من عرف لغة «الفلول» آمن شرهم، هذه القاعدة صالحة تماما إذا أردنا تطبيقها على خطاب المرشح الفريق أحمد شفيق، المحسوب على النظام القديم، والذى يجىء بعد يوم واحد من صدور حكم قضائى محبط ومحير، على أعتى رموز النظام القديم، مبارك ووزير داخليته، ومساعديه الستة، وهو الحكم الذى ضاعف من الغليان السياسى، فى وسط مشتعل بالفعل منذ صدور نتيجة الانتخابات. ونتيجة طبيعية لكآبة المشهد، الذى يشى بدخول الثورة فى نهاية المرحلة الانتقالية إلى نفق مظلم يتعذر فيه التنفس، فما بالك بالحياة، خاصة مع استمرار تشرذم القوى السياسية، جاء خطاب الفريق أحمد شفيق، فى اليوم الثانى لتفجر المشهد فى ميدان التحرير وفى الميادين كافة، غير عابئ بالوهج والزخم الثورى، المشتعل فى الشارع، مدركا لحقيقة واحدة، أن الثورة، تعانى انقساما نتيجة استمرار التعنت الإخوانى، ورفض مكتب الإرشاد، وحزب الحرية والعدالة، وأخيرا حملة الدكتور محمد مرسى، تقديم أى تنازلات للقوى السياسية، بالاتفاق على تشكيل مجلس رئاسى مدنى.
وسط هذه الأجواء، التى لا تختلف تماما عن أجواء رائحة قنابل الدخان التى اعتدنا استنشاقها فى شارع محمد محمود، وفى أحداث مجلس الوزراء، وغيرها من المواقع الحربية، التى أدارها النظام البائد ضد الثورة، وكان الإخوان بعيدون عنها، نتيجة حساباتهم الخاصة، أدار الفريق أحمد شفيق معركة جوية، استخدم فيها دانات ملتهبة، وكذلك طلقات مدافع جرينوف، تمكن بها شفيق باقتدار أن ينجح بمنطق «فرق تسد» فى محاصرة الجماعة فى ركن انزوى إليه أعضاؤها مبكرا، فى مؤتمره الصحفى الذى عقده الفريق أحمد شفيق، استخدم المرشح فى خطابه هوية الدولة وضرورة حمايتها بإشارته إلى ضرورة أن تكون القاهرة عاصمة لمصر، وليست إمارة، كما غازل شفيق الفقراء، بقوله «يا إخوان الناس يريدون أن ياكلوا عيش» وكررها 3 مرات، ولعب شفيق بجدارة على أوتار الطائفية الممتدة إلى أعصاب الأقباط، بقوله: «أنا الدولة المدنية والإخوان يمثلون الدولة الطائفية»، وبقوله «أنا أمثل الشفافية والنور» و«الإخوان يمثلون الظلام والأسرار».
ووجه شفيق رسائل إلى الراغبين فى الحفاظ على ثروات مصر، بقوله: «أدعوكم لانتخابى مدافعا عن سيناء وعن قناة السويس التى يريدون منح امتيازها لغير مصر».
وعلى الرغم من المظاهرات المتأججة ضد الحكم القضائى على مبارك ووزير داخليته ومساعدى العادلى، فإن شفيق جهز رده على الطاعنين فى الحكم بقوله: «إن القضاء الذى تهاجمونه الآن، هو الذى أشرف على الانتخابات التشريعية، والرئاسية التى تجرى الآن».
وبمقارنة نفسه مع المرشح محمد مرسى، أو الجماعة بشكل عام، كرر شفيق كلمة «أنا» 11 مرة، فى عبارات تشبه الرصاصات المطاطية، سريعة وثّابة، منها «أنا أمثل الدولة العصرية، أنا أمثل الدولة المدنية، أنا أمثل التقدم للأمام، وهم يمثلون الرجوع إلى الخلف، أنا أمثل الشفافية والنور، أنا أمثل كل مصر، أنا أمثل المصالحة الوطنية، أنا تاريخى واضح ومعلن للجميع، وتاريخ مرشحهم لا يعرفه أحد».
ونتيجة للعزلة التى أوقع فيها الإخوان أنفسهم، وتعنتهم عن قبول أى اتفاق يحل أزمة المصريين الحائرين، كان من الطبيعى أن يقذف الفريق الميدان الغاضب، بالبونبونى، فى عباراته «أمد يدى للجميع»، و«لن يسجن صاحب رأى»، و«لن يعتقل صاحب موقف»، و«أرحب بانتهاء تطبيق قانون الطوارئ».
وكذلك قدم الفريق عددا من الرشاوى الانتخابية، وقعها على الآذان له السحر، ومنها إسقاط ديون الفلاحين، وإسقاط ديون سائقى التاكسى، وتقنين أوضاع المتعدين على الأراضى الزراعية.
ولكى يجهز الفريق على خصومه الإخوان، أزاح التراب السياسى عن تاريخهم القديم، مسترجعا الصفقات التى عقدتها الجماعة فى عهد النظام البائد، وضاعف من إطلاق مدفعيته الثقيلة على رموز الجماعة، عندما ذكر أسماء قياداتها التى دخلت فى مواءمات انتخابية مع كبار رجالات العهد البائد، وضاعف شفيق من دكه حصون الجماعة، عندما تحدث فى خطابه عن الرئيس الصورى، الذى سيحكم مصر حال انتخاب منافسه مرسى، متسائلا خلال الخطاب: من الذى سيحكم مصر، إذا تم انتخاب الدكتور محمد مرسى.. هل هو المرشد، أم خيرت الشاطر؟.
واستخدم الفريق عبارات آمرة فى خطابه، موجها حديثه لمستمعه، كما لو كان الناخب منوما مغناطيسيا إثر زخات النيران التى أطلقها منذ قليل، حيث خلل الخطابات أفعال أمر منها: «لا تنتخبوا رئيسا صوريا»، و«انتخبوا رئيسا بدون تبعية»، و«لا تختاروا مرشحا ليس لديه خبرة فى إدارة الدولة».
لانتخاب مرسى، وكذلك إشارته إلى هجوم الإخوان على الأقباط، لابتزازهم سياسيا، وطائفيا، وقوله: «مصر لن تقبل أن يحولها الإخوان لحرب طائفية.
وإذ أفلح الفريق فى توجيه هذه الضربات الموجعة للجماعة، فإن خطابه لم يخل من ثغرات، أبرزها الحديث عن الحد الأدنى والأقصى للأجور، وكذلك إعادة المحاكمات بطريقة ثورية، مرضية لأهالى الشهداء، وكذلك إقرار قانون السلطة القضائية بما يضمن استقلالها، وتطهير وزارة الداخلية، من رموز النظام القديم، على الرغم من إشارته إلى أن الداخلية ستلتزم بحقوق الإنسان، واسترداد الثروات المنهوبة، وهى من المطالب الأساسية التى اندلعت من أجلها الثورة.
وتبقى فى النهاية إشارة دالة من هذا الهجوم الحماسى من جانب المرشح على الجماعة، فى أشد أوقات الثورة اشتعالا وتأججا، وهى أن الموجة الثورية لن تحمل الجماعة إلى بر الأمان، فوق هذا المد العاصف من النظام القديم، طالما استمروا فى رفضهم اقتسام السلطة، مع القوى الثورية الأخرى، على الرغم من أن الجميع له فضل تفجير الفتيل الأول، وسيتسبب هذا العنت، فى سقوط المرشح الإخوانى، طالما ارتضت الجماعة، الوقوف وحدها فى الخندق.
كيف سيحصد أحمد شفيق أصوات كارهى الإخوان؟.. شفرات خطاب الفريق «للكنباويين».. لعب فى خطابه على هوية الدولة وعاصمتها وكرر كلمة «أنا» 11 مرة وكلمة «ياكلوا عيش» 3 مرات وغازل الأقباط والفلاحين
الثلاثاء، 05 يونيو 2012 12:31 م