الجميع كان على يقين، سواء من الشباب المصرى الحالم بالحرية والعيش بكرامة أو من المجتمع العربى، أن الانتخابات المصرية لن تنصر أحداً من رجال النظام السابق، وأن هذا أشبه بالمستحيل إلا أن جزءاً كبيراً من المجتمع المصرى قرر أن يفاجئ العالم ويعطى صوته فى الانتخابات ما بعد الثورة إلى أحد أبرز قادة النظام السابق ألا وهو الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء المخلوع، دون أن يعى هذا الجزء من الشعب المصرى أن صوته يمثل مستقبلا جديدا للوطن وللأجيال القادمة، وأن هذه الانتخابات كانت حلما للعديد من الشباب الذين قدموا حياتهم فداء لهذه القضية فداء للشعب من أجل العيش بكرامة إنسانية وحرية دون قيود. الإحباط كان سيدا للموقف عند شباب لا طالما آمن بقضية الوطن ولا طالما كان على استعداد من أجل تقديم المزيد من الأرواح فداء لوطن حر، وطن يكون ملكا للشعب وليس لديكتاتوريين الطامعين فى السلطة، الشباب الذى آمن وقاوم العسكر طول فترة الثورة المضادة الجيل الذى كسر حاجز الصمت دون خوف من الرصاص صدم صدمة لم تكن فى الحسبان فمن قتل أصدقاءهم وإخوانهم وعمل على تعرية بناتهم فى الماضى القريب ها هو اليوم يتصدر المراكز الأولى فى انتخابات الرئاسة المصرية ما بعد الثورة، فالملايين أعطت أصواتها لأحمد شفيق دون أن تفكر فى دماء الشهداء، بل الأكثر من هذا دون أن تفكر أن مستقبل الوطن يكمن فى اختيار رئيس ثورى، فكل أعطى صوته فى هذه الأخيرة لمصلحته الشخصية دون وعى أو إدراك أن بهذا قد أهدر حق الشهداء وقتل قلوب العديد من أمهاتهم وضيع وأهدر أحلاما لشباب آمن بالتغيير لشباب تحدى الرصاص الحى والخرطوش سواء فى الثورة أو فى موقعة الجمل أو فى ماسبيرو وعند السفارة الإسرائيلية مرورا بحادث بورسعيد ومجزرة العباسية، دون أن يعى أن الشباب حلمهم بعيد كل البعد عن أى منصب بل مطلبهم أبسط بكثير وأنبل من هذا، فحلمهم دولة مدنية ديمقراطية أساسها العدل والمساواة.
صدق من قال مات من لا يستحق الموت من أجل من لا يستحق الحياة، لماذا ثار المصريون إذا كانوا يريدون استبدال طاغية بآخر من نفس طينته وسياساته؟ يا أسفنا ما على هذا الوضع فى هذا البلد الذى كان فى يوم ما رمزاً للعروبة والعرب، فحالة الإحباط والانكسار التى تسود الشباب أسبابها باتت واضحة ومعروفة ولا نستطيع أن نلوم طرفا واحدا فقط، فجزء كبير من الشعب ساهم فى فشل ثورته وانتصار النظام السابق عليه، كما أنه ساهم فى قتل حلم الشباب بوطن حر ديمقراطى، فالشعب الذى كان بالأمس ينادى بإسقاط النظام وحكم العسكر ها هو اليوم ينتخب عسكريا ورجلا من أكفأ رجال مبارك وكأنهم يعاقبون الوطن والشهداء لأنهم فكروا فى نصرة الحق وحلموا بإقامة وطن عادل تسوده المساواة بين كل طبقات المجتمع المصرى.
ولا أنكر أننى وصلت حد اليأس عند معرفتى للنتائج وأخذت وقتا كبيرا لإدراك كتابة هذا المقال وأتقبل فكرة أنه كان فى ثورة أصلا، أخذت وقتا كبيرا لأعقل أن هذا شعب مصر وأن هذه الأحداث من بطولة الشعب المصرى ولكنى على يقين كبير.
إنه لا طالما يوجد جيل يحب ويقدر الوطن والحرية بهذا الأسلوب ولهذه الدرجة كونوا على يقين أن شمس الحق والحرية ستشرق حتما فى سماء مصر أجلا أم عاجلا، فدعونا نتفاءل فلا ندرى ما سيحدث غدا.
