د. مرسى أنا من مواليد عام النكسة، ويبدو أن آثارها لازمتنى، كما لازمت ملايين المصريين، ورثت مهنة الخليل إبراهيم عليه السلام وأنا ابن سبع سنين، وكانت سعادتى هى وضع قالب من الطوب اللبن إلى جوار أخيه، ولا أتركهما حتى أعقد قرانهما الأبدى، وكلما علا البناء أمام عينى زادت سعادتى، فكنت أرى البيت الذى أبنيه كالطفل الصغير يكبر أمام أبويه فيسعدا به يوما بعد يوم، وكبرت وكبرت بداخلى الأحلام، وحاولت أن أقهر بها الفقر والجوع والعرى والحرمان والذل والقهر والحر والبرد الذى لازمنا، ولكنها كانت أحلام رغم بساطتها ضعيفة، ليس لها من العزم ما يقويها على ظغيان حياة لا أمل منها أو فيها، إلا أن قليل من الإيمان وبعض من الصلاة وآيات من الذكر كانت تعيد فينا الأمل فى الحياة، ثم يسرقها القهر منا ثانية.
سيدى الرئيس اسمع حكايتى.. ربيت إخوتى بعد زواج أبى، ووجدت أبنائى نبتا أخضر يحتاج للسماد والماء، وزهرات نضرة تريد من يتعهدها من الريح والسيل، فعملت من أجلهم فى كل ربوع مصر فى عهد عبد الناصر، وشاركت فى بناء مصانع أبى زعبل، ولكن الفقر لم يخرج من بيتنا ولو للحظات، وظل القهر يلازمنا حيثما سرنا، وجاء نصر أكتوبر وتفتح الأمل أمام الجميع، ولكن سرعان ما سرقته الحيتان والقروش فى عهد السادات، وعاد الفقر سريعا إلى الدار، وقررت السفر للسعودية فاستولى النصابون الذين صاروا فى مراكز القيادة تحويشة العمر منى ومن غيرى، وزادنى ذلك إصرارا على السفر، الذى لم أجن منه سوى مرارة الغربة، حيث طردنى الكفيل وسلبنى حقى، وعاودت الكرة فى ليبيا وعمرت صحاريها وخضرت بواديها، وعدت بقروش أقمت بها مشروعا، ولكن الوحوش الكاسرة التى رباها مبارك، وخربى الذمة الذين يعيشون على السحت وأكل الحرام، وشرب عرق المساكين المالح، ومص دماء الجيف والجثث، التى لا حراك فيها ولا حياة، كلها عوائق كانت لى بالمرصاد، فسرقنى موظف الوحدة المحلية ومهندس التراخيص دون أن أتكلم، ونهشنى موظف الضرائب وباعنى للحكومة، وقدر الربط بأضعافه كى ينال المكافآت والعلاوات، وتركنى جثة هامدة أمام مكتبه ملقى على الأرض، وعاقبنى موظف التأمينات بلا ذنب ارتكبته وأغلق الطرق المفتوحة أمامى، ووظلمنى مهندس الكهرباء وسلط عماله يقطعون الكهرباء عن مصنعى، وخرب بيتى كل يوم فى أجور عمال ومون انتهت صلاحيتها بانقطاع الكهرباء، لأنى لم أدفع ولم أفتح مخى، وقتلنى الحاقدون والكارهون لنجاحى، وألهب ظهرى أعوان النظام وكلاب السلطة بالإتاوات، وأصروا على مشاركتى فى مشروعاتى الصغيرة التى كبرت حتى أغلقتها واحدة تلو الأخرى.
ولم يكتفوا بذلك فقد عرقلوا مسيرة أبنائى، وقتلوا أحلامى فيهم وأحلامهم فى مستقبل نضر، ومنعوهم أن يردوا لى الجميل ولأمهم بعدما فرحنا بهم زرعا أخضر وجدناهم يذبلون أمام عيوننا والماء موجود، ولا نملك أن نرويهم به، بعدما حرمتهم التقارير الأمنية من حقهم فى العمل الشريف لا لشىء سوى أنهم يذهبون للمسجد ويقيمون الصلاة.
وبعدما ظللت أدفع تأمينات أكثر من 25 عاما، قبضت معاشا بقيمة 57 جنيها، ثم زاد اليوم وأصبح 260 جنيها، طبعا لا يكفى ثمن العيش الحاف، ولا يعتبر تقدير لشخص جاهد بدمه وعرقه وبنى البيوت وأخلص لأرضه وبلده، وأقام المشاريع وفتح بيوت الكثير من العمال.
أما المصيبة الكبرى فعندما ذهبت للمستشفى كى أحصل على الأنسولين لمرض السكر الذى أصابنى مما رأيته فى حياتى، قال لى الطبيب والموظف ياحاج لن تحصل على الدواء لأنك بتاخد معاش ومش من حقك علاج على نفقة الدولة، فحرمتنى قوانين مبارك من العلاج، وهى التى تعالج الفنانين وتترك ولاد الشعب الجعانين، وقتلنى أسلوب موظفى الحكومة أصحاب الوقفات الاحتجاجية حتى يزيد راتبهم، وهالنى وأفزعنى الأطباء منزوعى الرحمة المتاجرون فى دم الغلابة كى يصبحوا من ساكنى القصور.
واليوم سيدى الرئيس عشت عصور الملك فاروق وجمال عبد الناصر والسادات ومبارك فقتلت أيامهم كل أحلامى حلما تلو الآخر، وانهارت مشاريعى التى كان يضرب بها المثل، ولم يبق من العمر إلا ساعات، ومع ذلك أرى الخير بين يديك، ولذا فإنى أذكرك بالله وأنت كما أعلم أنك من المؤمنين، نحسبك كذلك ولا نزكيك على الله تعالى، وأقول لك مستقبل أحفادى بين يديك، وأعلم أن الحمل ثقيل، ولكن أملنا فى الله بك كبير، ولا أملك سوى أن أدعو لك الله دبر كل صلاة، أن يهيدك لما فيه صلاح البلاد والعباد، ويرشدك إلى كل ما هو فى صالح الأمة، ويعينك على الطغاة الظالمين والأذناب.
عدد الردود 0
بواسطة:
أيمن
حدوتة كل المصريين
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن
هل قرأ اتباع مبارك هذا المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف محمود محامى
يكفينى شرفا انى لم انتخب مرشح جنسية ابناؤة و احفادة امريكية و تابع للى قال طظ فى مصر
فوق
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الششاو ى
حدوته مصريه
قصة كفاح