محمد الفاروق يكتب: هنيئاً لكم مقاعد الدم

الإثنين، 11 يونيو 2012 05:18 م
محمد الفاروق يكتب: هنيئاً لكم مقاعد الدم محاكمة مبارك

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ الوهلة الأولى والتى أحيل فيها الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، وجميع رموز نظامه للمحاكمة أمام القضاء العادى، فى قضية قتل المتظاهرين وكافة القضايا الأخرى المتعلقة بالفساد السياسى والمالى، والقوى السياسية والشعبية تعلم علم اليقين أن المحاكمات ستتم وفقاً للقانون المصرى الملىء بالثغرات.

وهذا العلم يوازيه حقيقة أخرى تعلمها تلك القوى بما فيها من فقهاء قانونيين، الصغير منهم قبل الكبير، يعلم مسبقاً ماهية الأحكام القانونية حتى فى حالة الإدانة لمثل هذا النوع من القضايا، والمتعلقة بجرائم القتل أثناء التظاهرات أو التجمهر، وقضايا الفساد السياسى والمالى، وأنها فى الأغلب لن تصل إلى حد الإعدام، إلا فى حال وجود أدلة دامغة لا تقبل الشك، وصدور أوامر صريحة ومباشرة بالقتل، كما أن العقوبات تكون متدرجة وفقاً لمسئولية وموقع كل متهم أثناء وقوع تلك الجرائم.

وعلى الرغم من وجود تلك الحقيقة والتى قد تناولها العديد من الفقهاء القانونيين فى برامج "التوك شو" مراراً وتكرارا، على مدار العام المنقضى، من خلال ما يدور فى جلسات نظر القضية وما قد تم تقديمه من مستندات وأدلة من كافة الأطراف، نجد أن هناك بعض القوى السياسية المنظمة وبعض الأشخاص يصدرون لنا شعورهم بالصدمة بعد سماعهم بمنطوق الحكم، والذى صدر مؤخراً على الرئيس السابق ونجليه، ووزير الداخلية الأسبق ومساعديه.

وأنا هنا لستُ بصدد التعليق على الحكم أو انتقاده، فبصرف النظر عما قد صدر من أحكام، فإن القاضى بما يحكم لا يُمدح أو يُذم، وهناك الكثير من الطرق الشرعية والقانونية، يستطيع أن يلجأ إليها المتضرر فى حال عدم ارتضائه بالحكم.

ولكن من السذاجة أن يظن البعض أو يتصور أن أى من تلك القوى وهؤلاء الأشخاص قد صدموا أو شعروا بخيبة أمل بالفعل من تلك الأحكام، بل إن ما يحدث من تصعيد شعبى ومن تطاول شخصى على القاضى الذى باشر القضية والقضاء بشكل عام، ما هو إلا استغلال سياسى للموقف، واصطياد فى الماء العكر، من بعض البرلمانيين والسياسيين، والذين قد تناسوا أنهم بمثابة البوصلة والقدوة، التى تحرك الرأى العام للإيجاب أو السلب.

فالجميع يحاول استغلال الحدث وكالعادة يستخدمون الحشد الميدانى المتوقع لصالح أهوائهم وأطماعهم، وكلاً وفقاً لموقعة وموقفة الحالى من لعبة الكراسى الموسيقية داخل الملهى السياسى.

فهناك جانب يستغل منطوق الحكم داخل الميدان ويقوم بالترويج لمرشحة الرئاسى والذى سيخوض جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة بعد أيام قليلة، رافعاً لافتة الأمل الوحيد والمتبقى لإنقاذ الثورة، والوقوف فى وجه محاولات إعادة النظام السابق، والعمل يسير فى هذا الاتجاه على قدم وساق سواء داخل الميدان أو فى الغرف المغلقة.

وعلى الجانب الآخر هناك من يستغل منطوق الحكم للتغطية على إخفاقه فى السباق الرئاسى، محاولاً إعادة استنساخ نفسه من جديد فى المشهد السياسى، ولكن بطريقة ميدانية ثورية بعد الإخفاق فى صندوق الاقتراع، وهذا التنقل الطردى هو الإخفاق الحقيقى، حيث أنه عجل من سقوط أقنعة الديمقراطية التى كان يرتديها بعضهم، منذ أيام قليلة مضت.

وهذا ما تجلى وبشدة داخل الميدان، فبالرغم من كل التشنجات الثورية التى نادت بمجلس رئاسى وعدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات، وبصرف النظر عن الأسماء التى طرحت لتشكيل هذا المجلس، إلا أن هذا الطرح القديم الجديد فى حد ذاته من الممكن أن نسميه بالمجلس الانتكاسى فى هذا التوقيت، وما زاد الأمر وضوحاً النتائج التى أسفر عنها هذا الحشد، فليس هناك من جديد على خارطة الطريق الموضوعة، وسوف تستكمل الانتخابات الرئاسية بجولة الإعادة، وهذا لأن كل طرف من أطراف الميدان كان يتحدث من منصة خاصة به حدد ارتفاعها وقوتها نسب الصندوق الانتخابى.

أما المد الثورى الحقيقى النقى الذى يسعى للإصلاح، ولا يبغى من وراء وجوده سوى رفعة الوطن، وقد برهنت الأيام والأحداث على صدق ذلك، فيمثل الجانب الشارد المشتت بين الجانبين فتارة ينعت بالبلطجية وتارة أخرى يغازل بلقب الثوار.

والحقيقة الثابتة الآن أمام أعيننا هى أن بعض القوى السياسية المنظمة ومعهم شاردى النخبة، قد ارتضوا بنظر هذه القضايا أمام القضاء العادى، ولم يكن هناك إصرار أو ضغط كاف سوى الضغط الثورى الشبابى غير المنظم وغير الكافى، لمحاكمة الرئيس السابق وكل رموز نظامه أمام محكمة ثورية أو حتى محكمة خاصة، وهذا الارتضاء لم يكن كرهاً فالإرادة السياسية والشعبية الموحدة لا تستطيع أى قوة الوقوف فى وجهها والثورة خير شاهد على ذلك، ولكنه كان ارتضاء سياسياً طواعية، قائم على الحسابات حتى يتم استخدام واستغلال الحكم أى كان مضمونه بطريقة أو بأخرى، فضلا عن عدم وضوح الهدف من المحاكمات والذى تعمد البعض إصباغه باللون الرمادى لنفس الأسباب سالفة الذكر.

نحن أمام مشهد ميدانى متكرر منذ ما يزيد عن عام، قد سأم منه الكثيرون، ويسعد به المتربصون، ويضجر منه العسكريون، والسبب فى ذلك هو وجود نخبة سياسية متاجرة غاشمة متمثلة فى أفراد وجماعات، قد محت من ذهنها الخرائط الفكرية المستقبلية لمصلحة وطنها، ورسمت بدلاً منها صورة واحدة لخريطة الطريق إلى القصر الرئاسى ومقاعد الحكم، حتى لو تخطوا فوق دم الشهداء الذى مهد لهم هذا الطريق فهم ماضون فى طريقهم بلا هوادة أو رحمة أو رجعة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة