صدر مؤخرًا عن المركز القومى للترجمة، النسخة العربية لكتاب "العقل واللغة والمجتمع"، من تأليف "جون سيرل"، ومن ترجمة وتقديم الدكتور صلاح إسماعيل.
ويتضمن الكتاب تحليلا فلسفيا لطبيعة العقل واللغة والمجتمع، وفيه أيضاً دفاع عن العقلانية وعن رؤية ميتافيزيقية معينة، وأيضًا الهجوم على التفكيكية والنسبية وما بعد الحداثة، وقال عنه النقاد إنه حدث عظيم يؤكد مكانة سيرل كواحد من الفلاسفة العظماء فى عصرنا.
ويطرح الكاتب العديد من التساؤلات مثل "كيف يمكن أن نملك تقريرًا موحدًا ومقنعًا من الناحية النظرية عن أنفسنا وعلاقاتنا بالناس الآخرين والعالم الطبيعى؟، وكيف يمكن أن نقبل تصورنا القائم عن أنفسنا بوصفنا فاعلين وأصحاب وعى، وحرية، وعقول".
أهم ما تميزت به فلسفة سيرل بالرغم من كونه فيلسوفًا تحليليًا، هو أنه حاول أن يجمع المجالات الفلسفية مثل فلسفة اللغة وفلسفة العقل وفلسفة المجتمع فى رؤية شاملة، وهو ما يسعى إلى تقديمه، أيضًا يحاول أن يفسر ولو بصورة موجزة بعض آرائه فى العقل واللغة والمجتمع، ويوضح كيف ترتبط ببعضها، وكيف تنسجم مع تصور معاصر شامل للكون.
الكتاب يحتوى على 217 صفحة من القطع الكبير، ومن خلال ستة فصول تتناول (الواقع والصدق "ميتافيزيقا أساسية"، ثم يوضح فى الفصل الثانى "كيف ننسجم مع الكون"، ثم الفصل الثالث بعنوان ماهية العقل وبنيته، ثم "كيف يعمل العقل"، "كيف يبدع العقل واقعًا موضوعيًا اجتماعيًا"، ثم "كيف تعمل اللغة"حيث يتحدث عن الأفعال المتضمنة فى الأقوال والأفعال عن طريق القول، ويستعرض أنماط منوعة من أفعال الكلام.
ويسعى الكتاب لتفسير الظواهر الأساسية التى تلفت نظر الإنسان، وكانت الظاهرة الأولى المدهشة هى وجود الوعى فى عالم مؤلف كلية من ذرات فيزيائية، والظاهرة الثانية هى قدرة العقل على توجيه ذاته نحو الأشياء وتمثيلها، وهى ظاهرة القصدية، والثالثة هى قدرة العقول أن تبدع واقعاً اجتماعياً موضوعياً، والرابعة هى وجود التواصل اللغوى الإنسانى.
ويدافع المؤلف عن وجهة نظرة الأنطولوجية التى يسميها "الواقعية الخارجية" وهى تقرر وجود العالم الواقعى، وخارجية لكى تكون متميزة من أنواع أخرى من الواقعية، مثل الواقعية المتعلقة بالموضوعات الرياضية أو الواقعية المتعلقة بالحقائق الأخلاقية، ويوضح أن هذه الواقعية الخارجية نظرية التناظر فى الصدق، وهذه النظرية تعد واحدة من أشهر نظريات الصدق وأكثرها قبولاً وأكثرها إثارة للجدل والخلاف أيضاً، لا ترتكز الواقعية الخارجية هنا على احترام الحقائق المتعلقة بكيفية وجود العالم فحسب، وإنما ترتكز أيضاً على النظر إلى هذه الواقعية ونظرية التناظر على أنها افتراضات مسبقة أساسية لأى فلسفة معقولة.
ويستعمل المؤلف أيضاً منهج برهان الخلف أو الرد إلى المحال، وهو برهان غير مباشر على إبطال قضية عن طريق بيان فساد والنتيجة اللازمة عنها، وهذا البرهان حجة قديمة شائعة الاستعمال فى تاريخ الفلسفة، ويعتبر هذا البرهان أيضاً ضد المذاهب والآراء الفلسفية التى تنتج بنتائج نعرف أنها خاطئة، ويستخدمه المؤلف ضد فلاسفة العقل الذين ينكرون وجود الوعى أو الاعتقادات أو المفاهيم الأساسية الأخرى فى عالم العقل.
وجون سيرل فيلسوف أمريكى معاصر، ولد فى العام 1932 بولاية كولريدو، أكمل دراسته بجامعة اكسفورد، والتقى هناك بثلاثة من أبرز فلاسفة أكسفورد وهم "جون أوستن"، و"جلبرت رايل"، و"بيتر ستراوسون"، حصل على البكارليوس والدكتوراه من جامعة أوكسفورد، وعاد "سيرل" إلى جامعة كاليفورنيا، ولا يزال يعمل بها حتى الآن، وحصل على عدد ضخم من درجات الدكتوراه الفخرية، والجوائز العلمية وعمل أستاذًا زائرًا فى معظم جامعات العالم، وترجمت أعماله إلى ما يزيد عن عشرين لغة.
والدكتور صلاح إسماعيل، أستاذ الفلسفة المعاصرة بكلية الآداب جامعة القاهرة، وتدور اهتماماته فى فلسفة اللغة والمنطق وفلسفة العقل، ومن أهم مؤلفاته: التحليل اللغوى عند مدرسة اكسفورد، فلسفة اللغة والمنطق: دراسة فى فلسفة كواين / نظرية المعرفة المعاصرة.
وترجم العديد من الكتب مثل المنطق: مقدمة موجزة، فتجنشتين: مقدمة موجزة، بالإضافة إلى كتب أخرى وبحوث مطولة فى مجالات علمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة