مع إشراقة فجر اليوم حلت نسمات شهر التغيير ، كما يروق لى أن أسميه فشعبان من وجهة نظرى هو شهر التغيير، والاستعداد والتحويلن وهو شهر تغيرت فيه أمور كثيرة مهمة فى حياة النبى، وغيرت بعدها أشياء متعددة فى حياة المجتمع المسلم، شهر شعبان هو شهر التغيير، لإحداث نقلةٍ رُوحية وجسدية تُصلح أوضاعنا وتُغيّر ما بداخلنا، والتغيير الإيجابى يحتاج منا جميعًا إلى إرادة فتية، وعزيمة قوية، وسعى للتغيير، إذا كنا بالفعل نبحث عنه فكلنا يرى أن تغيير نفوس الأفراد والأمم والشعوب قضية الوقت الحالى، وهى سنة من سنن الله فى الكون، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾(الرعد: من الآية 11)، فتغيير الحال لا يكون بالتمنى والأمانى، ولكن بالعمل الجاد والنية الخالصة والسلوك القويم، وشهر شعبان فرصةٌ حقيقة للتغيير، فهو البرنامج العملى لإصلاح النفوس والقلوب، والبداية الحقيقية فى بناء الأمة استعداداً لشهر رمضان المعظم ليكون تغييراً فى الفكر وتغييراً روحانياً فإن لم نغتنم الفرصة من الآن فى شهر التغيير، ضاعت منا فرصة العمر، فالتغيير يعنى الاستمرار على الحق، والثورة على الزور والتدليس واللغو والباطل، روى البخارى فى صحيحه قول النبى- صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدَعْ قولَ الزور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ فى أن يدع طعامه وشرابه"
إننا بصدد الأيام الأولى من شهر شعبان الذى يأخذ بأيدينا إلى أبواب رمضان والذى كان يغتنم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرصة قدومه روى النسائى فى صحيحه عن أسامة بن زيد قال: قلت يارسول الله : لم أرك تصوم فى شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم.
كما أنه هو المقدّمة لرمضان؛ وهو ميدان للمسابقة فى الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجىء شهر الفرقان قال أبو بكر البلخى: (شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقى الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع وكان من دعاء النبى - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان، اللهم بلغنا رمضان".
وفى منتصف هذا الشهر العظيم كان التحويل الذى طالما انتظره النبى المصطفى – صلى الله عليه وسلم بلهفة وشغف وهو الحدث الأهم فى حياة رسول الله والذى أنزل الله تعالى له فيه قرآنا يُتلى إلى يوم القيامة قال تعالى ﴿ قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره.. ﴾ ( البقرة : 144)
ولأن الله تبارك وتعالى وحده هو الذى يعلم ما كان يدور فى قلب ونية حبيبه المصطفى لبى رغبته فى اتجاه القبلة وأخبره أن للتغيير والتحويل تبعات وتبعات فقال تعالى ﴿ وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليُضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ﴾ (البقرة :143).
إننا فى أمس الحاجة إلى الدقة والالتزام وتنظيم الأوقات وإقامة العدل بين بعضنا البعض وتحقيق العيش الكريم وأن نتقى الله فى كل شئ وأول شئ فى أنفسنا لا سيما وأننا نبدأ عهداً جديداً فلنجدد فيه كل شئ ولنحول النوايا من المعاصى إلى التوبة ومن الذنوب والسيئات إلى الطاعات والحسنات ونغتنم الوقت والفرصة الآن سانحة وقف رسول الله على مقبرة ومعه بعض أصحابه فقال: ( إن أهل هذه المقبرة يتمنون لو رجعوا إلى الدنيا لحظة صلوا فيها ركعتين) وفى رواية (قالوا فيها لا إله إلا الله) فالواجب أن تجعل بقية حياتك موضع اهتمامك حتى تكون أدركت شيئا من عمرك وقد يبارك الله فيه بالتوبة الصادقة والتوفيق فتبلغ فيما بقى مبلغ السعداء الذين أحرزوا كل أعمارهم، وإياك أن تكون ممن خرج من الدنيا بغير زاد فقد قال: "أخسر الناس صفقة رجل خلق يديه فى جاء فى الحديث أن رسول الله آماله ولم تساعده الأيام على أمنيته فخرج من الدنيا بغير زاد وقدم على الله تعالى بغير حجة "
وطالما تحدثت عن التغيير والتحويل أرى أنه يجب على أن أذكر الناس بقصة الفضيل بن عياض وهو أحد الصالحين الكبار كان يسرق ويعطل القوافل فى الليل، يأخذ فأساً وسكيناً ويتعرض للقافلة فيعطلها، كان شجاعاً قوى البنية، وكان الناس يتواصون فى الطريق إياكم والفضيل إياكم والفضيل ! والمرأة تأتى بطفلها فى الليل تسكته وتقول له: اسكت وإلا أعطيتك للفضيل.
وقد سُمعت قصةً من رجل تاب الله عليه لكن تحدث بأخبار الجاهلية، قال: كنت أسرق البقر -وهو شايب كبير أظنه فى المائة- قال: فنزلنا فى تهامة ، فأتت امرأة ودعت على بقرتها وقالت: الله يسلط عليك فلاناً، وهو صاحب القصة، قال: فلما حلبت البقرة أخذت البقرة برباطها وطلعت الحجاز ، أى: وقعت الدعوة مكانها، فيشتهر -والعياذ بالله- بعض الناس حتى يصبح يضرب به المثل، فالمرأة كانت تقول للولد: اسكت وإلا أخذك الفضيل.
أتى الفضيل بن عياض فطلع سلماً على جدار يريد أن يسرق صاحب البيت، فأطل ونظر إلى صاحب البيت فإذا هو شيخ كبير، وعنده مصحف، ففتحه واستقبل القبلة على سراج صغير عنده ويقرأ فى القرآن ويبكى -انظر الفرق بين الحياتين: هذا يقطع السبل، لا صلاة ولا صيام ولا عبادة ولا ذكر ولا إقبال، وهذا يتلو آيات الله أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الرعد:19] وقال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الأَلْبَابِ [الزمر:9].
جلس الفضيل ووضع يده على السقف وظل ينظر إلى ذلك الرجل العجوز الذى يقرأ القرآن ويبكى، وعنده بنت تصلح له العشاء، وأراد أن يسرقه وهو بإمكانه؛ لأن ذلك الرجل قوى، وهذا الشيخ لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، فمر الشيخ بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16].
فنظر الفضيل إلى السماء وقال: يا رب! أنى أتوب إليك من هذه الليلة، ثم نزل فاغتسل ولبس ثيابه وذهب إلى المسجد يبكى حتى الصباح، فتاب الله عليه، فجعله إمام الحرمين فى العبادة، هذا السارق أولاً أصبح إمام الحرمين
أيها الأفاضل الكرام : هيا بنا نتغير أولاً ثم نُغير وقبل أن يُحاسب أحد منا الآخر علينا أولاً أن نبدأ بأنفسنا ويُحاسب كل واحد منا نفسه حتى إذا ما بدأ التغيير الحقيقى وجدنا إصلاحاً على الأرض ولنتعلم من الماضى ومن أخطائه إننا بأمس الحاجة إلى أن نكون يداً واحدة وأن نتحاب فى الله ونجتمع عليه ونتفرق عليه ، إننا فى أمس الحاجة إلى بعضنا البعض طالما رضى الله تعالى لنا وارتضينا أن نكون معاً فى وقت الصلاة والصيام والزكاة والحج جموعاً فلنكن صفاً واحدا فها هو الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (ينظر الله فى قلب الإمام، فإن وجده صالحاً قبل صلاته وصلاة من معه، فإن لم يجد قلب الإمام صالحاً نظر فى قلوب المأمومين فإن كانوا صالحين قبل صلاتهم وصلاة إمامهم) فمن منا يدرى أن يكون الآخر سبباً فى قبوله ونجاحه عند ربه ؟!!!
وهيا نُغير وننتظر رمضان لنمحو سيئات الماضى ونبدأ عهدا جديدا من الحسنات قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مُكفرات لما بينهن إذا اجتُنبت الكبائر ) فهل سنمحو خطايانا ونُغير أنفسنا فى شهر التغيير؟!!!
* إمام وخطيب بوزارة الأوقاف بالدقهلية.
هلال رمضان
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشيخ محمد عبد المعطي
فلننطلق من الان
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو ضياء خالد الطنوبى
سيدنا الشيخ محمود بارك الله لك
عدد الردود 0
بواسطة:
فضيلة الشيخ علاء الشال
شيخ محمود بارك الله لك
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد عوني
حضرت هذه الخطبه