يسود المجتمع المصرى الآن حالة من القلق بغض النظر عن الفائز بالرئاسة والمنتظر إعلانه يوم 21 أو 22 من الشهر الحالى. يرى البعض أن رد فعل الإخوان المسلمين سيكون عنيفاً فى حالة فوز الفريق شفيق خاصة بعد عدة تصريحات للدكتور مرسى والتى أكدت أن الإخوان قد حكموا على الانتخابات بالتزوير قبل إقامتها فى حالة خسارة مرشحهم. ويرى البعض الآخر أن فى حالة فوز الدكتور مرسى سيكون الانقلاب العسكرى وشيك لعدم تصورهم أن يقبل الجيش المصرى أن يخضع للمرشد العام للإخوان المسلمين.
ليس هناك أدنى شك أن الإخوان قد فقدوا الكثير من شعبيتهم منذ ٢٥ يناير، لقد كانوا 'يدا واحدة' مع جميع فئات الشعب بالتحرير طوال الـ ١٨ يوما حتى تنحى الرئيس مبارك يوم ١١ فبراير، وبعد التخلص من عدو الثوار المشترك بدأ الإخوان الانفصال عن التحرير وأصبح من الواضح نيتهم للانفراد المطلق بالسلطة. وبدأت تسقط أقنعة 'المدنية' و'التوافق الوطنى' - التى صدقها الثوار الليبراليون بكل سذاجة أثناء الثورة - كلما تقدم الإخوان خطوة نحو هدفهم بدايةً بالموافقة على تعديلات الدستور من خلال الاستفتاء الشعبى وانتهاءً بالأغلبية الساحقة فى البرلمان ومجلس الشورى، واعتقادهم بإمكانية الانفراد بكتابة الدستور المصرى وإقامة نظام برلمانى كما هو مكتوب صراحةً فى برنامج حزب الحرية والعدالة. وهو النظام الذى يتيح لهم الهيمنة على جميع مؤسسات الدولة على غرار ما فعل أردوغان فى تركيا منذ توليه رئاسة الوزراء بعام 2003 وسيطرته على البرلمان والرئاسة والمحكمة الدستورية وأخيراً الجيش فى خلال سنوات قليلة.
لم يقرر الإخوان خوض سباق الرئاسة إلا بعد تيقنهم أنهم فى حقيقة الأمر لم يحرزوا أى تقدم بعد انسحاب معظم القوى الوطنية من اللجنة التأسيسية للدستور وبعد أن بات واضحا إمكانية حل البرلمان والذى أقرته المحكمة الدستورية يوم الخميس ١٤ يونيه، ووقعوا فى فخ شاركوا فى نصبه بأنفسهم خاصةً بعد موافقتهم على الإعلان الدستورى الذى صدر بعد نتيجة الاستفتاء. سواء كان هناك عقل مدبر لهذه الأحداث أم كانت معجزة إلهية فمن المؤكد أن إحساس الإخوان بالانتصار المبكر كان السبب الرئيسى فى الكشف عن نواياهم الحقيقية للمتعاطفين معهم والتى حرصوا على إخفائها أيام الثورة ثورة للحظى بأكبر قدر من التأييد الشعبى فى هذا الوقت. وأيضاً من المؤكد أن المجلس العسكرى بذلك اكتسب حرية أكبر فى التصدى للإخوان وأجندتهم الإسلامية وهذا ما سوف يحدث إذا فاز الدكتور مرسى بالرئاسة.
أتصور أن الدكتور مرسى فى حالة فوزه سيكون له مطلق الحرية فى ممارسة أعماله وتطبيق برنامجه الاقتصادى والاجتماعى وسيظل الجيش والقضاء المصرى حماة مدنية الدولة والتصدى لأية محاولات لأسلمة مصر أو التعدى على حدودها أو تهديد أمنها واستقرارها لمصلحة أى قوى خارجية أو داخلية. ويجب على الإخوان فى هذه الحالة الاستسلام لهذه الضمانات وخاصةً أنها لا تختلف كثيراً عن بعض تصريحاتهم التى تؤكد مدنية الدولة والحفاظ على أمن وسلامة مصر. هذا الأمر لا يختلف كثيراً عن دور الجيش التركى فى الثمانينيات والتسعينيات وبالتحديد إزاحة اربكان عام ٩٧ بعد أن كشف عن هويته الإسلامية المخالفة للدستور المدنى التركى بعد انتخابه. يضاف إلى ذلك اعتقادى أنه لن يكون هناك اكتساح إخوانى فى البرلمان القادم والذى سيعاد انتخابه بعد انتخابات الرئاسة. وهذا ما تؤكده كثير من استطلاعات الرأى والتى تشير إلى احتمال خفض مقاعد الحرية والعدالة فى البرلمان القادم بنسبة لا تقل عن 30% وبذلك لن يكون للرئيس الإخوانى سلطة تشريعية لدعمه وتأييد قراراته. الاحتمال الآخر هو عدم قبول هذه القيود وأن يلجأ الإخوان للصدام المسلح، وهو احتمال لا يمكن التغاضى عنه خاصةً بعد تصريحات السيد عمر سليمان والتى تؤكد أن الإخوان يستعدون بحرس ثورى للتصدى للجيش، وأيضاً وجود عدد كبير من التقارير التى تؤكد وجود كم هائل من الأسلحة المهربة داخل مصر والتى تصل إلى حد صواريخ عابرة للمدن. يعظم هذا الاحتمال هو وجود رئيس إخوانى منتخب وهذا قد يكون بمثابة حافز أكبر لفرض سيطرتهم بالقوة بدعوى دعم أغلبية الشعب لهم. وهو فى اعتقادى قد يكون احتمال انتحارى للإخوان يعيد إلى الأذهان صدام الإسلاميين مع الجيش بالجزائر عام ١٩٩٢ والذى استمر حتى عام ٢٠٠٢ وانتهت بالقضاء على الإسلاميين ومقتل أكثر من مائة ألف شخص.
مما لا شك فيه أن الإخوان بما فيهم شريكهم المسلح -حماس- ليس لديهم أى فرصة للصمود أمام الجيش المصرى فى مواجهة مسلحة ولكن الخطورة تكمن فى تداعيات هذه المواجهة على الدولة واقتصادها الموشك على الانهيار. احتمال الصدام المسلح أيضاً وارد فى حالة فوز الفريق شفيق ولكنه احتمال سيكون من موقف أضعف للإخوان لخروجهم الكامل عن الشرعية فى هذه الحالة بعد هزيمتهم فى انتخابات نزيهة بوجود مراقبة دولية. والأرجح أن يتم التوافق الوطنى الذى يدعو إليه الفريق شفيق من خلال اتفاقات سياسية تعبر عن آرائهم وتعكس حجمهم فى المجتمع ومشاركة فعالة فى إدارة الدولة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الدكتور عبداللة المزروعي الامارات
كلام صحيح