الرؤية التقليدية للمشهد تشير إلى أن القوى المدنية ستستأثر وحدها بمعارضة الرئيس الجديد باعتبار أنه ينتمى إلى التيار الإسلامى وأن دائرة حلفائه لن تخرج بعيدا عن التيار الذى ينتمى إليه لكن التدقيق فى التفاصيل قد يسفر عن صورة مغايرة عن تلك التى تقوم بالأساس على حالة الاستقطاب بين التيارات المدنية والإسلامية التى لم تغادر مصر منذ استفتاء 19 مارس فربما يجد الرئيس الجديد تيارا إسلاميا يعارضه على اعتبارات ثورية وربما يضمن حلفاء من القوى المدنية على اعتبارات المصلحة.
أول ثوابت الخريطة الجديدة أنها بلا ثوابت وهو أمر ينسحب أيضا على التصنيفات السياسية التى عرفتها مصر منذ ثورة يناير لاسيما التصنيف على أساس «فلول وثوار» فمن الناحية الواقعية لم يعد لأنصار النظام السابق موطئ قدم فى الخريطة الجديدة وكذلك لم تعد لدى أغلبهم رغبة لتقديم أنفسهم فى المشهد السياسى باعتبارهم أنصارا للنظام السابق بعد الخسائر المتتالية التى لحقت بهم سواء فى الانتخابات البرلمانية السابقة أو فى الانتخابات الرئاسية لكن مع ذلك فإن من حقهم الاستفادة بالـ12 مليون و347380 صوتا التى حصل عليها الفريق شفيق ممثل النظام السابق فى الانتخابات الرئاسية وهى نسبة ليست هينة وتقترب من الـ%48 من إجمالى أصوات الناخبين.
الطريق المباشر للاستفادة من هذه الأصوات يتفق مع قاعدة «السياسة بدون إقصاء» التى أرستها الثورة المصرية ورسختها المحكمة الدستورية بعد الحكم ببطلان قانون العزل السياسى ومن ثم فإن الفريق شفيق نفسه هو الأجدر على فتح الطريق للفلول فى حالة إذا صحت الأنباء عن تأسيسه لحزب سياسى بعد عودته من الخارج وأغلب الظن أن الرجل سيذهب بالحزب لأن يكون جزءا من المعارضة المدنية بدلا من كونه إطارا سياسيا للفلول لأن التجربة أثبتت أن الارتباط بالنظام السابق يضر بأى كيان سياسى.
ووفقا للمعطيات الحالية فإن تصنيف القوى السياسية على أساس «مدنية أو إسلامية» هو الذى سيصمد خلال الفترة الحالية لكن السؤال الأهم هو من سيقود المعارضة المدنية ضد الرئيس محمد مرسى؟.. تجربة العام ونصف الماضية أثبتت أن حزب الوفد هوأكثر القوى المدنية قدرة على اقتناص المكاسب الانتخابية لأسباب تتعلق بالخبرات التنظيمية والإمكانات المادية والدليل أن الحزب حصل منفردا فى الانتخابات البرلمانية على نحو 40 مقعدا مكنته لأن يكون القوة الثالثة فى البرلمان بعد «الحرية والعدالة» و«النور» لكن المدهش حقا أن المكاسب الانتخابية التى يحصدها الحزب لا يقابلها شعبية حقيقية فى الشارع وفى الغالب فإن الحزب سيسلك نفس الطريق الذى اتخذه منذ الثورة وحتى الآن والذى قام على عدم الانضمام إلى تحالفات سياسية والقبول بتمثيل لائق فى الحكومة مع لهجة معارضة «مهذبة» بالإضافة إلى الاعتماد على شخصيات تحظى بتواجد شعبى فى مواسم الانتخابات تضمن للحزب تواجدا مؤثرا فى البرلمان.
تحالف أحزاب الكتلة المصرية كان الوجه الآخر للمعارضة المدنية فى البرلمان «المنحل» وتشير التحركات الأخيرة إلى أن هذا التحالف الذى كان يضم أحزاب «التجمع والمصرى الديمقراطى الاجتماعى والمصريين الأحرار» لن يبقى كما هو فمن ناحية بدأ الدكتور محمد أبوالغار رئيس الحزب المصرى الديمقراطى فى تدشين تحالف جديد يحمل اسم «التيار الثالث» وتتلخص الرؤية السياسية التى يقوم عليها هذا التيار فيما ورد فى بيانه التأسيسى الذى نص فيه على: «إن الوقت قد حان لكى يخرج المجتمع المصرى من حالة الاستقطاب، التى دفع إليها دفعا بين خيار الإسلام السياسى، وبين الرجوع للنظام القديم، وأن يكون أمامه خيار ثالث يتمثل فى تيار سياسى اجتماعى قوى».. إذن فإن هذا التيار قام بالأساس لمعارضة القوى الإسلامية من ناحية والسلطة العسكرية من ناحية أخرى.
الخليط الذى ضمه مؤتمر تدشين التيار الثالث يشير إلى أن الهدف منه هو إعادة تشكيل تجربة «الكتلة المصرية» على أسس أكثر ولاءً للثورة حيث ضم كلا من عمرو حمزاوى النائب السابق بمجلس الشعب المنحل، والروائى بهاء طاهر، والناشطة السياسية كريمة الحفناوى، والكاتب يوسف القعيد، والدكتور محمد أبوالغار، والدكتور عبدالجليل مصطفى المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير، والدكتور حسام عيسى العضو المؤسس بحزب «الدستور» تحت التأسيس، والفنانة تيسير فهمى، وبسمة، والناشط السياسى جورج اسحاق، والمنتج محمد العدل إضافة إلى ممثلين عن حملة مرشحى الرئاسة السابقين لـ عمرو موسى، وحمدين صباحى، وخالد على فى حين لم يضم ممثلين عن أحزاب التجمع والمصريين الأحرار الحلفاء السابقين فى تحالف الكتلة المصرية وربما يرجع السبب إلى مساندة كلا الحزبين للفريق أحمد شفيق فى جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية وهو أمر قد يضر بمصداقية التحالف الجديد. أما التحالف الديمقراطى بزعامة حزب الحرية والعدالة الذى حصد أكثرية مقاعد البرلمان فى الانتخابات الأخيرة فإنه قطعا لن يظل على حاله نظرا لأن مياها كثيرة قد جرت فى النهر خلال الفترة من سبتمبر 2011 حتى الآن حيث إن هذا التحالف كان يقوم بالأساس على وجود حزب الحرية والعدالة وبصحبته مجموعة من الأحزاب المدنية على رأسهم حزب الكرامة ومن الناحية العملية فإن آثار الانتخابات الرئاسية والموقف الذى اتخذه حمدين صباحى مؤسس حزب الكرامة لا يمكن أن يترتب عليه أى نوع من أنواع التحالفات بين الإخوان والكرامة نظرا لأن الأخير قد حدد موقعه فى صفوف المعارضة الجذرية للإخوان الذى نعتهم بـ«الاستبداد الدينى».
موقع حمدين صباحى فى الخريطة الجديدة للنظام السياسى وتجهيزه للنتخابات الرئاسية القادمة لا ينفصل كثيرا عن موقع عبدالمنعم أبوالفتوح فكلاهما كان مرشحا سابقا لرئاسة الجمهورية وحصل على بضعة ملايين من الأصوات ومن المتوقع أن يلعبا دورا هاما للغاية خلال الفترة القادمة وإذا كان حمدين لديه حزب بالفعل فإن الأنباء تشير إلى أن أبوالفتوح يجرى الآن مشاورات مكثفة لتأسيس حزب سياسى جديد أو لكى يكون مرجعية لحزب التيار المصرى لكن يبدو أن الخيار الأخير ليس مفضلا لدى الرجل على الرغم من أن هذا الحزب يكاد يكون بالكامل جزءا من حملة أبوالفتوح الرئاسية إلا أن ارتباط أبوالفتوح بحزب معروف عنه أنه أنشأه مجموعة من المنشقين عن الإخوان قد يعيد الرجل خطوات إلى الوراء بعد أن تجاوزها بنتيجة الانتخابات الرئاسية.
بالنسبة للتيار الليبرالى فربما يسعى الوفد إلى جوار العدل لتقوية هذا التيار وربما نلمح فى الصورة عمرو موسى على أساس أنه الرهان الجديد لـ«الليبراليين». فيما جمع حزبا التجمع والناصرى قوتهما لمواجهة الأحزاب المحسوبة على التيار الدينى، الحرية والعدالة والنور والأصالة.
أين البرادعى إذن؟.. كل الأمور مهيأة لأن يكون البرادعى قائدا بالفعل للمعارضة فى الولاية الأولى للرئيس مرسى تماما كما كان الحال فى العام الأخير من حكم مبارك فمن زاوية فإن الرجل خرج من دائرة الترشيحات لتولى منصب رئيس الوزراء وحزب الدستور الذى شرع فى تأسيسه يحظى بحالة من الزخم الشعبى وهناك من ينظر إليه بأنه الحزب الذى سيعبر الثورة المصرية مثلما كان حزب الوفد معبرا عن ثورة 1919 لاسيما أن الصواب كان حليفا لرؤى الرجل منذ الثورة وحتى الآن بالإضافة إلى أن «السلوك التطهرى» الذى اتبعه الرجل طوال الخط أظهره أمام الجماهير بأنه لا يطمع فى منصب ولا يريد شيئا سوى صالح البلاد لكن لا يمكن أن يتصور أحد أن يجد هذا الحزب فرصة للنجاح إذا تعامل معه البرادعى بطريقة «السياسى السائح» التى يتسم بها أداؤه منذ عودته من العمل فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
فى المقابل فإن قائمة الحلفاء «المحتملين» لمحمد مرسى تضم مجموعة من الحركات والأحزاب أغلبها ينتمى للتيار الإسلامى ويأتى على رأسها حزب النور «السلفى» وحزب البناء والتنمية لكن الخلاف بين الطرفين وارد جدا فى حالة عدم حصول النور على حصص مناسبة فى التشكيل الوزارى القادم وكذلك فإن حركة شباب 6 إبريل تعد من أبرز الداعمين لمرسى خلال الفترة الحالية والخلاف هنا وارد على أساس ثورى وربما تتفرق السبل بينهما بعد أن يحلف الرئيس الجديد اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا وقتها ستعتبر الحركات الثورية المدنية أن الرئيس الجديد استخدمهم مثل الوردة التى يزين بها عروة الجاكت أثناء جولة الإعادة ثم ألقى بها فى سلة المهملات فور فوزه.
الفارق بين التحول الذى قد يطرأ على موقف 6 إبريل والنور من مرسى أن 6 إبريل ستتحول من التحالف مع الرئيس إلى المعارضة الجذرية أما النور فإنه سينسحب إلى المناطق الرمادية أو بالأحرى سيقف فى المنتصف بين معارضة الرئيس والتحالف معه وهو الموقف الذى يتخذه حزب الوسط ولن يحيد عنه إلا قليلا طوال الفترة الأولى للرئيس الجديد.
