جاءت جولة الإعادة بين المرشحين الدكتور محمد مرسى، والفريق أحمد شفيق، فمنا من قام بالتصويت للفريق أحمد شفيق، ومنا من قام بالتصويت للدكتور محمد مرسى، ومنا من أبطل صوته، ومن امتنع عن التصويت نهائيا، وجميعها اختيارات حسب توجهات كل مواطن ورؤيته لما فيه مصلحة بلده وانتماءاته وإدراكه لمعنى الثورة، وكان علينا جميعا فى النهاية الاحتكام لنتيجة الصندوق الانتخابى، الذى جاء بالدكتور محمد مرسى، رئيساً للجمهورية، ولكن الثورة لم تكتمل بعد، ولم يكن الطريق مفروشا بالورود أمامه لكى يحقق أهدافها أو حتى يتسلم مقاليد حكمه الجديد، حيث إن الرئيس الجديد-المنتخب بإرادة شعبية حرة وفى ظل انتخابات نزيهة- يواجه عدد من التحديات، لابد له أن يُحسن مواجهتها:
التحدى الأول: حلف اليمين: فكما ينص الإعلان الدستورى المكمل الصادر مؤخرا عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبيل إعلان النتائج النهائية لانتخابات الرئاسة، فإن الرئيس الجديد ملزم بحلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا فى ظل حل البرلمان، فى الوقت الذى تعارض فيه غالبية القوى السياسية والثورية وجماعة الإخوان المسلمين والدكتور محمد مرسى هذا الإعلان، وفى حال قيام السيد الرئيس بتأدية حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، فهذا يمثل اعترافًا ضمنيًا بالإعلان وبالصلاحيات التى منحها المجلس العسكرى لنفسه، أما فى حال رفض تأدية حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية، وإصراره على حلف اليمين أمام البرلمان، فلن يتمكن الرئيس من ممارسة مهامه إلا بعد انتخاب برلمان جديد، دون معرفة توقيت انتخابه، وبالتالى استمرار إدارة المجلس العسكرى لشئون البلاد، واستمرار حكومة الدكتور كمال الجنزورى، لتسيير الأعمال، واستمرار المطالبة فى ميدان التحرير بإلغاء الإعلان الدستورى وإلغاء حل البرلمان، مما قد ينتج تصادم بين القوى الرافضة للإعلان وعلى رأسها جماعة الإخوان وبين المؤسسة العسكرية، التى تتمسك بالإعلان.
التحدى الثانى: تشكيل الحكومة الجديدة: فى حال تولى الرئيس الجديد مهامه سواء بحلف اليمين أمام المحكمة الدستورية إن ارتضى، أو بعد انتخاب البرلمان الجديد، مع استبعاد أن تتراجع الجمعية الدستورية عن قرارها بحل البرلمان، ويكون من ضمن مسئوليات الرئيس المنتخب -الدكتور محمد مرسى مرشح حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان- اختيار رئيس الوزراء والوزراء، وهناك احتمالان: 1ـ اختيار أحد قيادات جماعة الإخوان لتولى رئاسة الوزراء مثل المهندس خيرت الشاطر، وبالتالى اختيار غالبية الوزراء من التيار الإسلامى دون توفير فرصة حقيقية للتوافق بين القوى، لأن جماعة الإخوان ستجدها فرصة حقيقية لتحقيق حلمها، فقد دعت من قبل بتشكيل الحكومة من حزب الأغلبية بالبرلمان "حزب الحرية والعدالة"، وهنا من المتوقع حدوث صدام بين جماعة الإخوان والرئيس وبين باقى القوى السياسية والثورية، واتهامات كثيرة للرئيس بعدم استقلاله عن الجماعة والسيطرة على الرئاسة والحكومة، وليس من المتصور أن تستقر الحكومة، التى سيتم تشكيلها، 2- الاحتمال الثانى أن يقوم الدكتور محمد مرسى باختيار الدكتور محمد البرادعى رئيسًا للوزراء لكى يثبت أنه اختار الرجل المتفق عليه من غالبية المصريين والقوى السياسية، ولكن الدكتور البرادعى ستكون له رؤية مختلفة تمامًا عن الإخوان فى تشكيل الحكومة، مثل تشكيلها بالتوافق بين القوى وشباب الثورة وأصحاب الخبرة، وقد لا يترك الدكتور محمد مرسى الحرية كاملة للدكتور البرادعى، وبالتالى احتمال آخر للصدام بين الرئيس ورئيس الوزراء، مما قد يؤدى لاستقالة الدكتور البرادعى، وتظهر نفس الاتهامات بأن الجماعة تريد السيطرة على السلطة دون مشاركة القوى الأخرى.
التحدى الثالث: وضع الدستور الجديد: فكما ينص الإعلان الدستورى المكمل على "أحقية المجلس العسكرى فى ظل غياب البرلمان أن يقوم بتشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من جميع أطياف الشعب"، وبالتالى يقوم المجلس العسكرى بتشكيل الجمعية التأسيسية، وتصبح جمعية مستقلة عن نفوذ رئيس الجمهورية، وتقوم بوضع صلاحيات معينة للرئيس دون توسيعها أو تضييقها، فهناك احتمالان: 1ـ عدم اعتراف الرئيس الجديد بهذه الجمعية والدخول فى صراع قوى مع المجلس العسكرى لعدم تشكيل الجمعية من الأساس، 2- الاحتمال الثانى هو قبول الرئيس الجديد بالجمعية، وبالتالى اعتراف ضمنى بالإعلان الدستوري، والعودة لنفس نقطة البداية.
التحدى الرابع: حل البرلمان والصدام مع المؤسسة القضائية: أكد السيد الرئيس محمد مرسى، فى خطابه الأول، على احترامه لقضاء مصر ووصفه بالشامخ لأنه أشرف على الانتخابات الرئاسية بكل نزاهة، وأكد على استقلال القضاء وعدم التدخل فى مهامه، وفى نفس الوقت، لا يزال السيد الرئيس من المعترضين على حكم المحكمة الدستورية -أهم مؤسسة فى السلطة القضائية- بحل البرلمان، بل والتشكيك فى الحكم رغم أن غالبية فقهاء القانون أكدوا أن قرار المحكمة الدستورية واجب النفاذ، وهنا يظهر التناقض فى تصريحات السيد الرئيس، وأتصور أن المطالبة بعودة البرلمان المنحل شىء من العبث وتضييع الوقت لأنه لا توجد قوة تجبر المحكمة الدستورية على الرجوع عن حكمها، وإذا حاول الرئيس نكون أمام احتمال الصدام بينه وبين المؤسسة القضائية، ومحاولة التدخل فى عمل القضاء، بل واتهامه بأنه يحاول إعادة برلمان تسيطر عليه التيارات الإسلامية وحزب الحرية والعدالة.
التحدى الخامس: الحفاظ على الكتلة التصويتية للرئيس لضمان استمرار شرعيته: الرئيس محمد مرسى حصل على تأييد 51,6% من إجمالى عدد الأصوات الصحيحة فى جولة الإعادة، وفقد 48% من الأصوات التى أيدت المرشح الآخر، فضلاً عن فقده لـ 24 مليون ناخب لم يصوتوا فى جولة الإعادة من الأساس ويمثلون 50% من إجمالى عدد من لهم حق التصويت، هذا بالإضافة للذين أبطلوا أصواتهم لرفضهم للمرشحين ويبلغ عددهم 880 ألفًا تقريبا، إذا بإضافة الـ 48% الذين أيدوا الفريق شفيق ويقدرون بـ 12 مليونًا إلى الـ 24 مليونا الذين امتنعوا عن التصويت، و880 ألفا أبطلوا أصواتهم، فتصبح الأغلبية المقدرة بـ(37 مليونًا تقريبا) غير مؤيدة للسيد الرئيس وتتعدد الأسباب: 1ـ جزء منهم يؤيد النظام السابق لأن مصالحه ترتبط به، 2- جزء يرفض رفضاً تاما جماعة الإخوان المسلمين ويعتبر الدكتور محمد مرسى مرشح الجماعة ولن يحافظ على مصر دولة مدنية بل سيحولها إلى إسلامية، 4- جزء يتشكك فى وعود الرئيس محمد مرسى بالاستقلال عن مرشد جماعة الإخوان ويعتبر أن الرئيس مجرد مرؤوس تحت حكم المرشد، 5- جزء يحمل فكرا ليبراليا أو اشتراكيا مناقضا لفكر الإخوان، 4- جزء خاب أمله بعد خسارة مرشحيه فى الجولة الأولى أمثال السيد حمدين صباحى والدكتور أبو الفتوح وغيرهما، وتتعدد الأسباب، وبالإضافة لكل ما سبق فمن بين الـ 13 مليونا الذين انتخبوا الرئيس محمد مرسى، هناك قوى ثورية تحالفت معه لإسقاط شفيق وليس إيمانا بالدكتور مرسى، فأصبح التحدى الرئيسى أمام السيد الرئيس هو كسب رضا غالبية الشعب لكى يضمن استمرار شرعية حكمه، فلا شك أن الرئيس اكتسب شرعيته باختيار أغلبية المصوتين له، إلا أن استمرار الشرعية يرتبط باستمرار رضا الغالبية، والجميع يٌدرك أن فقدان الرئيس السابق مبارك رضا الشعب، أدى لإسقاط الشرعية عن حكمه وقيام الثورة، التى أجبرته على التنحى، وإذا حاول الدكتور محمد مرسى الابتعاد عن القوى الثورية أو مخالفة طموحاتها أو الانحراف عن أهداف الثورة فلن يتمكن من الحفاظ على شرعيته.
التحدى السادس: الحفاظ على مصر دولة مدنية ديمقراطية: وإن اجتمع كثير من شباب الثورة والقوى السياسية على تأييد الدكتور محمد مرسى من أجل إسقاط المرشح الآخر، فهذا لا يعنى أنهم مؤمنون كل الإيمان به، بل اعتبروا أن انتخابهم للدكتور مرسى وسيلة للقضاء على النظام السابق، وينتظرون من الدكتور مرسى عدم الانحراف عن أهداف الثورة وعلى رأسها: 1ـ الحفاظ على مصر دولة مدنية ديمقراطية وعدم تحويلها إلى إسلامية، لأن أى محاولة للقضاء على مدنية الدولة سوف تثير غضب القوى والثوار ضد الرئيس الجديد.
وعلى السيد الرئيس أن يٌدرك أنه كان بإمكان المجلس العسكرى تزوير الانتخابات لصالح الفريق شفيق، ولكنه لم يفعل، لكى يأتى الرئيس الجديد معبرًا عن إرادة الأغلبية، حتى يتحمل وحده مسئولية تحقيق أهداف الثورة ويكون مسئولاً أمام هذه الإرادة الشعبية، ويتركه وحده يواجه مصيره، فالدكتور محمد مرسى فى موقف صعب وتواجهه تحديات كثيرة لابد له من حسمها، لكى يبدأ ممارسة مهامه ويحقق أهداف الثورة، وبالتالى عليه مراعاة الآتى:
1ـ تفادى التصادم مع المؤسسة العسكرية، وتأدية حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا فى أقرب وقت، لكى لا يعطل ممارسة مهام حكمه، ولا يخشى أن ذلك يمثل اعترافًا بالإعلان المكمل، لأن من يتفحص الإعلان يدرك أنه يتضمن استئثار المجلس العسكرى بمهام الدفاع والأمن القومى وليس من الضرورى أن يكون الرئيس وحده مسئولا عن هذه المهام، كما أن الإعلان الدستورى مجرد إعلان مؤقت حتى يتم وضع الدستور الجديد، وينص فى المادة 60 مكرر 1 "إذا رأى رئيس الجمهورية، أو رئيس المجلس العسكرى، أو رئيس الوزراء، أو رئيس المجلس الأعلى للقضاء، أو خمسة أعضاء الجمعية الـتأسيسية، أن مشروع الدستور يتضمن نصاً يتعارض مع أهداف الثورة، أو مبادئ الدساتير المصرية السابقة، فلأى منهم أن يطلب من الجمعية التأسيسية إعادة النظر خلال 15 يومًا، كما كان لهم عرض الأمر على المحكمة الدستورية التى يكون حكمها ملزمًا للكافة"، وهذا الأمر يضمن وضع دستور غير متناقض مع أهداف الثورة، ويؤكد أن لرئيس الجمهورية الحق فى الاعتراض على أى نص، كما تؤكد المادة 60 على أحقية المجلس العسكرى تشكيل جمعية من جميع أطياف المجتمع، وفى النهاية سوف يتم عرض الدستور الجديد على الشعب للاستفتاء، وهنا إرادة الشعب هى التى تحكم، وإذا تمت الموافقة عليه سيتم العمل به وإلغاء الإعلان الدستورى الأول والمكمل.
2- أن يتجنب رئيس الجمهورية اختيار رئيس وزراء من أى قيادات الإخوان، وأن يتم اختيار شخصية توافقية مثل الدكتور البرادعى أو غيره وأن يعمل على تشكيل الحكومة الجديدة بالتوافق بين القوى السياسية وأصحاب الخبرة فى المقام الأول.
3- بذل الجهد للاتفاق مع المجلس العسكرى على المشاركة فى تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بحيث تتضمن كل الأطياف والتيارات لتعزيز الاصطفاف الثورى، والتى يكون دورها مواجهة تحجيم الصلاحيات المفروضة على رئيس الجمهورية.
4- تجنب الصدام مع المؤسسة القضائية بسبب حل البرلمان، فليس من حق رئيس الجمهورية الاعتراض على حكم صدر قبل انتخابه هو كرئيس، وليس من حقه التدخل فى عمل السلطة القضائية، وعليه أن يتجنب ما كان يحدث من قبل من تدخل سافر للرئيس مبارك فى عمل القضاء، وهذا الأمر قد يدفع البعض لاتهام الرئيس الجديد بمحاولة الدفاع عن البرلمان، الذى كانت تسيطر عليه التيارات الإسلامية، فمن الأولى للقوى السياسية والثورية ولجماعة الإخوان المسلمين الاستعداد لانتخابات برلمانية جديدة، سوف يحكم فيها الشعب.
5- أن يحاول السيد الرئيس إثبات مدى إدراكه وإيمانه بحقوق أهالى الشهداء والقصاص لهم، وتحقيق أهداف الثورة: عيش، حرية، كرامة إنسانية، فهى الأهداف الأولى للمواطن البسيط الذى تحدث عنه السيد الرئيس فى أول خطاباته.
حفظ الله مصر وأنعم عليها الأمن والاستقرار
شهرت وهبة تكتب: تحديات على الرئيس الجديد أن يُحسن مواجهتها
الأربعاء، 27 يونيو 2012 07:58 ص