يقع وادى الملوك فى صحراء مقفرة بالقرب من مدينة الأقصر على الجانب الغربى لنهر النيل. تلهب حرارة الشمس المشتعلة تربته المختلطة بالرمل الأملس والصخور القاسية. الأرض غير مواتية للبناء والتشيد ولا تصلح للزراعة والرعى. ظن المصريون القدماء أن ذلك الوادى القاحل مستعص على لصوص المقابر والغزاة فاختاروه مكانا آمنا لدفن ملوكهم. فى أرض وادى الملوك رقد فراعنة الدولة الحديثة من الأسرات الثامنة عشر وحتى العشرين يحيطهم صمت ملكى مهيب.. تصحبهم خزائنهم وكنوزهم .. أغانيهم وتراتيلهم التى ستمضى معهم إلى الحياة الأخرى.
أمضى الأثرى هاورد كارتر قرابة الثلاثين عاما فى مصر يتعلم الرسم والنقش، وينقب عن كنوز مصر الأثرية المذهلة. أضناه البحث عن مقبرة الملك توت عنخ أمون زهاء العشر سنوات. وفى أحد أيام شهر نوفمبر من عام ١٩٢٢ وفى وادى الملوك عثر كارتر ومعاونوه على سلم من ستة عشر درجا فى نهايته باب مغلق ممهور بختم ملكى يعود إلى الأسرة الثامنة عشر. أرسل كارتر برقية لصديقه البريطانى اللورد كارنارفون المولع بالأثار المصرية والممول لمشاريعه التنقيبية. طلب كارتر من صديقه المجىء العاجل إلى مصر ليكون شاهداً على ما ظنه أحد اأم اكتشافات القرن. حضر اللورد كارنارفون وبصحبته ابنته الليدى إيفيلن ومصور فوتوغرافى. وبالفعل عثر كارتر وفريقه بعد سنوات من البحث المضنى على مقبرة توت عنخ آمون التى تخلب العقول بما فيها من كنوز وحضارة لا مثيل لها فى التاريخ.
تحمل كارتر وفريقه وغثاء البحث ومشقه التنقيب.. أمضوا أعواما بين ركام حجرى ثقيل وأتربة مقابر مسممة متخبطين بين أبواب مغلقة ومتاهات وممرات خادعة.. تهاجمهم أفاعى الظلام وعقارب السم السعاف. كم هانت المشقة والمخاطر عندما انقشع الغبار عن وجه ذلك المليك الفتى المغطى بتابوت من الذهب الخالص وبقايا من رائحة أريج ملكى خلاب قادم من الماضى السحيق تملأ المكان.
الشعب المصرى المصرى أيضا ينقب عن نفسه منذ ستين عاما .. يبحث عن حريته وكرامته .. عن كنوزه العظيمة .. تائه بين أبواب خادعة وممرات مظلمة.. يغفو ويفيق .. يقوم ويسقط .. حتى جاء شباب ٢٥ يناير، وعثروا على باب الخلاص الممهور بختم النيل فأمسكوا به وتشبثوا بمقابضه تشبث الأبطال.. سقط منهم الشهداء والجرحى، ولكنهم لم يتركوا الباب حتى نزعوا ذلك الغطاء الثقيل المغلق على مصر والمصريين. وما أن فتح الباب حتى وقع شباب الثورة على الأرض من فرط الإنهاك تدهسم بيادات البطش وتلعنهم عمائم النفاق. اندفع الشعب المصرى نحو باب الخلاص الذى فتحه الثوار آملا فى دنيا جديدة من الحرية والكرامة والحضارة فإذا به يغرق فى أتربة مسممة ينثرها الجهل والفقر تعترض طريقه أفاعى تجار الدين وعقارب اللصوص. لكن الباب قد فتح والهواء النقى يتدفق كما الشلال، وسوف تدهس أشواق المصريين للحرية والكرامة والعدل كل أفاعى الطريق وعقاربه.
كما استطاع كارتر وفريقه أن يشقوا طريقهم فى وادى الملوك عبر الأتربة المسممة وفحيح الأفاعى سوف يشق المصريون طريقهم عبر عراقيل الجهل والفقر وبطش البيادات وفحيح العمائم وسوف يصلون إلى قدس الأقداس.. إلى تلك الحوائط الرائعة المزينة بالنقوش البليغة والألوان الزاهية.. إلى أريج زجاجات العطر القديم.. إلى العلم والفن والحضارة.. إلى مليكهم الفتى ذى السوار الذهبى والتاج المرصع بجواهر الكرامة والشرف.. إلى مصر التى خبأت تحت الأرض فى وادى الملوك.
