كان من أسرار عظمة ثورة يناير المجيدة، وضعفها فى آن واحد، عدم وجود قيادة يسير الناس وراءها ويلتفون حولها ومعها، حيث تميز تحرك الشعب بأنه كتلة واحدة كموج البحر الهادر دون انتظار من يوجهه، مكتفيًا بوجود عدة مطالب ومبادئ موحدة، جعلها نبراسًا ينير له الطريق، فسار على هداها، غير أن هناك أمورًا تستوجب الأخذ والرد والتفكير والتوقف أحيانًا أو الاستمرار فى المسير، وهو ما يستدعى بالضرورة وجود من يتم التفاوض معه أو الاقتداء برأيه، حيث من الصعب التقاء جميع الآراء النابعة من عدة أشخاص برغم اتفاقهم على تلك الأهداف والمبادئ، إلا أنهم لا شك مختلفون فى كثير من التفاسير والتفاصيل التى يمكن أن تكون سببًا فى الفُرقة والانقسام.
ومادام هناك التقاءٌ وموافقة فالأمور تسير بصورة جيدة، غير أنه ومع أول اختلاف فى الرؤى يتحول الأمر إلى كثير من الخلاف، حيث يعتقد صاحب الرأى – وهو فرد من المجموع الذى كان يسير ككتلة واحدة - أنه هو الصواب والصواب هو، وأنه هو من يجب أن يسير الباقون وراءه ويلتفوا حول رأيه.
فى فصول وأحداث الثورة التى نعايشها رأينا ذلك يتحقق فى كثير من المواقف، حيث تدافع الناس فى بعض المواقف بتصرفات عفوية كانت فى بعضها سرًّا من أسرار قوة وعظمة الثورة، وأقربها مثالاً إلى الأذهان لحظة خروج الشعب كله فى محطتى الانطلاق الأول: 25 يناير، وجمعة الغضب.
غير أنها فى بعضها الآخر كانت سببًا مباشرًا وفارقًا لخَلْقِ نوعٍ من الضعف والهوان فى جسد الثورة، الذى لولا رعاية الخالق الذى دبَّر تلك الثورة، لكان قد سقط من كثرة إصاباته من النيران الصديقة وغير الصديقة، ما أدى إلى وجود مراحل ضعف أدت إلى تأخرها عن ميعاد الوصول إلى محطة تحقيق الأهداف المرجوة بأقل خسائر ممكنة، وفى أبهى صورة لها.
هناك أمثلة كثيرة على الحالة الأخيرة، يمكن سردها، غير أنكم أقدر منى على ذكرها وتذكرها، إلاَّ أن الأشهر على الإطلاق منها هو ترشيحات الرئاسة، التى تسابق عليها الكثيرون ممن هم مشاركون أصيلون فى الثورة، ولا أحد يمكن أن يشكك فى ذلك، غير أن كلاًّ منهم تخيل أنه القائد والرئيس الذى ولد ليكون لذلك وكذلك، ولا جدالَ ولا فصالَ ولا مناقشةَ فى ذلك.
بُذلت جهود مضنية من كثير من الشرفاء والبسطاء المؤمنين بالثورة والمشاركين فيها، فبُحت أصواتهم من كثرة نداءاتهم بأن يجتمع الجميع على مرشح واحد يكون ممثلاً للثورة فتلتف الأصوات حوله، فلا تُضيَّع ولا تُفتت ولا يُتركُ ثقبٌ فى جدار الثورة لينفذ منه قادة الثورة المضادة ليعتلوا كرسى الرئاسة فيقضوا على الثورة وينتهى الأمر، فَقُدِّمَ كثيرٌ من العروض والفروض لإقناع جميع المرشحين المحسوبين على الثورة، والذين وصل عددهم إلى اثنى عشر مرشحًا، بأن يُؤْثِروا مصلحة الوطن على مصلحتهم الشخصية، التى يرون أنها هى مصلحة الوطن، إلا أن كل المحاولات قد باءت بالفشل، فتحول جسد الثورة إلى جسد مشوَّهٍ به اثنا عشر رَأسًا، وهو الشىء غير الطبيعى بعد محاولة تركيب رأس المجلس العسكرى من قَبْلُ، وفشل الأمر، فزُجَّ بالرأس الثالث عشر الممثل للثورة المضادة.
حدث ما توقعه الجميع من تفتيتٍ للأصوات وضياعٍ للجهود ونجاحٍ لمحاولات الثورة المضادة فى تسريب أحد من ترشحوا فقفز إلى جولة الإعادة بينه وبين أحد المحسوبين على الثورة، ودارت رحى آلة الإعلام الشيطانية التى انحازت بطبيعة انتماءاتها وتحيزها إلى الثورة المضادة، فصوبت نيران مدفعيتها إلى المرشح المتبقى المحسوب على الثورة، ونجحت خطتها الجهنمية بنسبة كبيرة، غير أن الخالق العظيم أراد لتلك الثورة النجاح، فأنقذها منها فى اللحظات الحرجة، وبفارق ليس بكبير، وبمجموع أصوات غير قليلة ذهبت إلى مرشح الثورة المضادة، لتلقن كل رجالات الثورة درسًا أبدًا لن ينسوه، حيث حُبست الأنفاس وتوقفت القلوب هلعًا ورعبًا من إعلان فوز مرشح الثورة المضادة، وساعتها كانت الثورة ومن بها وحولها سيغتالون بلا رجعة.
الآن، وبفضل من الخالق، ثم بتكاتف كل الثوريين، بحق أصبح لجسد الثورة رأس واحد، سيكون متوافقًا ومتلائمًا، وسيستجيب له باقى الجسد فى التفاعل معه، ليقوى جسد الثورة ويصبح جسدًا صحيحًا غير مشوه، ليحقق الله به الآمال ويمحو به الآلام، لنصنع مصر المستقبل التى نحلم بها لنا ولأولادنا.
ثورة يناير
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الراس اتى يوم 28 يا محمود
لا يوجد
الراس اتى يوم 28 يا محمود