مصطفى كمشيش يكتب: الكتيبة الخرساء !!

الجمعة، 29 يونيو 2012 06:11 م
مصطفى كمشيش يكتب: الكتيبة الخرساء !! الرئيس مرسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دخل سعد بن أبى وقاص الإسلام وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان إسلامه مبكرا، ويتحدث عن نفسه فيقول:[ولقد أتى على يوم، وإنى لثلث الإسلام]، يعنى أنه كان ثالث أول ثلاثة سارعوا إلى الإسلام، وهو أيضا أول من رمى بسهم فى سبيل الله، كما أنه الوحيد الذى افتداه الرسول بأبويه فقال له يوم أحد: [ارم سعد فداك أبى وأمى].. وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.
وفى خلافة الفاروق عُمر أرسله فى ثلاثين ألف مقاتل للقاء الفرس المجتمعين فى أكثر من مائة ألف من المقاتلين المدربين المدججين بأنواع متطورة من عتاد وسلاح ويتولى قيادتهم (رستم) أحد أمهر القادة العسكريين فى التاريخ، وقبل المعركة أرسل عمر رسالة إلى سعد قال له فيها:
لا يغرّنّك من الله، أن قيل: خال رسول الله وصاحبه، فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته.. والناس شريفهم ووضيعهم فى ذات الله سواء.. الله ربهم، وهم عباده.. يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عند الله بالطاعة. فانظر الأمر الذى رأيت رسول الله منذ بعث إلى أن فارقنا عليه، فألزمه، فإنه الأمر."..
ولقد استعصى الفتح على سعد ونال الهزيمة فى أول الأمر، ومرض مرضا شديدا وكان يتابع القتال من خيمته، وبدا الأمر صعبا وشاقا ومؤلما، وفى المدائن التى كانت عاصمة الفرس وقلعتهم الحصينة المكونة من سبعة مدن، قسّم سعد جيشه إلى كتائب، فكان منها (كتيبة الأهوال) و(الكتيبة الخرساء)، فتحقق بفضل الله النصر العظيم فى واحدة من أهم معارك التاريخ الإنسانى كما هو مذكور فى العلوم الاستراتيجية العسكرية..
ما بين الأمس واليوم
لقد جربت أمتنا خيارات اليسار القومى والاشتراكى بألوانه المتعددة، فكانت جبهة التحرير فى الجزائر والمؤتمرات الشعبية فى ليبيا، والحكم الشيوعى فى عدن وحزب البعث فى العراق وسوريا والاتحاد الاشتراكى فى مصر بامتداداته حتى الحزب الوطنى المنحل، بينما كانت الدول الملكية (دول الخليج الستة والأردن والمغرب) أقرب فى نظامها الاقتصادى الى النظام الرأسمالى، ولذلك كان الإعلام فى الحقبة الناصرية يُقسّم الأمة العربية الى معسكرين، المعسكر التقدمى (اليسارى بكل صوره)، والمعسكر الرجعى ( الملكيات بكل صورها)..
لتبدو صورة العالم العربى مقسمة بين أنظمة حكم (يهيمن عليها العسكر)، وأنظمة أخرى (عائلية) ..وبدت (لبنان) صورة متفردة للديمقراطية فى عالمنا العربى، لكنها لم تسلم من طائفية بغيضة تكدر عليها صفو ما تتمتع به من ديمقراطية، فكانت الحروب والقلاقل المتتالية..
ولقد بلغ التوجس من الإسلاميين مداه فى عالمنا العربى، واقترن الإسلام (ظلما) بالإرهاب فى كثير من دول العالم، وكم بذل المخلصون من أهل العلم والدعوة والاجتماع والفكر جهودا هائلة عبر سنوات طوال لإظهار حقيقة الإسلام الحضارى فى صورته النقية، وبدأ المنصفون (فقط) يتحدثون عن الفارق بين التطرف والاعتدال من ناحية، وبين العنف والسلمية من ناحية أخرى..
وفى مصر,عقب ثورة أطاحت برأس الاستبداد والظلم والقهر والفساد أصبحنا الآن بصدد مشهد جديد فريد فى تاريخ أمتنا المعاصر، وهو مشهد رئيس إسلامى لأكبر دولة عربية أتى عبر انتخابات تعددية ديمقراطية نزيهة، ولعله لم يعد من المناسب (الآن) الحديث عن ما كان من تفاصيل سبقت انتخابات الرئاسة فى مصر، وأى الخيارات كانت أفضل، فلندع ذلك لحكم التاريخ، لكننا بصدد مشهد واقعى جدير بالتدبر، وهو آية من آيات الله..
الجهاد الأكبر
لعلنا انتهينا من جهاد أصغر (إن صح التعبير) الى جهاد أكبر، والجهاد كما عرّفه علماؤنا لا يقتصر على ميدان الوغى والقتال فى المنازلة بين الأعداء، لكنه له صور متعددة أبرزها جهاد النفس..
وإذا كان الفاروق قد قال لسعد بن أبى وقاص: لا يغرنك إن قيل خال رسول الله وصاحبه، فنقول لرئيس مصر: لا يغرنك سبق فى الدعوة ولا مكانة، فأنت بحاجة إلى (كتيبة خرساء) من العاملين المخلصين لا تتكلم بل تعمل فتنجز المشروع الإسلامى الحضارى على أرض الواقع، فلا نقدمه لأمتنا فحسب، بل نقدمه حلا وخلاصا للعالم بأسره، فكم خسر العالم من انحطاط المسلمين (كما قال "الندوى" فى كتابه المعروف بهذا الاسم) حينما تخبطوا بين اشتراكية لا تراعى حق الفرد، وبين رأسمالية لم تراع إلا حق الفرد، وضاعت الشعوب فى مجملها بين هذين الخيارين..
لذلك.. نحن بصدد اختبار هائل جد هائل، فإما أن ينجح المشروع الإسلامى الذى ناضل من أجله كثيرون، وإما أن يتراجع (بفعل أصحابه) فلا يستطيع أحد (فى المنظور القريب) أن يتقدم للحكم أو غيره بمرجعية مشابهة، نحن نريد (النموذج المصري) الإسلامى الحضارى المُتقدم المتصالح مع الدنيا بأسرها حين ننتقل من الكلام الى العمل لنُرضى ربنا أولا ثم لنبهر العالم بأسره، وإسلامنا جدير بتحقيق ذلك إن شاء الله.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة