الهدوء الذى يسود مصر بعد فوز الدكتور محمد مرسى برئاسة مصر فى رأيى ليس هدوءًا مستدامًا، وإن كنا جميعًا نأمل أن يكون كذلك، إنه هدوء ما بعد العاصفة، هدوء التقاط الأنفاس بعد انحسار الإعصار وسكون الريح، وصفاء السماء من الركام، إنه الهدوء الحذر المترقب المتوجس.
فلم يكن عاقل يتخيل أن نقوم بثورة، ولا أن يسقط نظام مبارك القوى، ولا أن يخرج السجين السياسى د. محمد مرسى من سجنه إلى القصر الرئاسى. وهذا ليس سجعًا مقصودًا، فقد صنعته الأقدار.
كثيرون فى ذهول، وأنا منهم، كثيرون خائفون مترقبون، وأنا منهم، كثيرون حالمون فرحون، وأنا منهم، إنها حالة يمر بها المصريون الآن، حالة من عدم الاتزان، فقد زلزلوا زلزالاً عنيفًا، من عدم القدرة على مجاراة الأحداث وتوقعها وتحليلها واستنتاج ما ستنتهى إليه، فالمسافة بين الشك واليقين، والحزن والفرح، والأمل واليأس، والجد والهزل، والفوضى والنظام، والصدق والكذب، وأشياء أخرى كثيرة متناقضة - أصبحت قريبة للغاية إلى درجة الاختلاط.
إنها حالة مرضية وصحية فى ذات الوقت، مرضية فى ظاهرها، صحية فى جوهرها، أن نختلف، أن يظهر كل منا للآخر ليعرفه، فلم نكن على الإطلاق يعرف بعضنا بعضًا حتى قيام الثورة، وما تلاها من أيام. لم نكن نتخيل أننا مختلفون إلى هذا الحد، وعلى الرغم من ذلك نحن متعايشون منذ مئات السنين، فقد ظهر الإخوانى والسلفى والصوفى والشيعى والبهائى واللادينى والمسيحى والثورى والكنبى (نسبة إلى حزب الكنبة) والقومى واليسارى والليبرالى والعلمانى والفلولى، كل هؤلاء مصريون يحبون مصر كلٌّ بطريقته، كل هؤلاء يجب أن يعودوا لما كانوا عليه منذ مئات السنين، متعايشين منصهرين فى بوتقة واحدة، أشكالهم مصرية مميزة، لهجاتهم مصرية، وإن اختلفت من إقليم لآخر، يؤدون ما عليهم ويطالبون بما لهم من حقوق.
جمع هذا الشتات لن يكون إلا بالقانون، تحت عباءة دولة لا تفرق بين هذا وذاك، على أساس الدين أو اللون أو الجنس - قانون يطبق على الجميع، دون إقصاء ولا هيمنة - هذا إن كنا نريد أن يتحول الهدوء الحذر المترقب المتوجس إلى هدوء مستدام، وإذا كانت الأقدار قد ساوت بين مرسى ومانديلا، رئيس جمهورية جنوب أفريقا العظيم، فكلاهما خرج من السجن إلى الرئاسة، واستطاع مانديلا الثائر العظيم أن يجمع شتات بلد ذاق مرارة الحرب الأهلية طويلاً، وصنع تجربة تذكرها الأمم وسجلها التاريخ.
فهل يكون مرسى عظيمًا مثل مانديلا؟ سؤال سيجيب عنه التاريخ.
صورة ارشيفية