتمنون العودة لأعمالهم بأى ثمن.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة