هو ليس فيلمًا جديدًا على غرار فيلم "إسماعيلية رايح جاى" الذى يتربع حتى الآن على قمة الإيرادات فى تاريخ السينما المصرية، ولكنه واقع سيظل محفورًا فى ذاكرة من عاصروه، وتاريخ لمن سيأتون من بعدنا، قد يحتاجون إلى عشرات السنين حتى يستطيعوا فهم ما حدث، وحتى يفكوا شفرات الأحداث الأليمة التى نراها منذ اندلاع الثورة وحتى الآن، وما سيحدث فى الأيام والأسابيع القادمة.
الواقع الذى أراه الآن أننا فى طريق العودة، بعدما حاول هذا الشعب أن يصنع ثورة عظيمة، فجاءت غير مكتملة وتحتاج إلى وقت طويل حتى تتضح معالم الطريق الذى تسلكه فى ظل تخبط وتضارب مصالح لفئات كثيرة من الشعب المصرى، فأتت هذه النتيجة التى ترسخت فى أذهان الكثيرين، وقالوا: "كفانا عبثًا، ولما تعرفوا تقوموا بثورة ابقوا قولولنا، أما نحن فنريد أن نعود إلى ما كنا عليه، على الأقل كانت الحياة لها ملامح حتى وإن كانت سيئة، ولكن أفضل من وضع "اللاملامح" الذى نعيشه فى واقعنا اليوم"، هكذا هم المصريون الذين لا يحسنون استثمار لحظات الانتصار ويحولونها إلى أوقات لجلد النفس ومحاسبتها، فهم يتذكرون الألم دائمًا فى معظم لحظات السعادة التى قد تأتيهم، فيذهبون لزيارة القبور فى الأعياد، وعندما يشتد بهم الضحك يقولون "اللهم اجعله خيرًا.. يا ترى إيه اللى هيحصلنا بعد الضحك ده؟".
خرج الشباب فى 25 يناير ومات من مات وأصيب فى عينه من أصيب ولكن يبدو أنه لم يحن الوقت بعد لكى يحدث التغيير الذى خرجوا من أجله، لأن خصوم الأمس بدأوا فى تصفية الحسابات واستعراض القوة ودخلوا فى معركة البقاء للأقوى، واستخدموا كل وسائل الحروب المتاحة من تمويل وإعلام وتشهير وتخوين حتى يستميلوا الناس برضاهم إلى واحد من اختيارين، وكأنه طبق اليوم، إما هذا وإما ذاك، ولا يوجد اختيارات أخرى، لا يا سادة، إننا لن نرضى إلا بأن نختار بأنفسنا – وبحرية - الطريقة التى نريد أن نحيا بها فى هذا البلد، ولن يفرض علينا أحد صبغة نظام بائد أو نمط حياة نختلف أو نتفق على كثير من تفاصيله، إن براءة الشباب وعدالة مطالبهم فى التغيير ضاعتا وتاهتا وسط هذه الحرب الضروس بين الخصوم السياسيين الممتدة منذ عشرات السنين.
أقول لنفسى وللشباب إن الدرس فى 25 يناير كان قاسيًا ولكن يبدو أن ما يجب أن يتحقق من تغيير يتطلب ثمنًا أكبر بكثير من الذى ظننا أنه كافٍ لنجاح ثورة فى بلد كبير بحجم مصر.
