صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية، العدد السابع من سلسلة "مراصد"، والتى تضم دراسة بعنوان "عيد الحب فى مصر، قراءة فى الجدل الدينى والثقافى: مجنون ليلى وعيد الحب.. أخلاقيات الحب والجنون فى مصر"، للباحث صامولى شيلكه Samuli Schielke، وترجمة عومرية سلطانى.
تتناول الدراسة الحب الرومانسى باعتباره صنفًا من الأخلاق، المهم جدًّا، والحاضر بقوة، والذى يتواجد مع أنماط أخرى، مثل التدين والاحترام وصلة القرابة، فى حالة من التوتر والتضارب فى كثير من الأحيان.
وتتطرق الدراسة إلى عيد الحب والمصريين من خلال عدد من المحاور، منها: جذور عيد الحب، وعيد الحب فى القاهرة، ومؤيدو ومعارضو الاحتفال بعيد الحب، وسياق الحب فى مصر: سنوات العشرينيات والخمسينيات، وسياق الحب الحالى، والقاهرة الكوزموبوليتانية وعيد الحب، والحب والتحديث.
وتشير الدراسة إلى أن عيد الحب يتمتع منذ نهاية التسعينيات تقريبًا، بشعبية واسعة فى مصر، لدرجة أن تبادل الهدايا فى الرابع عشر من فبراير، وهو تاريخ الاحتفال، يفرض نفسه لدى عدد كبير من المحبين، ويقول الباحث إنه فى الظروف الحالية، وبينما تواصل الثورة تطورها، سيكون من الصعب التنبؤ بمستقبل مثل هذا العيد فى مصر، إذ لا تزال الظواهر التى ترتبط بانتشاره الواسع فى البلاد خلال العقدين الأخيرين راهنة، ولا تزال مسائل الحب، والزواج، وتنظيم عملية الاختلاط بين الجنسين تحتفظ بأهميتها.
وتضيف الدراسة أن الثورة سمحت بالتعبير عن أشكال مختلفة من التطلعات، لكن لا يزال ينبغى، مع ذلك، البحث عن حلول لأزمة العاطفة والإحباط التى يعبر عنها الشباب غير المتزوجين.
ويقول الباحث إن انتشار عيد الحب يعكس بامتياز غموض المرحلة الراهنة؛ من حيث إنه يبلور التوترات بين المرجعية الدينية وبين مرجعية التحضر كما بين المفاهيم المتنافسة حول الأصالة والمعاصرة. فنجاح عيد الحب التجارى والإعلامى يسمح بانتشار الصور الرومانسية لدى سكان المناطق الحضرية، وخارجها لدى المصريين جميعهم.
ويبين أن نماذج الحب التى تحظى بدعاية غير مسبوقة تسلم بأن التعبير الصريح عن الشعور هو شرط صدقيته، وتعيد التأكيد على حق الاختيار الفردى الذى يكمن وراء العلاقة بين الطرفين. وإذا كان شعور الحب، فى مظاهره النفسية والبيولوجية، ليس جديدًا بالفعل، فإن عيد الحب يظهر التحولات التى تطال إطار التعبير عنه.
ويوضح الباحث أن عيد الحب يواكب مخيالاً للحميمية العاطفية والحب والحنان مرتبطة بأمكنة وأفعال نمطية مثل التجوال، أو الذهاب إلى المطاعم، أو إهداء زهرة أو أيضًا زجاجة عطر، إنها علامات كثيرة تدل على حب يوصف بأنه "رومانسى". ويبدو انتشار هذه المفاهيم فى مصر مرتبطًا بإنشاء وتعزيز فضاء إعلامى عالمى، خاصة عبر السينما والفضائيات والإنترنت، إضافة إلى انتشار سلع الاستهلاك الجماهيرى ذات الطابع الرومانسى. ويبين أن التوافر الدائم لملحقات الزينة الصينية الصنع - وبأثمان زهيدة بالفعل وبقدر كبير- قد ساهم فى تجذر عيد الحب فى القاهرة، حيث تفجرت الظاهرة فى كل الأحياء، الغنية منها والفقيرة.
ويوضح الباحث أن هناك ثلاثة مستويات أساسية حاسمة يتم تعبئتها ضد عيد الحب: المستوى الدينى، والقومى، ومستوى مناهضة النزعة الاستهلاكية. هذه المستويات ليست منفصلة عن بعضها فى الواقع، لكنها تتعاضد فى جزء كبير منها.
ويقول الباحث إن انتشار عيد الحب تزامن مع استقطاب اجتماعى متنامٍ؛ حيث فقدت الطبقات الوسطى مكانتها إلى حد كبير كقائد مميز للمشروع التحديثى الذى يقوم على إصلاح الأمة، لصالح طبقات ميسورة أكثر استعجالاً للمطالبة بشكل ما من الكونية، عيد الحب الذى يتم تقديمه صراحة كحدث عالمى، يجعل من المفيد هنا النظر فى نتائج هذه التحولات.
ويوضح أن مرجعية التحضر تميل إلى التباهى أكثر فأكثر مع رأس المال الكوزموبوليتانى. فشعبية المراكز التجارية وظهور فضاءات المقاهى المختلطة عبر أحياء المدينة، تساهم فى هذه الهيمنة الجديدة، ويلعب التسويق هنا دورًا مركزيًّا، لأنه منوط بتحفيز والتنبؤ بمطالب واحتياجات السكان، وقد استفاد عيد الحب من هذه الوضعية، ليكتسب موضع قدم فى مصر، وليفعل ذلك خارج أوساط الأثرياء فى المجتمع بأسره.
وتتطرق الدراسة إلى أهمية النظر فى العلاقة المتبادلة بين الحب، والتعليم، والتعبير عن الذات فى سياق الإصلاحية التحديثية السارية فى مصر.
وتبين الدراسة أن الخطاب الليبرالى يظهر الحب كما النجاح اليوم فى مصطلحات تنتمى إلى مخيال علامته الدالة على مرجعية مدنية موسومة بالتأكيد على الكوزموبوليتانية، وفى الوقت نفسه الإصرار على البقاء مصريًّا رغم كل شىء. يفترض بهذا أن مستقبل الأمة يحمله متعهدون شباب مزودون برأس مال كوزموبوليتانى، إن عيد الحب يقدم الفرصة لنسبة كبيرة من السكان، للتعبير عن مشاعرهم، وهم فى الوقت نفسه يعبرون عن نفس التطلعات التى يحملها هؤلاء السكان جميعًا.
يذكر أن "مراصد" هى سلسلة كراسات علمية محكمة تعنى برصد أهم الظواهر الاجتماعية الجديدة، لا سيما فى الاجتماع الدينى العربى والإسلامى. تصدر "مراصد" عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة