ربما عدم وجود قائد أو رمز تلتف حوله الجماهير؛ كان أحد أبرز ملامح ثورة الخامس والعشرين من يناير. تلك الثورة التى اندلعت بتلقائية شديدة دون استناد إلى إعداد أو تخطيط مُسبق يضمن استمرارها على النحو الذى يحقق كامل الأهداف الحقيقية المشروعة التى قامت من أجلها.
ولعل هذا الملمح قد ظهر أثره بوضوح عقب رحيل مبارك مباشرةً؛ حيث رأينا كيف أدت الخلافات والصراعات إلى تقسيمنا فرقاً وجماعات فى صورة أحزاب وحركات سياسية متناحرة فيما بينها. يريد بعضها تحقيق مصالح وتصفية حسابات، والبعض الآخر يطمح فى اعتلاء الكرسى وتوزيع المناصب، وتأرجح الباقون بين أولئك وهؤلاء.
أما المواطن البسيط بعد أن أنهكته ظروفه الاقتصادية الطاحنة، وروّعتهُ ويلات الانفلات الأمنى المفتعل؛ وقف يراقب ما يجرى بصمت، لكنه الصمت الحذر الغير مأمون إطلاقاً. فهو لا يجيد ألاعيب السياسة القذرة وما يحبوها من صفقات وتربيطات، وقفز على المبادئ والقيم تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة، أو كما يقولون "اللى تغلبًوا...!"
ودون الخوض فى تفاصيل أو سرد لما جرى خلال الفترة الانتقالية من خطايا وإخفاقات، وبروز لعلامات استفهام كثيرة من حين لآخر؛ فهذا ليس هاماً الآن بعد أن وصلنا إلى مسألة اختيار رئيس للجمهورية بإرادة حرة خالصة دون وصاية للمرة الأولى منذ عقود كثيرة.
وجرت الانتخابات الرئاسية للأسف بحضور قوى لبقايا النظام السابق نتيجة لظروف معينة لست بصدد الإشارة إليها الآن. ومرت الجولة الأولى بعد أن حدث بها ما حدث من أخطاء وتجاوزات لتفرز لنا - بلا أدنى منطقية - خصمى الماضى التقليديين ليخوضا معاً جولة الحسم القادمة. وكأن الثورة قامت لتضع النظام السابق من جديد فى مواجهة الإخوان المسلمين للصراع من أجل البقاء والوصول إلى السلطة لبسط النفوذ باسم الثورة.
وبالرغم من ذلك؛ أرى أنه لا طائل من إقحام أنفسنا فى جدال مفرغ حول صحة فروض نظرية وضع الحزب الوطنى المنحل فى سلة واحدة مع جماعة الإخوان المسلمين. إذ أن الأمر أكبر من هذا بكثير، خاصة ونحن نتحدث عن مستقبل دولة بحجم وثقل وتاريخ مصر، والتى قامت بثورة أدهشت العالم بسلميتها وتحضرها الفريد.
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن بعد أن عرفنا بشكل قاطع طرفى المباراة النهائية؛ هل أتت النتائج بمن يحظى بالشرعية الثورية وتأييد الميدان، أم جاءت بمحترفى اللعبة الانتخابية القادرين على حشد الأصوات بشتى الوسائل؟ وما أكثرها عندهم، وكل منهم على طريقته الخاصة!
الحقيقة الثابتة أمامنا الآن رغم مرارتها؛ لا تتيح لنا إلا أن نقبل بما أعلنه رئيس اللجنة العليا للانتخابات من نتائج، وثنائه الجم على سلامة العملية الانتخابية، ونسلم بما ساقه من مبررات بشأن الطعون المقدمة من بعض المرشحين.
وفى هذا السياق تبرز لنا قضية بالغة الخطورة، تتعلق بنزاهة أى عملية انتخابية؛ والتى تكمن فى طيّات هذا السؤال: هل تبدأ نزاهة الانتخابات من صناديق الاقتراع مروراً بعمليات الفرز وحتى إعلان النتيجة؛ أم يُفترض أن تبدأ قبل ذلك بالتزامن مع تجول حملات المرشحين للدعاية واستجداء تعاطف أفراد الشعب؟
أعتقد أن كلا المعسكرين قد راهن بشكل رئيسى على عاملى الجهل والفقر المنتشرين فى ربوع مصر على نطاق واسع، هذا بالإضافة إلى اللعب باحترافية على أوتار عاطفة المصريين من البسطاء والمحتاجين؛ لنيل ولاء وتأييد أكبر كم منهم بهدف خدمة مشاريعهم وطموحاتهم السياسية. والحقيقة أنهما قد نجحا فى الاستفادة القصوى من تلك العوامل بالاستخدام المفرط للمال السياسى والرشوة الانتخابية.
وهذه النتيجة بغض النظر عما ستسفر عنه جولة الإعادة؛ تؤكد حقيقة استمرار انحدار مسار الثورة فى اتجاه العودة بنا إلى ما قبل الخامس والعشرين من يناير. وربما يقع الجميع ثانية ما بين مطرقة الاستقطاب الدينى وسندان التسلط العسكرى. ولكن هذه المرة بثوب جديد تحت عنوان افتراضى رائع يسمى الديمقراطية.
محمود وربى يكتب: انتخابات الرئاسة واللعب على أوتار عاطفة المصريين
الخميس، 14 يونيو 2012 08:46 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
اجمد محمود المالح
السياسة والعاطفة