لم يختلف المفكر الفرنسى المسلم الراحل روجيه غارودى، (ولد فى 17 يوليو 1913 م فى مرسيليا – ورحل فى 13 يونيو 2012)، فى فكره ونضاله قبل أن يترك البروتستانتية، ويعلن إسلامه، ويناصر القضية الفلسطينية ويعادى الصهيونية، ذلك ما تبرزه وتظهره بصورةٍ واضحة مواقفه وآراءه المنشورة فى كتبه.
وتعكس وحياة "غارودى" إلى أى مدى كان هذا الرجل مفكرًا كبيرًا، حيث شهدت تحولات غنية لرجل بدأ حياته بانضمامه إلى صفوف الحزب الشيوعى الفرنسى، واقترب من المتصوفين الإسلاميين، فى أواخرها وكان لابن عربى تأثير كبير عليه، وهو ما كان يفهم فى إطار ماركسيته، التى تميزت بإنسانيته على العكس الشائع والمعروف عن الماركسيين، ويعبر كتابه "واقعية بلا ضفاف" عن شخصيته المتسعة جدًا، والتى تجد بداخلها الكثير، ويوضح "مبروك" أن جرأة "جارودى" فى أن يمس أحد التابوهات المحرمة فى الغرب، والتى تتمثل فى علاقة الأوروبى واليهودى، كانت سببًا فى فتح هذا الباب للكثير من المفكرين الأجانب فى أن يتجرأوا ويهتموا بالقضية اليهودية والفلسطينية لتكون محط سؤال لا ينبغى عدم الاقتراب منه، فشجع العديد من المؤرخين اليهود ليسألوا عن حقيقة "اليهود المختلقة".
حيث أن "غارودى" الذى انحاز للقضايا العربية، وفضح بمنهجية علمية وعقلانية ادعاءات الحركة الصهيونية، وفكك مشروعها الاستعمارى فى المنطقة العربية القائم على أساطير وأوهام لا سند لها فى التاريخ والتراث الدينى الإنسانى، لم يكن يكال الأمور بمكيالين، فقبل إسلامه، وفى سبعينيات القرن الماضى، ألقى "جارودى" خطبته الشهيرة فى مؤتمر الحزب الشيوعى الفرنسى، والتى بدأها بعبارته الأشهر: "لم يعد الصمت ممكنًا"، حيث قدم فى هذه الخطبة وجهة نظره التى دخلت فى تعارضات مع بعض النظرية الماركسية، ولذا فكان طبيعيًا أن يغادر حزبه، ويبدأ فى اتخاذ مواقف حاسمة فى القضية الفلسطينية وضد الصهيونية وكيانها.
كان "غارودى" مناهضاً للاستعمار الفرنسى للجزائر بنفس القدر الذى انخرط فيه فى مقاومة النازيين إبان احتلالهم لفرنسا، كما كان على الضد من ديكتاتورية الفكر الصهيونى وعرقيته بنفس القدر الذى كان فيه مقاوماً لديكتاتورية البروليتاريا حينما كان عضواً الحزب الشيوعى الفرنسى الذى انشق عنه فى عام 1968 وتركه بعد ذلك بعامين. كما أنه كان منتقداً للسلوك السوفييتى بالرغم من إيمانه بالاشتراكية المبنية على الإبداع الفردى والسلوك الإنسانى البعيد عن الاستغلال والاحتكار وإلغاء الآخر.
ولـ"غارودى" مواقف عديدة شجاعة وجريئة، ويذكرها التاريخ له، فهو القائل: «إنى وجدت الحضارة الغربية بنيت على فهم خاطئ للإنسان وكان يبحث عن معنى معين لم يجده إلا فى الإسلام»، وهذه الشهادة تكتسب معنى خاصاً، فالمتكلم يعرف الإسلام جيداً، وهو الذى أسر بالجزائر خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كان اللقاء الأول له، هو الشاب البروتستانى مع الحضارة العربية والإسلامية خلال تجنيده فى جيش بلاده فوقع فى الأسر خلال المعارك الدائرة فى شمال أفريقيا، ليقضى فترة مسجوناً فى سجن الجلفة بالجزائر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة