من أوقعنا فى تلك الورطة أو تلك المهانة من التفرقة، وهذا الانقســــــام الغريب والرهيب على مجتمع مثل مجتمعنا "المجتمع المصرى".
أقول وبصراحة.. هو نحن.. لماذا؟ لأننا صــــنعنا آلهة بأيادينا.. واليوم نخاف من تلك الآلهة.
فعندما يتحول فكر الرجل من فكر عادى إلى فكر يشوبه الانتقام حتى يستطيع الانفراد بالسلطة، فيبدأ بفتح السجون، وتكون الكلمة والقرار الأوحد له، ويكون مصير معارضيه هو السحق وتكسير العظام، حتى يرهب بقية الشعب، وحتى لا يتجرأ عليه من تسول له نفسه، الشعوب دائما تبتغى الأمن والأمان، ودائما تقول الباب الذى يأتى منه الريح سده واستريح، بمعنى أكثر وضوحاً أن شعوبنا لم تسع لوجع الدماغ مع السلطة، ولذا تتغاضى عن أخطاء الطغاء، حتى تصبح الأخطاء تراكمية، ونحن نتحمل ونشاهد البطش والعذابات ونتحمل.
ونحن الشعوب دائما ما يقع علينا عيوب وأخطاء الطغاة، لآننا نساعدهم فى بطشهم، حيث نرضى بظلمهم ونستكين وتهون علينا أرواحنا وأرزاقنا وخيراتنا، ونرى الوطن يسلب ويسرق من غيرنا أمام أعيننا، ونحن صامتون لا حراك لنا على ظلمهم لنا، فسكوتنا وتهاوننا مع الحكام، تزيد معاناتنا وعذاباتنا وفقرنا، لأن أغلب البشر تجاهل حقوقها المشروعة مع الحاكم وبطانته.
دائما الشعوب التى تتسم بالخوف والفزع هى التى ينبت فيها الطواغيت والجبابرة، لأن من صفات هذه الشعوب، الوداعة والطيبة، ولذا حين يأتى إلينا برئيس جديد يكون كالنعامة ذات الريش الناعم الأملس، ولكن بعد فترة قليلة، تبدأ بطانته يغوونه ضد شعبه، هذه البطانة يتحركون كالحواة، يحولون الرجل إلى وحش كاسر من الوحوش الضارية، فتبدأ سلسلة من القهر والقمع، والعذاب لقمع الشعب.
ومن الملاحظ أن الحكام المتسلطين على شعوبهم دائما ما يسعون إلى إفقار الشعوب، وأيضا إلى نشر الجهل بين شعوبهم، حتى لا تستطيع هذه الشعوب أن تطالب بحقوقها منه، وحتى تظل هذه الشعوب خاملة تعيش فى غياهب الجهل، وبالطبع هذا فيه استمرارية لهم فى الحكم.
نعم نحن نساهم فى صناعة الحاكم الظالم المستبد، ونحوله بأيدينا إلى ديكتاتور، عن طريق تهاوننا وتقاعسنا معه وعدم مساءلته عن أخطائه معنا، وتغاضينا عن أخطائه يجعله أكثر تسلطا ووحشية معنا، إنها معادلة ليست صعبة، ولكنها سهلة يمكن حلها بسهولة، منذ بداية حكمه لنا.
نعم نحن نصنع الآلهة بأيدينا، ثم نقدسه، وبعد فترة وجيزة نعبده، ولذا هو يستطيع بسهولة أن يشكل منا قوالب تتفق مع ميوله ورغباته ووفق أيديولوجيته هو، بلا شك أن هناك بعض الحكام يستغلون الدين، ويتخذونه غطاء لرغباتهم المسمومة ضد شعوبهم، وهم أبعد الناس عن الدين، مستغلين البسطاء والجهلاء فى عدم فهم الدين، والبعض الآخر من الحكام الطغاة يحارب الدين حتى يتمكن من تثبيت دعائم كرسيه لفترات طويلة، ويقولون أن الدين آفة الشعوب.
نحن مسؤولون عن صنع هذه الشخصية غير المرغوبة، لأن ثقافتنا تعتمد على مهادنة الطغاة، وقد أخذنا على أن نتعايش مع هؤلاء الطغاة فترات طويلة، ساكنين لا تستنهض قوانا ضدهم، نتيجة للخوف والفزع الذى يملأ قلوبنا من وسائل التعذيب التى يتعرض لها من يقف فى وجههم، ونحن لا نستشعر بخطر الديكتاتور إلا بعد فوات الأوان، بعد أن نشعر بخواء البطون، وبعد أن يعم الفقر أنحاء البلاد، وبعد أن يمتص خيراتنا وتنزف دماءنا، وبلا شك هذه ثقافة قد تواثناها فى كيفية الحفاظ على ركائز الطغاة لفترات طويلة، لأننا ألفناهم ورضينا بظلمهم، لأننا نصاب بالخيبة، ونصبح مغيبون عن الحقيقة لفترات طويلة.
ومن ردة فعله معنا أنه يشكل ويصنع منا عبيدا، لأنه تفرد بالحكم، لأننا مكناه منا بجهلنا وتخاذلنا وتقاعسنا معه، فهو يركب على أنفاسنا، والمتأمل لتاريخ الطواغيت عندنا يرى أنهم يعيشون معنا لفترات طويلة نتيجة تخاذلنا معهم، حيث إننا لن نثور فى وجه الطغاة، وحين أقول أننا ألفناهم، أعنى أننا ألفنا ظلمهم لنا، لأننا لن نتحرك فى وجههم إلا بعد فوات الأوان. إنهم استطاعوا أن يسخروا كل شىء لهم حتى وسائل الأعلام، وحتى فى مناهج الدراسة مجدناهم وسبحنا بحمدهم فيها، وصلينا وحمدناهم، ووضعناهم فى لوحات الشرف، وغيّرنا ضمائرنا، وقلنا عليهم أبطالاً، وهم كانوا يسجنون شبابنا فى زنازين تحت الأرض، لأنهم بنوا أجهزة قمعية لسحق شعوبهم بتصرفاتنا البلهاء حيالهم، وحتى لا يتفكك مجتمعاتنا أمام رغباتهم.
لك العُتبى يارب حتى ترضى عنا، وأن نمر لطريق الديمقراطية الصحيحة، بعيداً عن الخوف، وبعيداً عن الجهل بمُقدرات هذا الوطن الغالى.. ولتحيا مصــــــر.. وليعلو خافقها أبد الدهر للعلا..
د. حسن عبدالحميد الدّراوى يكتب: لك العُتبى يا رب
الإثنين، 25 يونيو 2012 09:12 م