أيتها الكتلة الصامتة من أبناء مصر.. هذه كلمتى إليكم، وكلى أمل أن تجد لديكم وقتاً لتقرؤوها وتعقلوها، لأن الخطب جلل..
إنّ الاعتصام بالصمت - الآن - لم يَعد عبادة ولا فضيلة، ولم يعد - كما تتصورون - أبلغ لغة من الكلام، إنما هو خرس دميم يُنتج صكّاً بمنح صلاحية جديدة لمن تمت تجربتهم طوال عقود طويلة، فخذلوا فينا الإنسانية، وطعنوا فينا الكرامة، وقتلوا فينا الحرية، فلم يتركوا فينا إلا جسداً أجوف يأخذ نفساً ويطرد آخر.. جسداً مسلوب الروح والإرادة.. جسداً دار بالقهر والذل فى الفلك الذى رسموه، لنبقى فى حلقة متصلة من الفقر والحرمان.. لنظل عبيداً وأسرى للفتات الذى يتساقط من بين أيديهم!
لقد كان السكوت - قديماً - مواءمة أو خوفاً، أمراً لا فكاك منه حيال آلة البطش، خاصة مع من فقدوا الظهر الذى يحميهم والنفوذ الذى يعصمهم من ذراع بوليسية غاشمة، بلغت بدعم وتمويلٍ كل شبر فى أرض الوطن، فكان لابد من إسباغ السكوت على كل الجوارح، والتظاهر بالرضا فى كل المواقف تقريباً، خشية الوقوع بين براثن من لا يرحم.. حتى جاء - بفضل الله - من نفخ فى البوق، فأيقظ الكرامة من نومها، بل من موتها، ثم مات لنحيا، ورحل لنبقى.. فلا أقل من أن ننصف الدماء التى سالت والدموع التى انثالت، بقول الحق الذى بان أمام العيون كالشمس فى رابعة النهار!
أيتها الكتلة الصامتة التى آثرت الصمت ولا زالت.. إنْ كنتم تعتقدون أن الصمت حماية لكم، وأن حياتكم ستمضى على ذات الوتيرة الآمنة سواء جاءَ زيدٌ أو أتى عمر، فاعلموا أن عجلة الظلم دوارة، فإن كانت تتلاشى دائرة إقامتكم اليوم فسوف تدور عليكم بلا رحمة فى الغد، فعجلة الظلم تواقة إلى البطش بالمتكلم والساكت على حدٍّ سواء، وهى تتحين الفرص لتطحن عظام الجميع، ثم تقف على تلال رفاتهم، فلا علو لها إلا بمزيد من الرفات، واعلموا كذلك أن من نصر ظلماً بصمته، كمن نصر طغياناً بصوته، وحقٌ على الله أن يدير الدوائر على من عرف الحق فسكت عنه بلا معذرة، فالساكت عن الحق شيطان أخرس!
إنّ نجاح الثورة والانتصار لدماء شهدائها يتوقف على قراركم بالنزول فى جولة الإعادة لتقفوا إلى جوار الحق الذى ترونه ببصائركم لا بأبصاركم، بعدما تفننت دوائر متعددة فى تشويهه، وفى تصدير القلق والخوف منه إلى عامة الناس.. من حق مصر ومن حقكم ومن حقنا أن نعيش تجربة جديدة، وليكن الحكم عليها عقب الأداء، لا أن يستبق البعض رؤية الغيب ويقررون لنا، خوفاً على مكاسبهم ومناصبهم ونفوذهم من الضياع.. لماذا الخوف من جديد لم نجربه بعد؟ ولماذا الاطمئنان إلى ما جربناه لعقود فأذاقنا المر والهوان؟.. بالله عليكم لا تعودوا بمصر إلى الوراء، كى نؤصل لشىء اسمه «حقنا فى الاختيار والتغيير»، الآن وفى المستقبل.
أقسم بالله العظيم، لقد قررت بعد 25 يناير أن أقف بجانب مصر وحدها بلا شريك ولا منازع، وأن لا أصطبغ بأى صبغة موجودة على الساحة، كى أكون حُراً مستقلاً، وكى أبنى قرارى بمعزل عن كل هذه التأثيرات، مُستعملاً عقلى ومستخيراً ربى كى أصل بتوفيقه إلى ما يرضى ضميرى، فليس لى من هدف - بعد مرضاة الله - إلا أن أرى مصر ناظرة بعيون أبنائها نحو المستقبل، الذى وضع أساسه شباب أخيار أطهار اصطفتهم عين القدرة الإلهية ليضعوا الوطن على طريق الحياة.. نعم انتابتنى حيرة وأنا أجهد العقل فى المشاهدة والمقارنة والتقييم، ولكنى اتخذت قرارى، ومن ثم أدعوكم إلى استعمال عقولكم بقراءة حقائق الماضى، ومعطيات الحاضر، وسطور المستقبل، دون أن تسمحوا لكائن من كان أن يؤثر على تلك القراءة النزيهة المُستقلة، ثم اتخذوا ما ترونه مناسباً لمصر، لا لزيد أو عمر!
وتبقى كلمة.. جاء فى «الرسالة القشيرية» للإمام أبى القاسم القشيرى رحمه الله إذ قال فى (ص 62: باب الصمت): «والسكوت فى وقته صفة الرجال، كما أن النطق فى موضعه من أشرف الخصال»!
ألا هل بلغت؟.. اللهمَّ فاشهد.
عبد القادر مصطفى عبد القادر يكتب: آنَ للصامتين أن يتكلموا..!!
الإثنين، 11 يونيو 2012 07:16 م
انتخابات - صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
بحيى
هو ده الكلام السليم