قد تتفق أسباب ودوافع قيام الثورات فى العالم وقد تتشابه نتائجها أيضا حلوها ومرها، ولاسيما أن الفساد وإخفاق الحاكم فى تحقيق العدل بين محكوميه عاملان أساسيان فى التخطيط لأى انتفاضة شعبية قد تفضى إلى ثورة، هذا ما حاول أن يبرزه المفكر السودانى الراحل محمود محمد طه فى رسالة بعثها إلى أول رئيس لمصر بعد ثورة يوليو 1952 اللواء محمد نجيب فى أغسطس من عام 1952، والتى شخص فيها طه الحالة المصرية تشخيصا دقيقا وقتها، حيث بدت الرسالة وكأنها تحمل تشخيصا للحالة المصرية الراهنة بعد ثورة يناير 2011.
عرض موقع "أفريقيا اليوم" تلك الرسالة التى حصل عليها مؤخرا ودعا فيها السودانى الراحل محمود طه اللواء نجيب لتحقيق عدة مطالب حتى تستقيم الأمور فى مصر ما بعد الثورة.. واليكم نص الرسالة.
الأخ الكريم اللواء محمد نجيب
تحية مباركة..
أما بعد فإن مسألة خلع الملك عن العرش، بالطريقة التى تمت بها، توفيق كبير.. ولكن ينبغى ألا تحمل أكثر مما تحمل من دلائل النجاح، وإنما يجب أن ينظر إليها على أنها مسألة لها ما بعدها.. وسيكون الحكم لها، أو عليها، على ضوء ما يحصل عليه العهد الجديد من نجاح، أو من إخفاق.. وإنه لحق أن العهد القديم قد بلغ من الفساد حدا يكاد يجعل أى عهد يأتى بعده، مهما كان حظه من الإصلاح ضئيلا، عهدا مقبولا.. ولكنه حق أيضا أن الملك السابق، رغم فساد حكمه، قد كان عامل استقرار ضد الفوضى.. وسيكون هذا الانقلاب شرا على مصر إن استجر بها إلى عدم الاستقرار.. والحزم يقضى بألا تستبعد هذا الاحتمال، بدافع من التفاؤل، وحسن الظن.. ذلك بأن هذا الانقلاب ثورة.. وفى كل ثورة قدر من التفريط، والإفراط، يتداعى بأمور الناس إلى الفوضى، فى يسر، وسرعة، وهم لا يشعرون.. ولا يدرأ عن مصر سوء المنقلب إلا أمران: الحزم، والفهم.. أما الحزم فيقضى بأن تتولى كل أمور مصر بنفسك وأن تكون، فى غير مواربة، ولا رياء، المسئول الأول والأخير، أمام الشعب المصرى، وأمام العالم أجمع، عن استقرار العهد الجديد فى البلاد.. وأن تستخدم، من الساسة من شئت، ومن الخبراء، والفنيين، المصريين والأجانب، من استطعت.. على أن يكونوا مستشارين، وأعوانا، ومنفذين، مسئولين أمامك أنت، وتحاسب أنت على سيئات أعمالهم، أكثر مما يحاسبون.. ولا تخافن اسم ((الدكتاتور))، إن كنت تقدر على أن تكون ((دكتاتورا)) مصلحا.. فإن عيب ((الدكتاتورية)) ليس فى ذاتها، وإنما هو فى أعمالها.. فإن أحسنت، فهى خير وسائل حكم عهود الانقلاب.. وهى خير وسائل الحكومات لدى الشعوب المتأخرة، على كل حال.
وأما الفهم فيقتضى بأن تكون لك رسالة تبلغها الشعب، وتأخذه بها، وتجعل كل مرافق الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، وسيلة إلى بلوغها.. واعلم أن الشعب لا ينصلح بمجرد توفير الرخاء المادى، ذلك بأن الإنسان لا يعيش بالرغيف وحده، كما يظن الشيوعيون.. وإنما يعيش بالرغيف وشىء وراءه، أهم منه، هو القيم الروحية التى تطهر القلب، وتصفى الذهن، وتسمو بالأخلاق.. وأنت رجل مسلم، من شعب مسلم، قد ضل الطريق إلى المناهل التى ارتوى منها أوائله، فعب من الكدر الآسن ما قعد به عن رحاب الحياة السعيدة.. فهل فكرت فى رد القطيع الضال إلى المهيع الأفيح من شريعة القرآن، وأخلاق القرآن؟؟ هل فكرت أن تقوم بانقلاب فى مناهج التعليم، ومرافق الصحة، ووسائل التغذية، وأساليب السكن، على هدى الدستور الأزلى، القرآن؟؟.. والفساد فى مصر ليس سببه الملك، وليس سببه الساسة، والأعوان، الذين تعاونوا مع الملك.. بل إن الملك وأعوانه، هم أنفسهم، ضحايا لا يملكون أن يمتنعوا عن الفساد، أو أن يدفعوه عنهم.. فإن أردت أن تلتمس أسباب الفساد، فالتمسها فى هذه الحياة المصرية، فى جميع طبقاتها، وجميع أقاليمها، تلك الحياة التى أقامت أخلاقها، إما على قشور الإسلام، أو على قشور المدنية الغربية، أو على مزاج منهما.. وأنت لن تصلح مصر، أو تدفع عنها الفساد، إلا إذا رددتها إلى أصول الأخلاق، حيث يكون ضمير كل رجل عليه رقيبا.
"انتهت الرسالة"
يذكر أن محمود محمد طه مفكر سودانى عاش فى الفترة من (1909-1985)، وألف العديد من الكتب وقدم الكثير من المحاضرات والندوات وقام بالكثير من الأنشطة الأخرى فى سبيل التربية والتوعية ونشر الفكرة الجمهورية، وعُرف بين أتباعه ومحبيه وأصدقائه بلقب (الأستاذ) الذى يسبق اسمه دائما عند الحديث عنه.
فى يوم السادس والعشرين من أكتوبر 1945 أنشأ الأستاذ محمود ومجموعة من رفاقه حزبًا سياسيًا أسموه (الحزب الجمهورى)، إشارة لمطالبتهم بقيام جمهورية سودانية مستقلة عن دولتى الحكم الثنائى، وانتخب طه رئيساً للحزب الجمهورى فى أكتوبر عام 1945 وهو نفس الشهر الذى نشأ فيه الحزب. وكان الحزب الجمهورى حزباً سياسياً قد كتب الأستاذ محمود بيانه الأول، وأول من دعا للنظام الجمهورى فى السودان، بينما كان حزب الأمة يدعو إلى مملكة تحت التاج البريطانى والحزب الاتحادى يدعو إلى مملكة متحدة مع مصر.
رسالة من مفكر سودانى عمرها 60 عاما تصف حال مصر بعد ثورة 25 يناير
الأربعاء، 13 يونيو 2012 03:50 م
جانب من ثورة 25 يناير
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدا لرحمن
وهذا ما يطالب به الاخوان من تطبيق الشريعة الاسلامية
عدد الردود 0
بواسطة:
حازم
رسالة مهمة جدا