ظل حلمنا جميعا هو حاكم عادل، واعتبرنا ذلك أملا صعب المنال، ورجاء بعيد التحقق، ومع ذلك ظل حلمنا موجودا لم يمت بعد فى حاكم يحس بشعبه ويشعر بآلامه، ويعيش معه أفراحه، حاكم يتمثل خطى الصديق أبا بكر وينتشل الأمة من السقوط فى بئر التهاون فى الدين ويعيد لها الوحدة، حاكم يلهث خلف خطوات الفاروق عمر ليعيد النهضة والبناء، ويفتح الدنيا ويقيم العدل ويزيل الظلم والهم والغم، حتى لم يجد عماله من يعطوهم الصدقة، حاكم يقلد ذو النورين عثمان لينفق من ماله على الفقراء والضعفاء، ويجيش الجيوش لنصرة الحق، حاكم ورع تقى نقى كعلى أبا الحسن والحسين، الذى ضحى من أجل الأمة حتى لا تتفرق ولا تختلف وتضيع بين الأمم، حاكم زاهد عابد لا يخاف فى الله لومة لائم كعمر بن عبد العزيز، الذى أقام العدل والحق فى زمن ضاعا فيه، حاكم ككثير من الحكام العدول الثقات الذين أحيوا الهمة وأعلوا من شأن الأمة على مدار التاريخ.
وازداد الحلم وتكرر فى الصحو وفى المنام، وتمنينا أن يصبح حقيقة على يد عبد الله ذليل على المؤمنين عزيز على الكافرين، لا يخاف إلا الله، ولا يخشى سوى يوم الحساب، لا يبغى من دنياه منصب زائل، ولا جاه مطغى، ولا كرسى مآله إلى حطام، ولا أموال لا تغنى من حر ولا برد، ولا قصور يبلى ساكونها وتبقى خرابات يسكنها الحدادى والغربان وتعيش بها الأشباح، ولا يريد عزا خاصا أو جاها شخصيا، بل يريد رفعة أمة ونهضة شعب، ونجاة من العقاب يوم الحساب.
وتخيلت رئيس مصر القادم يقوم قبل الفجر يصلى القيام ويتهجد لله تعالى فى جوف الليل، ويدعوه ويناجيه ويرجوه، ويصلى الفجر حاضرا، ويخرج فى نور الصبح يزيل الظلام من قلبه ويشم نسيم الفجر فيملأ صدره الحب والإيمان، ويبدأ عمله بين الناس، وتخيلت رئيس مصر يصلى مع الناس فى المسجد، يؤمهم فى الصلاة ويخطب الجمعة، ويذكرنى بعمر فوق المنبر يراجعه الناس ويطلبون منه ويسمع منهم فيلبى.
وتخيلت رئيس مصر لا يجلس وسط الفاسقين والمفسدين وأصحاب المصالح، ويجلس فقط وسط العلماء من كل التخصصات والفقهاء المخلصين لا علماء السلطان، ولا يترك مجلس أصحاب الرأى والقول السديد وأولو الأمر والشورى فى كل مجال.
وتخيلت رئيس مصر يمشى فى الشارع بين الناس، يرى حالهم ويرصد حياتهم، ويرثى لهم ويفرح لفرحهم ويأكل مما يأكلون، ويشرب مما يشربون، ويطعم مما يطعمون.
تخيلت رئيس مصر يتمثل قول الله تعالى "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله"، تلك الآية الكريمة، التى نزلت على رسول الله قبل وفاته بعدة أيام، لتكون مسك الختام ونبراس المهتدين، وطريق التائبين، وعهد المخلصين، وتخيل معى رئيسا يتقى الله ويخافه فكيف يكون حاله مع رعيته وشعبه.
فهنيئا لمصر إن رزقها الله رئيسا يكون شعاره "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله"، رئيسا حاشيته وأعوانه من المصلين والصائمين والقائمين والمسبحين والمستغفرين بالأسحار.