من أهم المطالب الأساسية التى قامت الثورة المصرية المجيدة من أجل تحقيقها للشعب المصرى بهدف راحته ورفع المعاناة والقهر والظلم عنه: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"!
ولكن – وللأسف الشديد - مر عام ونصف العام على اندلاع تلك الثورة ولم نر حتى الآن تحسنًا أو تغييرًا إيجابيًّا فى أوضاع غالبية المصريين الذين يعانون الأمرَّيْن ويتسولون حقوقهم منذ أمد بعيد!! الأمر الذى أدى بدوره إلى حدوث حالة من اليأس والإحباط لدى العديد من فئات الشعب من الذين أصبحوا عاجزين عن مواجهة أعباء الحياة للتفاوت الكبير بين الدخول المهينة وأسعار السلع المبالغ فيها! ولا نعلم تفسيرًا واضحًا للتأجيل المتعمد لحل بعض المشكلات الكبيرة واستمرار حالة الصمت الرهيب من جانب المسئولين التنفيذيين مثلما كان يحدث أثناء العهد البائد إزاء الفوضى والعبثية فى إدارة بعض الملفات الجوهرية والحيوية التى من شأنها تكبيل المواطنين ووضعهم فى ورطات وأزمات متلاحقة يصعب الخروج منها، وكأن الرئيس المنتظر هو مَن سيعمر الذمم الخربة، ويحيى الضمائر الميتة، ويوقظ المشاعر الغارقة فى سبات عميق!
ارتفاع الأسعار، خاصة أسعار السلع الرئيسية والحيوية التى لا غنى عنها، مشكلة كبيرة ذات أخطار جسيمة تهدد سلامة الكثير من البيوت المصرية، بل وتخربها سريعًا، نظرًا لعجز أرباب الأسر عن مواجهة أعباء المعيشة وتحقيق أبسط المطالب لرعاياهم، وذلك للأسباب التالية:
- غياب الوازع الدينى عند الكثير من التجار، وعدم تقوى الله والخوف من عقابه فى الآخرة، إما لجهل معظمهم بأمور وتعاليم دينهم سواء بسبب الأمية أو محدودية الوعى والثقافة، أو لأنهم نشأوا على الطمع والجشع ولم يتعلموا سوى لغة المال والأرقام، وبالتالى فليس للأخلاق والمبادئ والقيم مكان عندهم، هؤلاء التجار الذين يستغلون قسوة ظروف المواطنين ويرفعون الأسعار دون داعٍ فى المناسبات أو الأزمات التى يشهدها البلد، محملين الشعب ما لا طاقة له به، ومُصِرِّين على اتباع سياسة النظام السابق القائمة على نهب ما فى جيوب البسطاء عنوة ليزيدوهم فقرًا وبلاءً حتى ينشغلوا بلقمة العيش وكيفية الحصول عليها ويغضوا الطرف أو لا يبالوا بما كان يحدث حولهم من فساد ممنهج ومنظم على جميع الأصعدة!!
- غياب الرقابة من قِبَل المسئولين الحكوميين المنوط بهم عمل حملات تفتيش مستمرة لضبط المتجاوزين وإخضاعهم للمساءلة بحسب القانون، وذلك منذ أزل بعيد، ما أدى إلى استمراء واعتياد حالة النهب المنظم التى يمارسها الكثيرون من التجار بلا حياء أو خوف من الحساب.
- عدم تفعيل دور جمعيات حماية المستهلك، التى من مهامها توعية المواطنين بحقوقهم فى مقاطعة السلع غالية الثمن واستبدالها بأخرى، ومقاطعة التجار الجشعين المستغلين وإبلاغ الجهات المسئولة عنهم، بالتعاون مع وسائل الإعلام المختلفة التى لم تولِ قضية ارتفاع الأسعار اهتمامًا مناسبًا كسائر القضايا الأخرى الأقل أهمية وخطورة، رغم أن الأسعار فى رأيى تعتبر قضية أمن قومى، فكم من أناس انتحروا فخسروا آخرتهم كما خسروا دنياهم بسبب ضيق ذات اليد وعدم قدرتهم على مواجهة أعباء المعيشة، نظرًا لتقاعس أولى الأمر واستهانتهم بخطورة هذه القضية.
- انتشار الاحتكار وسيطرة مجموعة من الأفراد على بعض السلع الأساسية والرئيسية التى لا يمكن للمواطن الاستغناء عنها، وذلك لعدم وجود قانون رادع يمنع ويجرم احتكار السلع والتحكم فى أسعارها حسب هوى المحتكرين دون مراعاة الأبعاد الاجتماعية.
أرى أن العودة لنظام التسعيرة الجبرية التى تلزم التجار وتجبرهم على توحيد الأسعار من أهم الأمور التى يجب أخذها فى الاعتبار؛ لأن نظام الاقتصاد الحر المعمول به منذ السبعينيات من القرن الماضى هو السبب الجوهرى فيما نعانيه الآن.
أناشد أيضًا جميع أئمة وخطباء المساجد والزوايا فى كل أنحاء الجمهورية الإكثار من الحديث عن المعاملات، خاصة البيع والشراء فى الإسلام، وخطورة الغش والاحتكار ورفع الأسعار بشكل غير مبرر، كما أطالب وسائل الإعلام، خاصة الإذاعة والتليفزيون بقنواتهما الأرضية والفضائية، بعمل حملات وبرامج توعية مستمرة وثابتة لخدمة المواطنين عن طريق استضافة المتخصصين فى هذا الشأن، سواء من الجانب الحكومى أو من جانب جمعيات حقوق المستهلك أو أساتذة الأغذية والزراعة الذين يمكنهم طرح البدائل ووضع حلول جذرية لبعض المشكلات التى تؤرق المواطنين، لأن معضلة الأسعار لن يتم حلها إلا إذا تكاتفَ الجميع وتحركوا بإيجابية.
كفانا معاناةً واكتواءً بنار الأسعار لعقود طويلة.
هناء المداح تكتب: ارتفاع الأسعار.. قضية أمن قومى
السبت، 23 يونيو 2012 01:02 م