على مدار ثلاثة عقود ، ظلت قوانين النظام السابق لا تحمى سوى مصالحه ، ينسجها ترزيته بحرفية لتقنين كل ما يخدم وجوده، فكانت العقوبات فى القوانين الخاصة بتجاوزات العملية الانتخابية ركن أساسى فى مسلسل النزاهة التى كان يحاول تصويرها، بينما فى الحقيقة لم تكن سوى أداة لعبور انتهاكاته بشكل شرعى عبر إجراءات عقيمة تجعل التحقيق فيها لا يمس المرشح الذى غالبا ما يتبرأ من الشخص المتجاوز فى أعضاء حملته، أو ينتهى به الحال أمام غرامة زهيدة.
حال لم يتغير بعد الثورة حيث يستمر الحكم بنفس قوانين النظام السابق تحت حكم المجلس العسكرى ، فكافة الانتهاكات و البلاغات حول تجاوزات العملية الانتخابية و التى تم رصدها فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية و حتى فى الجولة الثانية و التى لا تزال مستمرة، فمصيرها ان تظل مجرد حبر على ورق التحقيقات أمام النيابة، و لنا فيما حدث مع البلاغات المقدمة فى انتخابات مجلس الشعب المنحل أسوة حسنة، فالمفارقة ان قرار حله لم يأتى بسبب التجاوزات التى وقعت فيه وانما بسبب قانون انتخابات مجلس الشعب نفسه ، ليتكرر مشهد " طبق الاصل " لاجواء الانتخابات التى كان يحمي تجاوزاتها النظام السابق .
تعد المخالفات الجنائية الخاصة بالعملية الانتخابية فى قانون العقوبات و المادة 20 من قانون الانتخابات الرئاسية رقم 174 لسنة 2005 والخاصة بحظر الدعاية الانتخابية فى فترة الصمت و المعدلة بالمرسوم رقم 12 لسنة 2012 ، هما السند القانونى الاساسى الذى يعتمد وفقهما عقوبة تجاوزات اى عملية انتخابية ، والتى وصفهما حافظ أبو سعده -رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والمنسق العام للتحالف ، بانها قوانين " ملهاش لازمة "، مبررا ذلك بانها تعتمد على شخص اللجنة العليا للانتخابات التى تبقى فى يدها حق رفع البلاغات الى النيابة من عدمه .
يقول ابو سعدة " لا تملك اللجنة العليا للانتخابات اى صلاحيات لمحاسبة المتجاوزين فى العملية الانتخابية، وهو دور ارتضت به عن عمد، حتى لا يكون امامها الا رفع الشكاوى او البلاغات التى تقدمت اليها الى النيابة وذلك حسب مزاجها ، ولان التحقيق فى كافة الوقائع قبل اعلان النتائج أمر صعب نظرا لضيق الوقت ، وبالتالى فهى لا تمنع من التجاوزات بل بالعكس تشجع على استخدام كافة الاساليب فى المنافسة حتى ولو كانت غير شريفة .
ابو سعدة أوضح أن استمرار أحمد شفيق فى الجولة الثانية هو صورة لخرق القانون دون محاسبة، قائلا " المؤتمر الانتخابى الذى اقامه احمد شفيق فى اول ايام الجولة الاولى من العملية الانتخابية كانت كفيلة باستبعاده اذا وقع فيها تحقيق جاد ، لكن اللجنة لن تفعل شئ تجاهه لانها اذا كانت تريد ضبط العملية الانتخابية فكان أمامها العديد من الانتهاكات بدءا من المخالفات الصريحة التى وقعت فى تجاوز الحد الاقصى لتمويل الحملات الانتخابية من قبل المرشحين مرورا ببلاغات التجاوزات فى الجولة الاولى واخيرا الجولة الثانية " ، مختتما حديثه قائلا " ما لم يكن لنا القدرة على تطبيق القانون أو نلزم الناس على احترامه فمن الاكرم لنا الا نضعه ثم نخالفه " .
تعتمد أغلب البلاغات التى تقدمت من قبل حملات المرشحين ضد الاخر على خرق الصمت الانتخابى من خلال اجراء الدعاية امام اللجان الى جانب ضبط دفاتر مسودة وبطاقات دوارة ،
كما تقدمت حملة مرسى ببلاغ ضد المطابع الاميرية لطبع بطاقات مؤشر عليها لاحد المرشحين دون فحصها ، كما تقدمت غرفة عمليات المجلس القومى لحقوق الانسان ب66 بلاغ الى اللجنة العليا للانتخابات منها 17 شكوى وصفتها بالعاجلة بسبب توجيه الناخبين واستمرار الدعاية ومنع الناخبين او المراقبين من دخول المقار واخيرا تأخر فتح بعض اللجان .
بلاغات جميعها تواجه نفس مصير التغافل والذى اتبع مع بلاغ خرق الصمت ضد احمد شفيق فى الجولة الاولى ، أو بلاغات عدم ختم الاستمارات والتلاعب فى اسماء الناخبين ، فضلا عن البلاغات التى تقدمت بها حملة حمدين صباحى بسبب وجود بطاقات انتخابية فى الطريق ، أو حتى البلاغ المقدم من الدكتور محمد سليم العوا، ضد تشويه حملته الانتخابية .
الجدير بالذكر أنه وبالرغم من الاهتمام الكبير بمراقبة الانتخابات من قبل الحقوقيين والمجتمع المدنى الا ان القانون لا ينظر الى تقاريرها سوى على انها مجرد " شكاوى " تعتمد على تقدير اللجنة العليا للانتخابات كما يقول محمد عبدالله ، عضو الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية ، الذى أكد أن القانون يمنع المراقب أن يتدخل حتى لو رصد اى تجاوز تحت مبرر عدم تعطيل سير العملية الانتخابية ،لذا فإن اللجنة العليا للانتخابات تملك وحدها قرار النظر الي تقارير رصد هذه المخالفات او استبعادها حيث ان الأمر الوحيد المفروض على اللجنة تحويله الى النيابة هو البلاغات .
ولا تقتصر الانتهاكات على تجاوز الحملات الدعائية للمرشحين صور الدعاية المحظورة والتى حددها القانون فى انها كل الأنشطة التي يقوم بها المرشح ومؤيدوه، وتستهدف إقناع الناخبين باختياره، وذلك عن طريق الاجتماعات المحدودة والعامة والحوارات ونشر وتوزيع مواد الدعاية الانتخابية ووضع الملصقات واللافتات واستخدام وسائل الإعلام المسموع ، والمرئية والمطبوعة والإلكترونية ، بل تتجاوز ايضا الى المخالفات التى يقوم بها القائمون على اللجان الانتخابية نفسها كما اشار محمد محيى ، عضو تحالف حرة نزيهة لمراقبة الانتخابات ، قائلا " لا تنظر اللجنة فى البيانات التى تقدمها الجهات الحقوقية المراقبة للانتخابات بل تتعامل معنا طوال الوقت بدور المدافع وكأنها المتهمة، فعلى سبيل المثال اخبرنا المستشار حاتم بجاتو باغلاق القضاة اللجان قبل الموعد المحدد بساعة ونصف ووجدنا الرد يبرر ذلك بان القضاه لم يكونوا على علم بمد فترة التصويت ، لكننا سنواصل تقديم البلاغات رغم اننا نعلم انها لن تؤثر فى شئ " .
الامر الذى يفسره دكتور احمد رفعت ، استاذ القانون الدولى ، قائلا " الجريمة فى القانون المصرى شخصية ويجب ان يكون عليها دليل ولا يوجد فى قانون الانتخابات اليات لاثبات الانتهاكات ، وبالتالى تعتمد اللجنة على الانتهاكات التى تصل اليها ، وهنا إما ان يقرها القاضى او الشرطة الموجودة فى اللجنة الانتخابية او يقدم صاحب البلاغ نفسه الدليل القانونى على التجاوز الذى يرصده " .
واضاف " عملية اثبات الانتهاكات فى العملية الانتخابية غير منطقية فحتى لو اثبتتها النيابة العامة فهى تحولها الى المحكمة والتى لا يقف الامر عند قرارها وانما يبقى الطعن والاستئناف على القرار وبالتالى يأخذ فترة طويلة تعقب الانتخابات واعلان النتيجة وتنتهى فى النهاية الى مجرد غرامة او حبس الشخص الذى يثبت عليه الجريمة والذى غالبا ما يتبرأ منه المرشح وبالتالى لا يمس نتيجة المرشح اذا كان هو الفائز ، حتى لو كانت غرامة عليه فهى تقع ضمن الجنح التى لا يحظرها قانون الانتخابات الرئاسية " .
حتى جرائم التزوير والتى تعتبر الوحيدة التى يتم فيها الفصل بشكل عاجل كما يقول عصام الاسلامبولى ، المحامى ، فهى لا تمس المرشحين وانما الشخص نفسه الذى يثبت عليه التهمة او من يحرضه وتنتهى الواقعة فى النهاية اذا تم اثباتها باستبعاد الصندوق ، وهو الامر الذى عقب عليه قائلا " هو مجرد امتصاص غضب وليس من اجل ضبط العملية الانتخابية التى اذا كنا نريد خروجها بشكل نزيه فكان المفترض ان نقوم بتعديل قوانينها وانشاء هيئة مستقلة منشأة خصيصا للاشراف على اى انتخابات يتم اجراءها ويكون لها فروع واليات ادارية وتنفيذية محكمة وقابلة للطعن".
التحقيق فى مخالفات مرشحى الرئاسة حبر على ورق .. الجولة الاولى شهدت خرقا للصمت الانتخابى و بلاغات ضد كشوف اسماء المتوفين .. الجولة الثانية استمرار نفس التجاوزات..أبو سعدة : قوانين "مبارك" غير رادعه
الأحد، 17 يونيو 2012 09:21 م
كشوف الانتخابات
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة