فى تمام السابعة صباح أمس وصلت إلى مقر أكاديمية الشرطة، حيث مقر انعقاد جلسة الحكم على مبارك ونجليه ووزير داخليته وستة من كبار مساعديه، إجراءات أمنية مكثفة جدا، وحشود خارج مقر الأكاديمية للعديد من أبناء الوطن الواحد، لكن للأسف بدلا من أن يصطفوا لمواجهة مشاكلهم بدأوا فى التشاجر بين مؤيد ومعترض على محاكمة رئيس الدولة السابق.
وعند البدء فى المرور بالإجراءات الأمنية المشددة تستطيع أن تلمح لدى الكثير من قيادات الشرطة القائمين على التأمين حالة من التعاطف تجاه بعض من مساعدى وزير الداخلية، لا سيما من عملوا معهم وانتظرنا لساعتين حتى نجد القاضى يأمر بإحالة أوراق القضية بشكل ظاهر، وكأنه يريد أن يبين حجم المجهود الذى بذل من قبل المحكمة.
وفى تمام العاشرة، بدأ دخول المتهمين جميعهم وآخرهم مبارك الذى بدا مرتديا زيا مخالفا لقواعد الحبس الاحتياطى ونظارة شمسية تغطى كامل وجهه، وهو الأمر الذى لا يجوز بأى حال من الأحوال فى محكمة الجنايات.
وإذا بالقاضى -وكعادته- يعطى تنبيها على الجميع بعدم الحديث وبالالتزام بالهدوء، ويبدأ وكما توقعنا بكلمة عامة سواد ليل الشتاء وإنصاف الثورة وإدانة النظام السابق فى المقدمة التى تلاها القاضى وجدناه وكأنه أحد ثوار ميدان التحرير يتحدث عن سلمية المجنى عليهم الذين خرجوا مدافعين عن أحلامهم فى الحرية والعدالة والديمقراطية، ووصف العهد الماضى بالسواد السواد السواد -ثلاث مرات- وشبهه بليل الشتاء، ووصف حال مصر بسبب هذا النظام بأنه تدهور إلى أن أصبحت فى آخر دول العالم الثالث، وهنا بدأنا كممثلين للمجنى عليهم فى تهنئة بعضنا البعض فقد كانت المقدمة حقيقة معبرة عن آلام عشناها، وأحاسيس نريد التعبير عنها وصفتها المحكمة بكل دقة، ثم بدأ القاضى فى النطق بالأحكام.
الحكم الأول: السجن المؤبد على مبارك والعادلى
مبارك مقدم للمحاكمة بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار عن طريقى الاتفاق والمساعدة والشروع فى القتل وهى جرائم العقوبة القصوى فيها الإعدام، ولكن القانون والعرف القضائى جرى على أن عقوبة الإعدام لا يقضى بها إلا فى حالة وضوح الرؤية تماما لدى القاضى فى توافر ظروف سبق الإصرار والترصد، أو شهادة الشهود الواضحة على ارتكاب الشخص الجريمة بأن يضبط، وهو يطلق النار على المجنى عليه أو يشهد شهود أنهم رأوا المتهم، وهو يطلق النار بغية القتل بنية إزهاق الروح، إلا أننى أرى أن الحكم على مبارك بالسجن المؤبد هو حكم مُرضٍ -شكلا- فللامأنة وفى الأيام الأخيرة لم يكن لدينا إحساس بأن القاضى سيعطى مبارك حكما كبيرا فى مدته مثل الحكم الذى صدر.
وبالتالى أقرت المحكمة أن مبارك اشترك فى قتل المواطنين المصريين فى الفترة من 25 إلى 31 يناير 2011 وشرع فى قتل آخرين بالتعاون مع المتهم حبيب العادلى، ورأت المحكمة ألا تستعمل أى أنواع من الرحمة والتى عادة ما تتخذ فى القضايا العادية مع كبار السن، واستغنت عن كل البدائل وأقرت عقوبة السجن المؤبد.
والمحكمة ذكرت فى نهاية تفسيرها -الأولى- لأسباب الحكم أن المتهمين تتوافر فى حقهما جريمة الاشتراك بالقتل بالترك، أى أنهما تركا المجنى عليهم، وهم يعلمون أنهم سيقتلون وأن استمرار عمليات مواجهة المتظاهرين السلميين بهذا الشكل ستؤدى إلى وقوع قتلى، وأن المتهمين كان بوسعهما أن يتداركا وقوع مزيد من القتلى طوال ساعات يوم جمعة الغضب بمجرد أن يوجها بصفتيهما القوات إلى الكف عن المواجهة المسلحة، وبالتالى بات يقينا فى عقيدة المحكمة توافر جريمة الاشتراك فى القتل بالترك.
الحكم الثانى: البراءة لجميع مساعدى العادلى
وهنا أشارت المحكمة بوضوح إلى الشهود الذين حضروا أمام المحكمة فإنها لم تطمئن إلى قيام الرأى العام بمدح بعض الشهود، وبقيام النيابة بتوجيه تهمة الشهادة الزور إلى أحد الشهود، وهو الأمر الذى يؤثر على باقى الشهود الذين أقرت المحكمة أنها لم تطمئن إليهم فى إسناد الاتهام للمساعدين الأربعة الذين وجهت لهم أيضا تهمة الاشتراك فى القتل وهم: إسماعيل الشاعر وأحمد رمزى وحسن عبدالرحمن وعدلى فايد، كما أكدت المحكمة أن أوراق الدعوى المقدمة من النيابة خلت من ثمة مضبوطات مادية وأسلحة وذخائر لها علاقة بالمتهمين.
وأشارت المحكمة إلى عدم وجود ثمة اتصالات لاسلكية تنم عن اتفاق وقع بين المساعدين للقيام بالاشتراك فى القتل، وهنا فى إشارة واضحة إلى الأسطوانة المدمجة التى تم إتلافها من قبل أحد مساعدى العادلى والذى حكم عليه فيها بالسجن عامين.
كما أنها أشارت إلى عدم وجود دليل على إعطاء أوامر من قبل المساعدين للضباط الميدانيين للقيام بالجريمة وفى هذه الحالة -ووفقا للتفسير الأولى انتظارا لأسباب الحكم- فإن المحكمة بنت عقيدتها فى إدانة مبارك والعادلى على أساس مخالف للأساس الذى بنت عليه البراءة لمساعدى وزير الداخلية، وهذا بالفعل ما نوهت عنه المحكمة فى عرضها السريع لمقدمة أسباب الحكم.
ثم قضت المحكمة ببراءة اثنين من مساعدى العادلى، وهما أسامة المراسى وعمر الفرماوى، اللذان لم يقدما بتهمة الاشتراك فى القتل، وإنما قدما بتهمة الإهمال الجسيم فى واجباتهما الوظيفية وهى فى القانون جنحة وهما المتهمان الوحيدان المفرج عنهما منذ بداية المحاكمة.
الحكم الثالث: البراءة لمبارك وحسين سالم فى جميع التهم
هنا أطلب من كل من هو غير متخصص فى القانون أن ينتبه إلى أسباب البراءة بالنسبة لهؤلاء، وقد ارتكزت المحكمة على انقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة، وهو ما يعنى أن المحكمة لم تلتفت إلى التهمة أو تبحثها وإنما التفتت إلى وقت ارتكابها، وقد أوجب القانون مددا معينة لتحريك الدعوى الجنائية تجاه المتهمين حسب نوع الجريمة.
وبالتالى المحكمة لم تبحث إذا كان مبارك قد قبل هدية من حسين سالم أم لا أو أن حسين سالم قدم لموظف عطية أم لا، وإنما أقرت أن تاريخ الحصول على الفيلات محل الاتهام لا يتناسب مع القواعد القانونية اللازمة لتوجيه الاتهام وفقا لقانون الإجراءات المصرى.
كما أن المحكمة قضت ببراءة مبارك عن تهمة الاشتراك مع موظف عام فى إهدار المال العام، وهى قضية تصدير الغاز لإسرائيل مع سامح فهمى بأسعار لا تتناسب والأسعار العالمية.
سبب براءة علاء وجمال مبارك
وبفرض أن الجرائم التى ارتكبها علاء وجمال مبارك هى جناية فإن المدة القانونية التى لا يجوز أن تحرك الدعوى بعدها تجاههم هى عشر سنوات، وهنا أقرت المحكمة أن الجريمة تمت فى عام 2000 وليس 2001 كما قالت النيابة، وبالتالى قضت بانقضاء الدعوى الجنائية ضدهما لمضى المدة القانونية.
أما إذا كانت المحكمة قد اعتبرت أنها جنحة - وهو ما سيتم بيانه فى أسباب الحكم - ففى هذه الحالة أيضا تكون المدة مضت بكثير لأن مدة الانقضاء فى الجنحة هى ثلاث سنوات.
إذن لابد أن يعلم الجميع أن المحكمة لم تبحث إذا كان علاء وجمال مبارك ارتكبا تلك الجرائم أم لا، وإنما أقرت بعدم توافر الإجراءات القانوينة السليمة فى موعدها من النيابة العامة تجاه تحريك الدعوى.
رسالة المحكمة إلى النائب العام
القاضى فى حديثه قال إن ملف الدعوى خلا من أوراق قوية أو أدلة دامغة فى حق المتهمين المساعدين لوزير الداخلية، وإن دفاتر السلاح التى تم ضبطها من قبل النيابة العامة وتحريزها لم تطمئن إليها المحكمة - يعنى وبالعامية إن شغل النيابة بايظ - وزاد الأمر عندما أقر ببراءة مبارك ونجليه فى بعض التهم بحجة انقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة، وهى رسالة واضحة للنيابة تقول ببساطة أين كنت طوال الأعوام العشرة الماضية؟ ولماذا لم يتم تقديم المتهمين للمحاكمة قبل فوات الوقت القانونى؟
والحقيقة فإن المجنى عليه دوره ينتهى بتقديم الشكوى للنائب العام الذى يجب عليه أن يبحث تلك الشكوى، وأن يحقق تحقيقا جيدا، وأن يقدم للمحكمة أدلة دامغة على ما انتهى إليه التحقيق، وهنا نحن أمام أمرين:
الأول: هل أدى النائب العام ما عليه فى هذه القضية؟
الإجابة هى والتى صرحنا بها من اليوم الأول لقراءة أوراق القضية: جريمة بهذا الحجم كان لابد من التعامل معها بتحقيقات أوسع وأشمل، وأن يتم ضبط الكثير من الأسلحة التى شاهدها العالم كله وهى توجه تجاه المجنى عليهم، كما أن تقارير المعامل الجنائية ومعاينات مسارح الجرائم لم تكن على النحو المطلوب ولا بالحرفية الكاملة.
لكن قد يسأل سائل: وهل كان النائب العام الحالى هو الأقدر على ممارسة تلك التحقيقات؟ الإجابة أتركها لأولى البصر والبصيرة من القانونيين المصريين الذين شاهدوا وعاصروا تصرفات النيابة العامة فى القضايا طوال عصر مبارك.
الثانى: هل تقاعست الأجهزة الأمنية عن مساعدة النيابة العامة؟
ليس أمامى سوى أن أصدق رواية المحامى العام الأول الذى أقر بأن الكثير من الأجهزة الأمنية لم تقدم المعلومات للنيابة ولم تتعاون بناء على تعمد، وإن كنت بدورى أسأل النائب العام: ولماذا لم تستخدم صلاحياتك القانونية فى إلزام هذه الأجهزة بأن تؤدى عملها؟ الإجابة تحتاج إلى رد منه هو شخصيا.
لكن إقرار المحامى العام بعدم تعاون الأجهزة الأمنية يجعلنا أيضا نسأل وما هى الإرادة السياسية التى تشرف وتراقب على تلك الأجهزة؟ ولماذا لم تنتفض كى تحثها على التعاون مع النيابة العامة؟ هذا السؤال أيضا يجيب عليه القائمون على السلطة فى البلاد.
وتبقى الأسئلة الحائرة؟
هل استطاع القضاء المصرى الطبيعى القصاص للشهداء؟ هل الحكم على مبارك والعادلى بتلك العقوبة كاف ورادع؟ هل براءة مساعدى العادلى من التهم نفسها دليل فعلى على عدم ارتكابهم لها؟ وهل كان بوسع المجنى عليهم البحث بأنفسهم عمن قتلوا أبناءهم؟
إن المجتمعات المتحضرة التى تحتكم إلى القانون تتوقع أن ممثلى المجتمع هم الأولى بالثأر لأى مواطن أريق دمه، لكن على ما يبدو أننا نعيش فى منظومة أكبر بكثير, وقد لا ندرك معانيها وقد تظهر مرتبة من حيث الشكل كى تقنع لكنها فى مضمونها استشرى فيها الوباء منذ أكثر من ثلاثين عاما وبات علينا الآن أن نعى أن الثورة المصرية لم تكن للقضاء على الفساد، وإنما كانت للقضاء على مبارك وفكرة التوريث، والآن وجب علينا أن نبحث عن ثورة جديدة ممنهجة لها قائد لديه رؤية وضمير يغار على حال أبناء وطنه.
مع الأسف حتى هذه الأمنية لم تتحقق - من وجهة نظرى - وفقا لما أسفرت عنه الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وبات علينا نحن المواطنين المجنى عليهم أن نسأل إذا كنا ندفع للمجلس العسكرى وللنائب العام من قوتنا ونحن الذين ارتضينا بهم، فهل نحن مجبرون.
إننى أدعو وعن حق المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام أن يقدم استقالته فورا وأن يترك الفرصة لغيره كى نستطيع أن نتحرر من الماضى بكل أطرافه وكى يتمكن كل صاحب حق من الحصول على حقه بالقانون.. القانون الذى سأظل أحترمه، والقضاة الذين سأظل أقدرهم، ولكن سامح الله من أمرض القضاء وأعجز القضاة، ولا سامح الله كل من أخفى معلومات فى تلك القضية أو قصر فيها.
خالد أبو بكر يكتب: القاضى مدح الثورة وأدان مبارك وفاجأنا ببراءة غير مفهومة
الأحد، 03 يونيو 2012 04:22 م
خالد أبو بكر
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Ali
حيرتنا يااخي
عدد الردود 0
بواسطة:
واحد معدي!
يا عم الدكتور
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد المصرى
عفواً يا أستاذ خالد ..
عدد الردود 0
بواسطة:
الشيخ صلاح
اتعل منك
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد غريب
الزمن الردىء
عدد الردود 0
بواسطة:
Dalia Ismail
العدل قادم بأذن الله
يارب أحمي مصر من كل شر
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد زكى
تحليل منطقى
عدد الردود 0
بواسطة:
رضا طلعت
اسف محدش فاهم حاجة
احنا مش عارفين رايحين على فين
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد جمعه اسوان
علامات استفهام