أعتقد أن مصر لن تدخل فى طور الاستقرار السياسى والاقتصادى، بعد أن يتولى رئيس منتخب حكم البلاد، فمعظم الثورات التى شهدتها البشرية لم يتبعها استقرار مباشر، إلا بعد فترة من الزمن، وها هى الشقيقة تونس التى سبقتنا فى ثورتها على الفساد والاستبداد لم تصل بعد لمرحلة الاستقرار حتى بعد أن أتمت عملية بناء المؤسسات الدستورية، إذن مرحلة ما بعد الرئيس تمثل نقطة فاصلة فى مسار عملية التحول الديمقراطى.
هناك عدة أسباب تدفع للقطع بأن استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية فى مصر لن يتحقق بعد تولى الرئيس القادم، أهمها هى علاقة الرئيس القادم بالمؤسسة العسكرية، فى حالة إن كان الرئيس لا ينتمى لها، ويقصد هنا الدكتور محمد مرسى، وما هو طبيعة الدور الذى ستلعبه المؤسسة العسكرية على المسرح السياسى فى الفترة القادمة، وهل ستساند عملية التحول الديمقراطى بشكل كامل، أم ستتخلى عن ذلك.
المهم أن تلك المؤسسة تغولت على المجتمع على مدار ستين عاماً، وتغلغلت فى الجهاز الإدارى والبيروقراطى للدولة، حتى سيطرت عليه، ولديها مصالح كبيرة ستسعى بالفعل للحفاظ عليها، وخروجها من إطار السياسة العامة، بعد طول هيمنة على مفاصل الدولة، أمر ليس بالهين على الإطلاق.
لذلك فالقول الفصل هنا سيكون للدستور، ووضع المؤسسة العسكرية فى الدستور القادم، فإن كنا نسعى لأقامة دولة ديمقراطية حديثة فلابد أن تتحول المؤسسة العسكرية من حامى وضامن للشرعية الدستورية التى كانت تتمثل فى شخص رئيس الدولة إلى مؤسسة وكيان محايد ومستقل وظيفته الوحيدة هى حماية أمن البلاد، أما الشرعية فلها شعب يحميها، وهذه من أكبر الإشكاليات التى ستواجه الرئيس القادم الذى بالتأكيد لن يسعى للصدام مع الجيش من اللحظة الأولى.
الأمر الثانى هو أن يأتى رئيس يخالف الأغلبية البرلمانية، وهذه المعضلة ستواجه الفريق أحمد شفيق فى حالة فوزه بالرئاسة، ولن تكون مشكلة بطبيعة الحال للدكتور محمد مرسى الذى ينتمى للأغلبية البرلمانية، ففى حالة فوز شفيق سنجد صراعاً بين الرئيس والبرلمان، خصوصاً مع عدم وجود دستور يحدد صلاحيات واختصاصات رئيس الجمهورية، وعدم قدرته على حل البرلمان، مما سيؤدى إلى مزيد من التجاذبات والمزايدات والمهاترات فى دائرة السلطة كالتى حدثت بين البرلمان والمجلس العسكرى بسبب حكومة الدكتور كمال الجنزورى، والتى بدورها ستنعكس على الشارع المصرى وعلى الحالة السياسية والاقتصادية للبلاد.
الأمر الثالث أن الرئيس القادم سيكون فى مواجهة حركات سياسية وقوى ثورية لديها نوعاً من الطفولة السياسية، ولم تصل بعد إلى مرحلة النضج، وهى قوى متشرذمة ومتشعبة ومتعددة الأهداف، وقد اعتادت الاحتجاجات والاعتصامات، وأصبح الخروج للشارع لديها نوعاً من الترفيه، واستعادة نشوة الأيام الأولى للثورة، حسبما قال لى أحد خبراء الطب النفسى، بالطبع نؤيد حق التظاهر والاحتجاج السلمى، ولكن القائم على دعائم واقعية ومنطقية تجعل منه أمراً مقبولاً ومؤيداً من الشارع، وليس قاصراً على تحقيق أهداف ضيقة لفصيل بعينه.
وتكمن الإشكالية هنا فى أن هذه القوى والحركات الثورية يصعب التفاوض والتحاور معها؛ لأنه ليس لديها قيادة سياسية موحدة وواضحة المعالم، وليس لديها تصور سياسى واستراتيجى واضح ومحدد، يمكنك من التفاوض معها، والوصول إلى أرضية مشتركة للحوار.
الأمر الرابع أن الرئيس القادم سيواجه مجتمعاً تتفشى فيه كل الأمراض التى تعوق مسيرة النهوض والتقدم فى أى دولة، وتعصف به الأزمات الاقتصادية والاجتماعية من كل جانب فنصفه تحت خط الفقر، وعدد العاطلين فيه ما يقرب من 12 مليون، وبه 20 مليون مواطن يسكنون العشوائيات، ومشكلات المواطنين ومطالبهم لا تعد ولا تحصى، مظاهرة هنا وإضراب هناك واعتصام هنالك، والشعب المصرى سلبت حقوقه طويلاً طويلاً وما عاد يتحمل، ولا يستطيع أحد أن يوجه له اللوم؛ لأنه يطالب بحقوقه المشروعة، لذلك فرئيسنا القادم أمام مجتمع محروم ومتعطش للتنمية، ومتعطش لأن يحيا حياة كريمة وآدمية، فإذا لم يستطع هذا الرئيس أن يلبى مطالبه ويشبع رغباته فستغرق البلاد كل عشية وضحاها فى الإضرابات والاعتصامات.
أخيراً حل مشكلات وأزمات مصر لن يكون إلا بالتوافق والحوار، وتغليب المصلحة الوطنية المصرية على التناحرات السياسية والحزبية، واعتماد مبدأ المشاركة كأساس للحكم، وفيما عدا ذلك فلن تستقر مصر فى مرحلة ما بعد الرئيس.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد
مرحلة ما بعد الرئيس ...
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو يحيي المصري خطاب
تحليل رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق ناصف
مقال رائع وتحليل اروع من خيرة شباب الوفد
مقال رائع وتحليل اروع من خيرة شباب الوفد