وصلت بنا المتاهة الانتقالية بعد دوخة مع المجلس العسكرى إلى شك شامل وبصر زائغ وفكر مشوش. نواجه نفس الاستقطاب الذى عشنا فى ظله ثلاثين عاما مضت بين مرشح يمثل جماعة الإخوان المسلمين وآخر يمثل النظام الذى لم يسقط منه إلا رأسه. نواجه انتخابات رئاسية تتوقف على حكم منتظر للمحكمة الدستورية. نواجه ميدانا يفور باحتمالات عديدة قبلها وبعدها. نواجه رئيسا بدون دستور وبرلمانا مهددا بالحل. أخذنا المجلس العسكرى فى لفة طويلة لنكتشف اليوم أننا تقريبا فى نفس المربع الذى بدأنا منه بعد التنحى، نقبض على الوهم ويمسك بدفتنا الطرف الثالث الذى خلق أزماتنا الواحدة تلو الأخرى وأزهق أرواحا وأسال دماء وأعد المسرح لفوز مرشح النظام المنتظر. يتساءل الكثيرون ممن ملأهم الأمل مع قيام الثورة فى دولة لا دينية ولا عسكرية وتأكيدا لا فلولية، ما العمل؟.
أولا: علينا التزام المحددات على أرض الواقع وهى تقول إن الشعب لا يقبل ولا الدولة تحتمل الدعوة لثورة جديدة وأن قبول المشاركة فى الجولة الأولى يفرض علينا القبول بجولة الإعادة إذا أردنا أن نصون صورة مصر أمام العالم ومن هذا المنطلق فإن فكرة المجلس الرئاسى غير قابلة الآن للتحقيق فقد فاتتها الأحداث منذ وقت ليس بالقصير. ثانيا: علينا بلورة أفكارنا وتحديد الأولويات وهنا يجب الإقرار بأن مصدر الخطر الأول هو من أوصلنا بعد متاهة طويلة إلى هذا الوضع المزرى المقصود بمعنى أن أول خطوة هى تسليم السلطة فى موعدها آخر يونيو للتخلص من الطرف الثالث الذى عاث فسادا مطلق اليدين. ثالثا: علينا التمسك بحقنا فى فترة انتقالية أكثر استقرارا يهدأ فيها الغبار وتتضح الصورة أمام الشعب وتنجلى اختياراته بعيدا عن مخاوف تشل إدراكه.
رابعا: مخاوفنا كشعب من المرشح ذى الخلفية الدينية هى عودة مصيبة أهل الثقة وليس بالضرورة الكفاءة والأخونة المتدرجة لمناصب الدولة المؤثرة وإعلامها وتعليمها وثقافتها بالإضافة إلى خوف عميق مما ينتجه هذا من إهدار نهائى لمبدأ تداول السلطة. فى المقابل فإن مخاوفنا كشعب من المرشح ذى الخلفية العسكرية هى استمرار الدولة العميقة التى كفلت على مر ستين عاما مضت استمرار احتكار حكم لا يخرج أبدا عن المؤسسة الحاكمة بالإضافة لخطر دعمه للنظام الذى ينتمى إليه وهو ذاته الذى قامت عليه الثورة ولم يسقط حتى تاريخه بمعنى إعادة إنتاجه بقليل لا يشفى من التغيير والتطهير. خامسا: علينا الإصرار فى كتابة الدستور على النص بالتوافق على حق أصيل لنا كشعب خارج من غبار ثورة على أن تكون الرئاسة الأولى انتقالية وأن البرلمان الحالى المطعون فى شرعيته انتقالى هو الآخر ويكلف الرئيس المنتخب بحله وعقد الانتخابات البرلمانية الجديدة فى آخر ولايته الانتقالية.
سادسا: المدة الانتقالية سنتان وهى تأكيدا لا تسمح لأى منهما أن ينفرد بتنفيذ أجندة الهيمنة وابتلاع الدولة فى نظامه من جديد. عنصر الزمن هو محورى فى مدى استقرار أى رئيس على كرسيه وتمكنه منه ليبدأ فى إرساء قواعده وتحقيق الهيمنة. الرئاسة الانتقالية فى سنتين ستقلل من مخاطر بناء الهيمنة الجديدة وتعطى الفرصة العادلة لكل فئات الشعب فى بناء المؤسسات الحزبية التى تمثلها وفى اكتساب شعبيتها المستحقة ليتقدم الجميع فى منافسة عادلة على الرئاسة بدون إقصاء لأحد ولا ميزة نسبية لآخر وليأخذ كل حظة ولو كان هو نفس الرئيس الانتقالى إذا أجاد واكتسب ثقة الشعب. العدل أساس الحكم والسباق الحالى بين قطبين احتكرا المشهد ثلاثين عاما ولكل منهما كتلته هو غير عادل.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصر
يسقط يسقط حكم العسكر