قال المفكر الإسلامى طارق رمضان، حفيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، إنه من الممكن فوز مرشح الجماعة محمد مرسى برئاسة مصر، لكن الانتصار الأكبر سيهرب منها على الأرجح، مشيرا إلى أن المجلس العسكرى استغل الجماعة فى الجولة الأولى من الانتخابات "كمخلب قط" من أجل أن يثبت بها شرعيتها.
وفى مقاله بموقع جولف نيوز الإخبارى، قال رمضان، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد والسويسرى من أصل مصرى إن هناك ما يدعو إلى الشك بل والقلق من التطورات الجارية فى مصر.
ويذكر بما قاله مرارا من قبل بأن الانتفاضة التى تسببت فى أحداث 25 يناير لم تكن عفوية مثلما بدت عليه حينها، وأن الجيش منذ ذلك الوقت أو على الأقل فصيل محدد داخل المجلس العسكرى لم يفقد أبدا السيطرة الكاملة على الموقف.
وجاء التأكيد على ذلك، مع الإدانة المذهلة للرئيس السابق حسنى مبارك وتبرئة كل المتهمين الآخرين، فيما عدا وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى. فالصورة الآن تبدو لتغيير تم تدبيره بحذر ليسمح لهيكل السلطة بتخليص نفسه من العناصر المحرجة مع ترسيخ هيمنته السياسية والعسكرية والاقتصادية.
ولايسعنى هنا، إلا أنه أذكر كلمات هنرى جواينو، مستشار الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى فى نقاش تليفزيونى فى نوفمبر الماضى، حيث قال لم يكن هناك ثورة فى مصر بل انقلاب عسكرى.
وتحدث رمضان عن مشاركة الإخوان المسلمين فى انتخابات الرئاسة بعد أن كانت قد أعلنت فى الأشهر الأولى بعد الثورة أنها لن تشارك فيها، وقال إن الجماعة بدلا من دورها التاريخى فى معارضة هيكل السلطة، وجدت نفسها فجأة محاصرة فى سباق الرئاسة، الذى يتطلب تنازلات وقوضت الأساس الذى تستقى منه مصداقيتها وأثارت الشكوك بشأن خياراتها وحول دور الجيش ونواياه.
ونتائج الجولة الأولى من الانتخابات التى يقال إنها حرة ونزيهة كانت مذهلة، ففوز محمد مرسى مرشح الإخوان بفارق ضئيل عن أحمد شفيق مرشح النظام السابق وصديق الجيش وحامى امتيازاته الاقتصادية ومصالحه المالية الغامضة
لم يكن هذا تزويرا، وهو أمر، تم التأكيد عليه، لكن النتيجة لم تلائم بشكل أفضل مركز القوى الجديدة: الجيش ما بعد مبارك.
ويمضى رمضان قائلا: إن فوز الإخوان المسلمين بهامش ضئيل لا يمكنهم من الطعن على نتيجة الانتخابات، وكل المرشحين الآخرين أبدوا درجة حذر كبير، إلا أن الأيام التى تلت الانتخابات كشفت عن مؤشرات مزعجة: تحالفات غريبة، إعلانات غير متوقعة من مرشح أو آخر خلقت إحساسا بين الناس بأنهم محاصرون فى خيار صعب محبط. فأحد المرشحين كان تابعا بشكل مباشر للنظام السابق، واللآخر يمثل منظمة رسالتها مشوشة ومتناقضة، ومنظمة تمثل بالتأكيد ثلث الرأى الشعبى، لكنها وافقت أيضا على التعامل مع الجيش خوفا على مكاسبهم السياسية.
والإخوان المسلمين، ربما اعتقدوا أن وقتهم قد حان، وشجعهم على ذلك التجربتان التركية والتونسية.
لكن من المستحيل أن نغفل الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية والإخفاقات السياسية التى من المحتمل أن يكون لها تكلفة كبيرة، ليس فقط للمنظمة، ولكن أيضا للبلاد كلها ولمستقبلها، فهناك الكثير من الأمور التى تثير تساؤلات خطيرة وجوهرية عن توجهات الجماعة وأهدافها، مثل إدارة التنوع فى الرأى داخلها، ولوائح العضوية فى حزبها الجديد، وغياب الانفتاح على الشباب وطرد الأصوات المعارضة وقرار المشاركة فى الانتخابات الرئاسية والعلاقات مع المؤسسة العسكرية.
ويرى حفيد البنا أن كل شىء بعد الجولة الأولى يشير إلى أن الإخوان تم توظيفهم كمخلب قط للمجلس العسكرى. وفوز أحمد شفيق الآن أمر محتمل بالنظر إلى الارتباك السائد والمهارات الاستغلالية التى يتمتع بها النظام السابق. ويجب أن يفسر الحكم على مبارك وبرأءة نجليه وقيادات الداخلية الآخرين بشكل رمزى. فبعيدا عن تفضيل الإخوان المسلمين، يكشف الحكم أن المجلس العسكرى له وجود قوى خلف الكواليس، وفى النظام الجديد الناشىء فى مصر، هناك أشخاص محددون يتم حمايتهم وآخرون يعاد تنصيبهم فى أماكن أخرى ببساطة. لكن أغلب ممارسات النظام السابق ستستمر.
ويعتقد رمضان أن النموذج التونسى وسابقه التركى، إلى جانب التطلع للاعتراف بعد 60 عاما من المعارضة والوجود غير الظاهر، قد ضلل قادة الإخوان تنظيما وحزبا، فوجدوا أنفسهم بعد الجولة الأولى فائزين ومحاصرين. فهل استخدمهم الجيش ببساطة لفرض الشرعية على الانتقال إلى نظام ديمقراطى عسكرى أقل شفافية عما يبدو عليه للوهلة الأولى. وكانث الثمن من مصداقيتها كبيرا. ولو فاز الإخوان فى الانتخابات، وهو أمر سيكون مفاجئا، سيجدون أنفسهم فى موقف لا يمكن الدفاع عنه ويواجهون عوائق سياسية واقتصادية واجتماعية سيكون هناك صعوبة فى التغلب عليها. ربما يختار الإخوان أن يدمجوا أنفسهم فى الاقتصاد الرأسمالى السائد بإبداء استعداداها للتعامل مع البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، إلا أن اقتصاد مصر لا يزال أضعف بكثير من نظيره التركى ومكانتها فى الشرق الأوسط أكثر بحساسية، خاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطينى الإسرائيلى. باختصار.. ربما يفوز الإخوان بالانتخابات الرئاسية، لكن الانتصار الأكبر سيهرب منها.
وختم رمضان مقاله بالقول إن الموقف فى مصر خطير، ومع اقتراب الجولة الثانية من الانتخابات، فإن السيناريوهين المحتملين يبدوان بعيدين عن الوعود المبكرة بالاستقرار والسلام الاجتماعى. فلو عاد أحمد شفيق إلى السلطة، فمن المؤكد أن الكثيرين سينزلون إلى الشوارع وفى هذه المرة لن يلعب الجيش دور المتفرج السلبى مثلما كان عليه الحال أثناء الثورة. بل سيتحدث عن الشرعية الديمقراطية المستمدة من صناديق الاقتراع.. ودعونا نأمل أن الشعب وخاصة الشباب سيظلون نشطاء دون السقوط فى مصيدة العنف. فالربيع المصرى أبعد من أن يكون خلفنا الآن. والثورة ربما تبدأ أو يتم إحباطها، لو كانت موجودة حقا.
ليثبت شرعيتها..
حفيد حسن البنا: المجلس العسكرى استخدم الإخوان "مخلب قط" فى الانتخابات
الثلاثاء، 12 يونيو 2012 02:43 م