لم أكن أتوقع أن أعيش حتى أرى وأسمع رئيسًا لمصر يقول: "وُلِّيتُ عليكم ولستُ بخيركم، أطيعونى ما أطعت الله فيكم، فإن عصيتُه فلا طاعة لى عليكم".
هذا كلام قرأناه فى كتب التاريخ وتندرنا عليه وتمنينا لوعشنا ذلك العصر لنرى الحاكم يقوله لشعبه فى أول يوم من أيام ولايته، ولكننا اليوم نسمعه ونراه ملء أعيننا من رئيس مصر الجديد، وندعو الله أن تتحول تعهداته التى قطعها على نفسه إلى واقع نعيشه ونسعد به من أجل عودة الاستقرار والأمن إلى ربوع مصرنا الحبيبة.
إن فرحة المصريين بفوز د. محمد مرسى هى واحدة من حيث الشكل، ولكنها متباينة من حيث الجوهر والمعنى الداخلى لفوزه، إن معرفة حقيقة هذا التباين هى التى ستحدد إلى أى مدى سيستمر هذا الاصطفاف الوطنى الذى نراه ظاهرًا على السطح الآن ومتمثلاً فى أشكال الاحتفالات بفوز الرئيس الجديد، وهى كالتالى:
1 - الدكتور مرسى وحملته وحزب الحرية والعدالة الذى كان يرأسه وجماعة الإخوان المسلمين لهم فرحة خاصة تجسد نضالاً سياسيًّا امتد لأكثر من ثمانين عامًا، وأقول لهم: لكم كل الحق فى هذا الشعور بالنصر، وتذكروا أن اللحظه التى عملتم من أجلها سنين طويلة قد جاءت، ولكن فى ظروف وأوضاع فى مصر تجعل التحديات أمامكم كبيرة، وهناك عيون وخصوم يترقبون أقل الهفوات ليس إلا لتقديم الأدلة للجميع على أنهم كانوا على حق فى رفضهم الدكتور مرسى ومَنْ وراءه، يجب عليكم أن تتحسبوا لكل كلمة وتصريح من كل الذين يتحدثون من الحزب أو الجماعة، إن الإعلام لعب دورًا غير نزيه فى أقل وصف أصفه به، من خلال ترويج الشائعات أو التوجيه لصالح هذا أو ذاك، ولذلك أدعوكم إلى أن تصدروا أوامركم بعدم التحدث أو الظهور الإعلامى من خلال برامج أو مداخلات إلا من خلال متحدث رسمى أو أكثر من خلال بيانات أو مؤتمرات صحفية لتعبر عن وجهة النظر التى تريدون إيصالها للرأى العام.
لقد كان الشعب المصرى سعيدًا عندما خرج علينا الإعلامى الحر حمدى قنديل ليقرأ بيان القوى الثورية عقب اجتماعهم مع د. مرسى لتوحيد الصف والمطالب نحو شرعية حقيقية للرئيس وعدم فرض وصاية على الشعب بقرارات استباقية لإحداث أمر واقع، ووضع خاص للمؤسسة العسكرية تحت مزاعم الأوضاع الاستثنائية أو حماية الأمن القومى المصرى، أقترح عليكم اسم الدكتور محمد البلتاجى ليكون رئيسًا لحزب الحرية والعدالة والمتحدث الرسمى باسم الحزب، فهو يتمتع بقبول لا بأس به عند فصيل عريض من القوى السياسية، وسيلعب دورًا مهمًّا فى تقريب وجهات النظر لضمان استمرار هذا الاصطفاف الوطنى خلف د. محمد مرسى، إن تصريحات د. البلتاجى بعد دقائق من إعلان النتيجة يجب أن تأخذ طريقها للتنفيذ، حيث قال: "تعلمنا من أخطائنا ولن نترك الميدان كما تركناه فى 11 فبراير حتى تتحقق أهداف الثورة".
إننى مشفق كثيرًا على الرئيس الجديد من حجم هذه التحديات، وأدعو جميع أفراد الوطن للعمل لصالح مصر ومد يد العون للمؤسسة الرئاسية والجهات التنفيذية حتى نحقق التغيير الذى نتمناه، وقامت من أجله ثورة 25 يناير.
2 - شباب الثورة وعدد كبير من القوى السياسية كانت فرحتهم الكبرى هى هزيمة شفيق، حتى ولو بفارق ضئيل، ولكن خروجه من المشهد السياسى الذى استمر فيه وأربك حساباته هو نصر، وضمانة لاستمرار الثورة التى كانت ستتحول إلى حركة شبابية أو انتفاضة لرفض مبدأ التوريث، وانتهت شرعيتها بتنحى مبارك، هكذا كان ما ستصل إليه الأمور بمجرد وصول شفيق للحكم، والآلة الإعلامية الحكومية كانت ستلعب دورها المعروف فى تغذية وتأصيل هذا المفهوم حتى يصبح واقعًا.
من هنا جاءت فرحة هذا الفصيل الذى يقول: نحن كما نحن لم نعد إلى الوراء، ولكنَّ أمامنا طريقًا سنكمله من أجل إتمام نجاح الثورة، وذلك بالتحاور مع رئيس يؤمن بالثورة وتم اعتقاله قبل جمعة الغضب فى دلالة على مدى خطورته على النظام السابق، وهو شىء يحسب له، الثورة مستمرة حتى تتحقق المطالب، هذا ما تتفق عليه هذه المجموعة، و"رئيس مدنى منتخب له صلاحيات مشروعة" ليس إلا أحد أهداف الثورة، وهو ما لم يتحقق بالكامل بعد.
3 - فرحة المصريين البسطاء، ولا أعنى الفقراء، فالمواطن البسيط، الذى يريد العيش فى هدوء بعيدًا عن السياسة، يريد أن تستقر الأوضاع، وكان يرى فى نجاح شفيق بداية لمرحلة جديدة من البلبلة وعدم الاستقرار، فكان فوز مرسى بالنسبة له راحة نفسية وشعورًا بالهدوء على الأقل لفترة من الوقت، يلتقط فيها أنفاسه التى حبسها أسابيع طويلة سابقة.
إن الدور المهم الذى يجب أن تقوم به القوى السياسية هو أن تنصت - وليس فقط أن تستمع - إلى صوت الشارع ونبض الجماهير، فنحن نريد وحدة صف لشركاء الثورة، واحتواءً كبيرًا لمن تضرروا وفقدوا الأمان بعد الثورة، فهؤلاء هم غالبية من صوتوا لشفيق، وهم مصريون شرفاء، لهم وجهة نظر ترسخت لديهم من أحداث متلاحقة، قد نختلف معهم فى وجهة النظر هذه، ولكن هذا الاختلاف لا يعنى نهاية العالم، فأنا لى صديق عزيز أعطى صوته للدكتور أبوالفتوح، وزوجته أعطت صوتها لشفيق، وبناته فى سن الشباب أعطين أصواتهن لحمدين صباحى.
الثورة مستمرة حتى تعود الأمور إلى ما قبل الإعلان الدستورى المكمل والضبطية القضائية، وأعتقد أن فقهاء القانون سيجدون مخرجًا مرضيًا دستوريًّا لأزمة حل البرلمان حتى تتحقق مطالب الشعب ونحافظ على هيبة الدولة وسيادة القانون فى الوقت نفسه.
د. طارق الدسوقى يكتب: الاصطفاف الوطنى وكيف يستمر
الثلاثاء، 26 يونيو 2012 11:00 م
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد زهرة