صدر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية للنشر رواية بعنوان «آدم المصرى» للكاتب هشام الخشن، وهى الرواية الثالثة فى مسيرته مع الرواية بعد «7 أيام فى التحرير» و«ما وراء الأبواب» غير كتاب قصصى بعنوان «حكايات مصرية جدًّا» وكلها صادرة عن الدار نفسها.
الرواية الجديدة لهشام الخشن، تجعل مسرح أحداثها مدينة لندن، التى تبدو من الأحداث وكأنها منتهى حلم أغلبية الشباب، وفى الوقت نفسه مقبرة للبعض منهم، خصوصًا عندما يصلون إلى سن الكهولة، فالذاكرة المصرية، تحتفظ للندن بالعديد من أخبار الكوارث التى تصيب مشاهير المجتمع، مع أنها كانت فى فترة من التاريخ المصرى وجهة الهجرة للطموحين من أبناء القرى، والسلم الذى ينقل من يصعده إلى راحة الثراء الفاحش، وهو المعنى الذى تحدده وتؤطره صيحة «صبحى عبد التواب معاطى» عايز أشوف الدنيا يا باه، وقد كان، فأصبح أحد أشهر المهاجرين المصريين إلى لندن، لكن نفس المدينة، ونفس الحلم تحولاً إلى كابوس «لآدم المصرى» الذى راح ضحية لصراعات متعددة الأطراف على الأرض نفسها.
وتتعدد شخصيات الرواية، التى تقع فى مائتى صفحة من القطع المتوسط، وتظهر تباعًا فيما يشبه التمهيد المسرحى، ثم تنقسم فيما بعد، مع تعقد الأحداث إلى ثنائيات، بينها من التناقض ما يدفعها إلى النهايات المحتومة، الفشل أو القتل: «دينا» زوجة آدم، تحب الضابط أشرف، ثم سارة المصرى، فالحاج عبد التواب معاطى كمثال للصعود الاجتماعى مع الحقبة الناصرية، وهو والد المهاجر الأشهر فى هذه المجموعة «صبحى».
ثم يتوالى ظهور الشخصيات، حيث يكون ظهور «أمين النواصرى» بمثابة الضوء الكاشف للعالم السـرى لأثرياء لندن من المهاجرين المصريين والعرب، وهو وزير مصرى طالت سنون وزارته، حتى ملَّ أشد المعارضين من المناداة بتغييره، ومن خلال علاقته بصبحى يكشف لنا فساد المسئولين فى مصر، ومن خلال علاقتهما أيضًا، نتعرف على دور «آدم المصرى» بطل العمل الذى يقوم بتخليص بعض المهام والصفقات لحساب صبحى، الذى يتولاها بدوره للمسئولين المصريين فى لندن، وبعض كبار رجال الأعمال العرب.
وهكذا تغزل الرواية بروية وهدوء شخصيات عالمها الواسع الملحمى، من خلال تتالى الشخصيات، وتقديمها للقارئ ليس عبر الوصف الخارجى لها، بل بتقديم لمحات نفسية عنها، تظهرها بشكل أسرع وأعمق، وتكشف عن كوامنها فأسرارها وخفاياها، وشخصيتا طلعت نجيب، الطبيب المصرى النابغة فى طب النساء والتوليد والعقم، و«شيرين» زوجة صبحى، الثرى من الخارج الفقير باطنيًا، خير مثال على ذلك، ومن هذا التناقض الباطنى تتولد دراما العمل.
كل شخصية فى هذه الرواية لديها حياتان: ظاهرة وباطنة، كل رجل أو امرأة يحتفظ بسـر يخشى افتضاحه، ويرتعب من كشفه من قبل آخرين، ما بين أسرار القلوب ودفين المشاعر، وأسرار البيزنس والصفقات السرية، بين الرقة المهذبة والتهذب الرقيق، فالضابط الذى يعذب المساجين، ومن يحقق معهم، ويستخدم أقسى وأقصى أدوات الإذلال النفسى والبدنى، وانتهاك أعراضهم، يصبح شخصًا مختلفًا حين يتعامل مع المرأة وهو حين يعشق يتحوّل إلى عصفور مهيض الجناح، خفيض الصوت، يهمس بكلمات الحب والعشق والتمنى الجسدى وكأنه مجنون ليلى، شخصية مزدوجة أغناها ازدواجها، وحوَّلها إلى شخصية درامية بامتياز لكن المؤلف لا ينسى خلفيتها العسكرية ويصر على إدانتها، فهو حينما أحب، فعل ذلك مع سيدة متزوجة، ليجعل منه طرفًا ثالثًا، فى ثلاثية العشق الشهيرة والكريهة فى الوقت نفسه: الزوج والزوجة والعشيق، إصرار على الإدانة وكشف الزيف «البرانويا»، وهكذا تتحول شخصيات «آدم المصرى» إلى عوالم سرية تناقض عالمهم الظاهرى، حتى الطبيب الشهير «طلعت نجيب» يتمنى زوجة صبحى (شيرين) ويكن لها إعجابًا خفيًّا، ويتمناها كما لم يتمن امرأة من قبل، وهو الذى تتمنى كل النساء اللائى يعرفنه أن ينلن منه نظرة، الطبيب الشهير النابغة الذى يحصل على أعلى الأوسمة لا ينجو هو الآخر من ثنائية الظاهر والباطن، ليتحول مجمل الرواية إلى إدانة لعصر كامل، وكشف خلفياته وتاريخه الذى بدأ فساده المالى والقيمى منذ أكثر من خمسين سنة.
لا يخفف من تشابك هذه الرواية وعوالمها المتناقضة إلَّا قدرة الراوى على غزل أحداثها بهدوء وروية تصل إلى حد الرومانسية والتعاطف معها، حتى أن لغة الرواية تأثرت بأجواء لندن وضبابيتها إلى حد كبير، وتقترب فى بعض أجزائها من مفهوم الشاعرية والتقطير، حتى أن الحوار فيها قليل جدًّا.