تعيدنا حالة الصراع الذى تشهده مصر حاليا بين مرشحى الرئاسة الفريق أحمد شفيق، والدكتور محمد مرسى، وإعلان كل منهما فوزه برئاسة مصر، رغم أن اللجنة العليا للانتخابات لم تعلن رسميا النتيجة حتى الآن، إلى أمثلة تكررت فى دول متخلفة تشهد أزمة الديمقراطيات الهشة، التى تتخذ من العملية الديمقراطية واجهة سياسية وآلية لحسم الصراعات على السلطة، لكنها سرعان ما تنقلب القوى السياسية والعسكرية على نتائجها، إذا لم تكن النتائج فى صالحها أو فى صالح تحالفاتها.
ففى كوت ديفوار، كانت الحرب الانتخابية بين لوران جباجبو الذى كان يصر على البقاء فى السلطة، رغم إعلان اللجنة المستقلة للانتخابات بخسارته خلال هذه الألفية، ومنافسة الفائز فى الانتخابات الحسن وتارا الذى كان يصر على شرعيته فى تقلد الحكم باعتراف المجتمع الدولى بفوزه، السبب فى معاناة المدنيين بسبب النقص الفادح فى الموارد الحياتية، وانعدام الأمن، مع انتشار عصابات النهب المسلحة فى مناطق عدة.
فكانت الأزمة الاقتصادية التى ضربت البلاد بعد أن كانت أول مصدر للكاكاو فى العالم، ووصول عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر 40%، وتصاعد موجة العداء للأجانب، هى الورقة التى يلعب بها الرئيس الذى انتهت ولايتة، لوران جباجبو، وسبق للرئيس السابق هنرى كونان بيدية أن استخدم الورقة الإيفوارية لإبعاد منافسه العنيد الحسن وتارة فى رئاسيات 1995، بحجة أن والد وتارة من أصول بوركينابية، وتم تقنين الهوية الإيفوارية الخالصة فى الدستور الإيفوارى، مما جعل ربع سكان ساحل العاج يشعرون بحالة اللاستقرار والتذمر من صعود العنصرية.
وفى ظل هذه الظروف السياسية والاقتصادية حاولت الكوت ديفوار أن تبنى أسس الديمقراطية للانتقال من مرحلة الزعيم الكاريزماتى إلى تعددية سياسية، يكون فيها التداول على السلطة بطريقة سلمية هى القاعدة للرسوخ الديمقراطى، حتى تبقى ساحل العاج واحة الاستقرار والقلعة المعجزة، وهذا ما لم يحصل، ففى أول انتخابات رئاسية فى منتصف التسعينات تحصل كونان بيديه على 95% من الأصوات مع مقاطعة المعارضة، ولم يستمر فى السلطة إلا أربعة سنوات لينقلب عليه الجنرال روبرت غيى، ومع بداية الألفية الجديدة استغل لوران جباجبو هذه الوضعية ليحصل على الرئاسة ولكن بإبعاد منافسيه الحسن وتارة وكونان بيديه، ولم تمر سنتين على رئاسته حتى شهدت ساحل العاج حربا أهلية بتمرد عسكريين فى الشمال بعضهم مقربين من الجنرال روبرت جيى ليتم تقسيم البلاد عسكريا وأمنيا إلى شمال تحكمه قوات التمرد التى تطلق على نفسها القوات الجديدة، وفى الجنوب الجيش النظامى الذى يدعم الرئيس جباجبو، وكانت المأساة السياسية باغتيال الجنرال روبرت جيى وزوجته ووزير الداخلية إميل بوكا، الشخصية الثانية فى الحزب الذى يترأسه جباجبو، ونفس الفريق الذى اغتالهم حاول اغتيال الحسن وتارة، لكنه لجأ إلى السفارة الفرنسية للحصانة، وبقيت ساحل العاج طيلة حكم جباغبو على هذه الحالة تقسيم للبلد وغياب السيطرة الكاملة للجيش على الأمن، مما اضطرت ظروف الحرب الأهلية لدخول قوات الأمم المتحدة بتعداد يصل إلى 10 آلاف قبعة زرقاء تضاف إلى 900 عسكرى فرنسى لتأمين المدنيين والأجانب.
وهكذا أسدل الستار عن فصول الصراع على السلطة فى كوت ديفوار لصالح الحسن وتارة، بتدخل مكشوف من القوات الفرنسية الخاصة، التى أوصلته إلى القصر الرئاسى فى أبيدجان، العاصمة الإيفوارية، وفى نفس الوقت ألقت القبض على غباغبو، وزجت به فى السجن فى انتظار مثوله أمام محكمة الجنايات الدولية بتهمة إرتكاب جرائم ضد المدنيين العزل.
وفى انتخابات الرئاسة الأمريكى عام 2000 بين مرشح الحزب الجمهورى جورج دبليو بوش ومرشح الحزب الديمقراطى آل جور، تلك الانتخابات الشهيرة والفريدة فى التاريخ الأمريكى التى تابعها وترقبها العالم حينذاك، ليكتشف أن الديمقراطية الأمريكية التى يضرب بها المثل ليست نموذجا مثاليا يحتذى كما كان يعتقد الكثيرون.
وواجهت الولايات المتحدة أزمة انتخابات رئاسية لم تشهدها من قبل، حيث تحول الصراع بين المتنافسين على منصب الرئاسة من صراع حول أصوات الناخبين إلى صراع فرز أصواتهم، ودخل الطرفان معركة جديدة وصلت إلى أعلى سلم القضاء، لينتهى الأمر فى النهاية بإعلان فوز جورج بوش الابن على منافسه آل جور برئاسة الولايات المتحدة لأربع سنوات قادمة
وكان مصدر هذه الأزمة يرجع بالأساس فى بادئ الأمر إلى إعلان بعض الشبكات الإذاعية فوز "آل جور" فى فلوريدا إلا أنها سرعان ما تراجعت على ضوء معلومات جديدة ظهر منها أن الأمر لم يتضح بعد ثم عادت وأعلنت من جديد فوز جورج بوش، وبالفعل اتصل جور هاتفيا ببوش وهنأه بالفوز، ولم يمض قليل حتى اتضح أن مدير حملة جور قد اتصل به ليخبره بأن نتائج فلوريدا لم تحسم بعد، مما يعنى أن بوش لم يفوز بعد مما دفع جور للتراجع عن إلقاء بيان الاعتراف بالهزيمة وسحب تهنئته لبوش، ومنذ تلك اللحظة بدأت وقائع حملة جديدة بين الطرفين.
ومن هنا بدأت القوانين تفرض نفسها على الساحة، حيث تنص قوانين الولاية فى هذه الحالة على إجراء فرز ثانى لأصوات الولاية للتأكد من دقة النتائج وبالفعل تم الفوز، وأظهرت الأحداث فى بعض المقاطعات تقدم آل جور حيث تم فرز عينه من البطاقات يدويا فى مقاطعة بالم بيتش وأثبتت فوز جور ب- 36 صوتا إضافيا لم يحصل عليها من خلال الفرز الآلى، مما دفع المقاطعة لاتخاذ قرار بإجراء الفرز اليدوى، وتلاها قرارات مماثلة فى عدة مقاطعات أخرى، وما أن بدأت عملية الفرز اليدوى حتى انفجرت مشكلة أخرى، حيث اتضح أن الآلة المستخدمة فى فرز الأصوات لا يمكنها إلا احتساب الأصوات التى قام فيها الناخب بخرق المربع الصغير بالكامل، لأن تعلق جزء من أجزاء المربع بالبطاقة يبطلها، ومن هنا طالب جور باتباع معايير مرنة لاحتساب الأصوات الصحيحة، إلا أن بوش عارض إجراء الفرز اليدوى الذى قلص هامش فوزه من 1800 إلى 388، وأكد أنه لا يوجد مبرر للفرز اليدوى، ولكن المحكمة الفيدرالية رفضت طلب بوش بوقف الفرز اليدوى، واستمر الصراع على المستوى القضائى والسياسى، حتى أثيرت مسألة جديدة تتعلق بأصوات المقيمين بالخارج، وتعددت الحجج المقدمة من الطرفين، وتنازعت القضية عدة جهات تقاضى، وانتهى الأمر بإعلان المحكمة الفيدرالية العليا فوز جورج بوش.
فما أن وقع النزاع بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى حول نتائج عمليات فرز الأصوات وبخاصة فرز الأصوات فى ثلاثة من أحياء ولاية فلوريدا، حتى احتكم الطرفان للقضاء، وبعد صراع قانونى معقد استعان فيه الطرفان بالمحامين المتمرسين وأساتذة القانون الدستورى المرموقين، بلغ النزاع المحكمة العليا الأمريكية، أعلى محاكم البلاد، ومحكمة نهاية المطاف فى التدرج القضائى على المستوى الفيدرالى، وقولها الفصل فيما يعرض عليها من منازعات، فحسمت المحكمة العليا النزاع لصالح الحزب الجمهورى ومرشحه للرئاسة، إذ صوت خمسة من قضاة المحكمة العليا التسعة لصالح الجمهوريين وأحقيتهم فى الرئاسة مقابل أربعة، أى أن فارق صوت واحد فقط هو الذى جاء بالجمهوريين وإدارة جورج دبليو بوش إلى الحكم وسدة الرئاسة الأميركية.
ومن عادة الأمريكيين وكثير من الديمقراطيات الغربية فى انتخاباتهم أن يلقى المرشح الخاسر كلمة وسط أنصاره يسلم فيها بالهزيمة وبفوز منافسه، فيما يعرف بخطاب التسليم أو الإقرار بالهزيمة.
ولم يكن من السهل على آل جور، وقد خسر الانتخابات الرئاسية بفارق صوت واحد من أصوات القضاة أن يسلم بالنتيجة، لاسيما والفارق فى الأصوات بين المرشحين ضئيل، والنزاع حول عمليات الفرز وما شابها من أخطاء له ما يسانده، فضلاً عن حسم النزاع على منصب الرئيس من خلال هيئة غير منتخبة، ولو كانت المحكمة العليا، بل وبفارق صوت واحد، ومع ذلك، وقف آل جور وسط أنصاره ومؤيديه ليقول للشعب الأمريكى إنه ولو كان لا يتفق تماماً مع ما انتهت إليه المحكمة الاتحادية العليا، إلا أنه يقبل بنهائية العملية، وبذلك سلم لخصمه واعترف له بأنه الرئيس الأميركى الجديد.
لم يكن موقف آل جور يعبر فقط عن نضج ووعى وخبرة وإعلاء للمصالح العليا لبلاده، وإنما يعبر كذلك عن إدراك عميق للبدائل المخيفة للصراع على منصب الرئيس، وخطورة استدراج البلاد كلها إلى وضع كارثى، لقد جنب آل جور بموقفه هذا بلاده الانزلاق إلى دائرة العنف فى ظل حالة من الانقسام الشديد حول شرعية الانتخابات ونتائجها.
ولذلك لم يكن غريبا أن يحصل صاحب هذا الموقف الوطنى الشجاع والنبيل بعد سنوات قليلة على جائزة نوبل للسلام عن جهوده فى حماية البيئة، والتنبيه إلى خطورة قضية الاحتباس الحرارى، وعلى الجانب الآخر لم يكن غريباً كذلك أن ينتفض الشعب الأمريكى بعد سنوات حكم إدارة بوش الابن، فيأتى بأول رئيس أمريكى أسود من خارج القواعد المعروفة والمحددة سلفاً لمن يحكم الولايات المتحدة الأمريكية، فالشعوب دائماً ما تملك الاختيار للتغيير وفرض إرادتها، وتصحيح المسار الخاطئ.
أما فى أوكرانيا فقد شهدت العملية الانتخابية منافسة شرسة بين فيكتور يانوكوفيتش، ورئيسة الوزراء يوليا تيموشنكو، وتبادل المرشحان خلال الحملة الانتخابية اتهامات بالإعداد للتزوير ما ينذر بمعارك طويلة أمام المحاكم أو بثورة أخرى، وتوعدت تيموشنكو بتدفق أنصارها مجددا إلى "الميدان" فى إشارة إلى الساحة المركزية التى احتضنت الانتفاضة الشعبية فى كييف سنة 2004 إذ تبين وقوع عمليات تزوير.
وقد أعلن المعارض فيكتور يانوكوفيتش الموالى لروسيا فوزه فى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التى جرت فى أوكرانيا عام 2010 داعيا منافسته رئيسة الوزراء يوليا تيموشنكو إلى الاستقالة قبل أن تعلن اللجنة المنوطة بإعلان النتيجة وإقرارها.
وخرج يانوكوفيتش على شاشات التلفزيون مهنئ الجميع على الانتصار "مضيفا" نشكر الله على مساعدته إيانا فى فتح صفحة جديدة فى تاريخ هذا البلد"، وطالب منافسته تيموشنكو بالاقرار بهزيمتها.
وقال: "لقد كانت خصمة صلبة، لقد خسرت الانتخابات ومن المهم أن تخسرها بكرامة أن تذهب إلى النهاية وتقر بهزيمتها".
وأضاف: "سأعمل على تشكيل أكثرية جديدة فى البرلمان" ما يعنى تعيين رئيس جديد للوزراء وعود بتحقيق الاستقرار.
ووعد يانوكوفيتش ناخبى منافسته بأن أصواتهم "ستؤخذ فى الحسبان"، مضيفا "سأحاول أن أعمل من أجل الفوز بثقتكم.. سأفعل كل ما بوسعى من أجل أن يشعر الأوكرانيون، فى أى منطقة من البلاد يقطنون، بالراحة فى بلد مستقر".
وتعهد يانوكوفيتش بمعالجة الأزمة الاقتصادية المستفحلة فى البلاد. وقال "سأجرى إصلاحات من شأنها أن تسمح لنا بتجاوز الأزمة الاقتصادية".
وأكدت النتائج الغير الرسمية وهى استطلاعات آراء الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع تقدم يانوكوفيتش 52% من الأصوات مقابل 43% لتيموشنكو.
فيما رفضت تيموشنكو حينها استباق النتائج النهائية مؤكدة أن ما من شيء حسم "طالما لم يجر فرز آخر صوت"، ومؤكدة حصول "عمليات تزوير واسعة النطاق".
وأكدت مدير حملة السيدة تيموشنكو الانتخابية فى مؤتمر صحفى أن من السابق لأوانه إعلان نتيجة الانتخابات، وأن الكثير من التزوير قد وقع خلالها.
وتبادل المرشحان خلال الحملة الانتخابية اتهامات بالإعداد للتزوير ما ينذر بمعارك طويلة أمام المحاكم أو بثورة برتقالية ثانية إذا كانت النتيجة بفارق ضئيل جدا.
إلى أنه أعلن فى النهاية وبعد صراع، فوز فيكتور يانوكوفيتش برئاسة أوكرانيا.
صراع "مرسى ـ شفيق" على الرئاسة نموذج جديد لـ"انقلابات الديمقراطية".. "جباجبو" رفض النتائج وامتنع عن تسليم عرش كوت ديفوار لـ"وتارا".. وفى أوكرانيا تبادل "يانوكوفيتش" و"تيموشنكو" الاتهامات بالتزوير
الأربعاء، 20 يونيو 2012 07:15 م
الدكتور محمد مرسى والفريق أحمد شفيق
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
السيد
ربنا يستر
ربنا يسترها
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد الجزائري
فوز اي مرشح بنسبة 51 بالمئة خطر على مصر الاعادة هي الحل
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
مرسى فاز بمليون صوت فرق