ما أسوأ هذا الشعور: أن تأتمن شخصا فيخونك، أن تحسن إليه فيسىء إليك، أن تدافع عنه فيخذلك، أن تعطيه فيمنعك، أن تحلم عليه فيجهل عليك، أن تدافع عنه فيهاجمك، أن تكرمه فيهينك، أن تطلعه على أسرارك فيفضحك، أن تفتح له بيتك فلا يرعى حرمته، أن تعامله على سجيتك فيعاملك بسوء طويته، أن تنقذه من حفرة فيريد أن يوقعك فيها.
أن تذكر محاسنه وتغض الطرف عن مساوئه، فيستر محاسنك، وينشر مساوئك، ويفترى عليك الكذب، ويدعى ما فيه وليس فيك، أن تؤثر عن مصلحتك فتجده لا يبحث إلا عن مصلحته، حتى لو كان فيها ضررك، أن تلتمس له المعاذير بحسن ظن منك فتثبت الأيام أنه لا يليق به إلا سوء الظن، أن تجمع حوله الأصدقاء، فيغير عليك قلوب الأصدقاء ويسلط عليك ألسنة الخصوم، ويؤلب عليك سيوف الأعداء، أن تعطيه ما يزيد على حقه فضلا منك ونعمة، فيأبى إلا أن يأخذ حقك وما ليس له بحق، أن تمد يدك له بالخير فيعضها، بينما يلعق يد من يجيعه ويهينه ويدئبه، أن تناشده العيش والملح، فيدس لك السم فى العسل، أن تعامله بما أنت أهله، فيغلبه طبعه ولا يعاملك إلا بما هو أهله، أن ترعى الله فيه، فلا يرقب فيك إلا ولا ذمة.
كثيرا ما يخدع الناس، ليس لضعف عقولهم، ولا لنقص تجربتهم، ولا لعدم درايتهم بالدنيا والناس، ولكن - فقط - لأنهم لا يستطيعون أن يعاملوا الناس إلا بحسن الظن، حتى يظهر منهم ما يستدعى خلاف ذلك.
أعرف شخصا إذا أقرض القريبون منه، وعرضوا عليه كتابة ورقة رفض، فإذا قالوا له من باب المداعبة: ربما ننكر بعد ذلك أننا أخذنا منك شيئا. يقولك صدمتى فيكم حينها، أكثر من حزنى على ضياع نقودى.
شعور بالخيانة والخديعة، والجحود والكنود، واللؤم، والمكر السيئ، ووضع للثقة فى غير موضعها، شعور تفوق مرارته فى الحلق مرارة الصبار والعلقم، وتزيد أوجاعه فى النفس عن أوجاع البدن.
والحديث يقول: لكن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. والمثل الشعبى يقول: إن كان حبيبك عسل لا تلحسه كله. وقد لُحس العسل حتى لم يبق فى الطبق شىء.
وقد خاطبونا بالرصيد الذى يسمح، وسحبنا منه حتى صار الرصيد - بلغة أهل الاقتصاد والبنوك والمصارف - مكشوفا.
لا مجال للعواطف الطيبة، ولا للنوايا الحسنة، ولا لتطييب الخواطر، ولا لعرابين الصداقة، (لن نسكت لأحد ثانية فيدخل هو وما معه)، و(لن نحمل أحدا على ظهورنا فيركب ويدلدل رجليه)، وعلى كلٍّ أن يلزم غرزه، ويعرف قدره، فلن يأخذ إلا حقه، بعد أن يؤدى واجبه، فلا سلطان لأحد فوق سلطان الشعب المصرى، إلا بمقدار احترام رأيه وصوته واختياره، ولا ولاية لأحد على الشعب الذى شب عن الطوق، ووصل لسن الرشد، وألغى وكالات الحديث باسمه، لتعدى الوكيل حدود ما كلفه به الأصيل، وصار الشعب كريما غير مَهين، مُبينا فى الحديث عن مطالبه وحقوقه.
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أسامة سمير زكي
جميل .. وبعيدا عن ذلك
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد نبيل
تحليل رائع