لو كان يمكن أن نجمل وقائع الانتخابات الرئاسية اليوم وأمس لقلنا إن "عملية التجاوزات شابها بعض الانتخابات"، وذلك خلافًا لما تدعيه لجنة الانتخابات الرئاسية التى تقول إن عملية الانتخابات شابها بعض التجاوزات. ذلك لأن أخبار التجاوز الانتخابى وعمليات التزوير التى نسميها تسويدًا، إمعانًا فى التضليل، وصلت إلى حد غير مسبوق، فقد كانت هذه العمليات فى السابق دليلاً على فساد العملية الانتخابية برمتها، ذلك لأننا نعلم تمام العلم أن ما يتم كشفه من تزوير لا يتعدى العشرة فى المائة مما هو واقع فعلاً، لكن للأسف ينتهج المزورون اليوم نهجًا جديدًا، ويسمون ما يجرى من تزوير تسويدًا، مدعين أن كل هذه التجاوزات لا تؤثر فى سير العملية الانتخابية، فهل من المطلوب أن نثبت أن كل وقائع التزوير فى كل لجنة على حدة لكى نعرف أن هذه الانتخابات باطلة، أم أننا نعيش فى أسر المشهد التاريخى الذى قامت به القاضية الفاضلة نهى الزينى لنعلم أن الانتخابات فاسدة؟
المهم فى ذلك كله أن نشير هنا إلى أن الحرفية التى تم بها التزوير فى هذه المرة كانت عبقرية فى حبكتها الفاسدة، للدرجة التى سبقت بها خيالات المبدعين بالطريقة التى تجعل فكرة رصد ودراسة هذه الطرق المبتكرة مجالاً خصبًا للمبدعين والمؤرخين والمهتمين بالمواقف والطرائف، إذ لم يعد التزوير كما كان قديمًا وقتما كان مندوبو الحزب الوطنى يصورون وهم يحشرون الصناديق حشرًا بالبطاقات المزورة، وإنما ابتكرت الدولة ومنتفعوها والتيارات السياسية وعلى رأسها الإخوان والسلفيون طرقًا جديدة تستحق أن تأخذ حقها من الدراسة والتأمل.
صحيح أن بعض هذه الوقائع لم تثبت، وصحيح أن النيابة التى من المفترض أن تحقق فى هذه الوقائع لم تفعل شيئًا يذكر فى المتهمين الذين اتهموا بارتكاب التجاوزات فى الانتخابات السابقة، لكن ما يهم هنا هو رصد طرق التزوير ومدى تطورها، ولعل أبرز هذه الطرق وأشهرها فى الانتخابات الحالية هو ما تم ضبطه من دفاتر تم تسوديها لصالح مرشح بعينه من المنبع، أى من المطابع الأميرية التى طبعت الدفاتر ووزعتها على اللجان، ولأنه لم يتم التحقيق فى أى واقعة تزوير من قبل، ولم نسمع عن أن أى متهم بالتسويد قد نال جزاءه، فمن المتوقع أيضًا أن يبقى لغز تسويد البطاقات من المنبع فى المطابع الأميرية سرًّا يحتفظ به التاريخ أو يكشفه المستقبل، وهذا ما يفتح خيال المبدعين لرسم صورة ذلك الكائن الأسطورى صاحب الذكاء الخارق الذى هداه فكره إلى تلك الطريقة فى التزوير، غير أن هذا المؤلف غالبًا ما سيواجه نفسه بسؤال قد يستعصى على الإجابة، وهو إذا فرضنا أن هناك موظفًا بالمطابع الأميرية استطاع أن يفعل هذه الفعلة دون أن يتم اكتشاف أمره، أو أن هناك متسللاً استطاع أن يخترق المطابع ويقوم بجريمته، فكيف مرت هذه البطاقات على من ختمها بخاتم اللجنة العليا للانتخابات ووافق على تداولها وتوزيعها؟
ثانية القصص التى تفوق خيال المستبدين المزورين فيها على خيال المبدعين هى قصة القلم السحرى التى تداولها البعض منذ يوم أمس، والتى حذر منها العديد من النشطاء قبل الانتخابات، والتى تقول إن هناك مجهولين سيقومون بتوزيع أقلام سحرية يختفى أثر الكتابة بها بعد دقائق، وهو ما يساهم فى إبطال العديد من الأصوات، وما زاد فى الترويج لهذه القصة هو اهتمام اللجنة العليا للانتخابات بها، ولنا أن نتخيل كيف تسربت هذه المعلومة، وكيف تم إحضار هذا القلم، ومن الذى استورده، ولصالح من، وما مصير من تم القبض عليهم وبحوزتهم هذا القلم؟ وكيف سيكون عقابهم إن تمت معاقبتهم؟ وفى هذا قصة شيقة قد تجعل المؤلفين يستعينون بخيالهم الخصب إذا لم يتم الكشف عن تفاصيلها.
ثالثة القصص المحيرة التى أربكت كل المتابعين للانتخابات منذ جولتها الأولى هى أصوات المجندين التى كثر الحديث عنها، ففى حين تجاهلها الإخوان تمامًا فى الجولة الأولى روج لها حزبهم كثيرًا فى جولة الإعادة، حتى أن بعض المنتمين للإخوان قالوا إنهم ضبطوا تسع حالات لمجندين وضباط متوفين فى كشوف الانتخابات، ليس هذا فقط بل قالوا إن هذه الأسماء صوتت بالفعل فى إحدى لجان محافظة الفيوم، فمن ذا الذى أضاف هذه الأسماء إلى الكشوف؟ وكيف عرف أن هذه الأسماء بعينها ليس لها حق التصويت أصلاً خلاف أنها أسماء لمتوفين فقام بالتصويت بدلاً منهم؟ وقبل أن يبحث أحد عن تلك الملابسات ويحاول أن يكشفها عليه أن يكشف كيف زادت أعداد المصريين الذين يحق لهم الانتخاب من 45 مليونًا فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011 لتصبح 46.5 مليون فى انتخابات مجلس الشعب فى أواخر العام، ثم تقفز لتصبح 51 مليونًا، بما يعنى أن عدد الذين يحق لهم الانتخاب زاد فى الكشوف بما يقرب من ستة ملايين صوت، فى حين أن مواليد عام 1993 الذين لم يكن من حقهم الانتخاب فى 2011 وأصبح لهم حق الانتخاب فى 2012 لا يتجاوز عددهم ثلاثة أرباع المليون، فمن أين أتى الملايين الخمسة وربع المليون المضافون للكشوفات؟
مفارقات عديدة وطرق مبتكرة لتزوير الانتخابات لم تدر بخيال مؤلف ولم يتطرف إليها المبدعون فى تصوراتهم، وأعتقد أنها ستكون مادة خصبة لكل من يريد تأريخ هذه المرحلة أو كل من يريد أن يكتب مسلسلاً أو فيلمًا أو رواية تتناول وضعنا الانتخابى.
عدد الردود 0
بواسطة:
زهقت منك
لخص الكلام ده من خيالك المزور