فى البداية قادت تونس ثورات الربيع العربى لتصبح ثورة الياسمين هى المحطة الأولى التى انطلق منها القطار إلى مصر وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية، وأبهرتنا الثورة التونسية فى عامها الأول بخطواتها الثابتة من إجراء انتخابات ناجحة وتشكيل مجلس تأسيسى واختيار رئيسها فى المرحلة الانتقالية المنصف المرزوقى، لتصبح مثالا تحاول الدول العربية الأخرى أن تحتذى به، إلا أنه فيما بعد بدت الأوضاع مختلفة وثقلت خطوات ثورة الياسمين إلى حد ما حتى أن البعض أصبح لا يمكنه تحديد مسارها بشكل واضح أو يعرف إلى أين تتجه بوصلتها؟!
مواجهة التيار السلفى:
ومع دخول الثورة التونسية عامها الثانى بدأت تطفو على السطح عدد من المشكلات عرقلت مسيرتها بشكل واضح، واتساع قاعدة التيار السلفى فى تونس كانت المشكلة الأولى التى واجهت الثورة، حيث شهدت البلاد مشاهد مختلفة من تجاوزات التيار السلفى التى أدت إلى اضطراب الأوضاع إلى حد كبير، بدءًا من المواجهات بين الطلبة وتعطيل الدراسة فى الجامعات للمطالبة بحق المنتقبات فى دخول الامتحانات، ومرورًا بحادثة التى رجت تونس بعد قيام بعض السلفيين بإنزال العلم التونسى فى منوبة واستبداله بعلم الخلافة الأسود.
كما قام عدد من السلفيين بمنع المسرحيين من تنظيم احتفالهم باليوم العالمى للمسرح، بحجة تزامن الاحتفال مع مظاهرة نظمتها الجبهة التونسية للجمعيات الإسلامية تحت شعار "نصرة لدين الله"، للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة دولة الخلافة.
وأدى تطور المشهد السياسى فى تونس إلى وضع حركة النهضة الإسلامية فى مواجهة حتمية مع التيار السلفى، واحتدام المواجهة بين النهضة والسلفيين كان بعد اتخاذها قراراً بالإبقاء على الفصل الأول من الدستور، مما شكل صدمة للبعض ممن طالبوا بجعل الإسلام المصدر الرئيسى للتشريع، وتنصيص الشريعة الإسلامية فى الدستور الجديد، ويعد هذا القرار بداية الفجوة بين النهضة والسلفيين، وتظهر بوضوح وتجلت فى تصريحات الشد والجذب بين الطرفين، حيث اتهم البعض النهضة بالخيانة والتباطؤ فى تطبيق الإسلام.
فى المقابل قال الشيخ راشد الغنوشى زعيم الحركة، خلال مؤتمر صحفى، إن الظاهرة السلفية ليس لها آفاق فى تونس، هذا فضلا عن انتقاد وزير الداخلية التونسى على العريض، وهو أحد قيادات النهضة، كثيرًا تصرفات التيار السلفى فى الفترة الأخيرة بعد التجاوزات المختلفة، مؤكداً أنه لا يمكن الاعتداء على الحريات باسم الدين.
وحتى الآن تتجدد من فترة لأخرى التجاوزات من التيار السلفى والشد والجذب بينه وبين حكومة النهضة الإسلامية.
الدستور والانتخابات
الدستور أيضا شكل معضلة أمام الثورة التونسية فإلى جانب الخلاف الذى أثاره بين السلفيين وحكومة النهضة بسبب موافقة النهضة على الإبقاء على الفصل الأول من الدستور القديم وعدم اعتماد الإسلام كمصدر رئيسى للتشريع بدا هناك تباطؤ فى الاتفاق على موعد محدد وواضح يتم فيه الانتهاء من كتابة الدستور الجديد بكل مواده.
وترتبط الانتخابات ارتباطا مباشرا بالدستور التونسى أيضا، حيث وجه نفس الاتهام لحكومة النهضة بالتباطؤ فى تحديد موعد للانتخابات خاصة مع تضارب التصريحات بشأن إجرائها، وبالإضافة إلى عدم الاتفاق على موعد يأتى موقف الحكومة التونسية من تأخرها فى طرح مشروع إنشاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، على المجلس التأسيسى.
تراجع الثقة فى الرئاسة والحكومة
بالرغم من الدعم الذى حظى به كل من الرئيس المنصف المرزوقى والحكومة التونسية فى بداية تولى مقاليد الأمور فى البلاد إلا أنه خلال الفترة الماضية تراجعت هذه الثقة إلى حد كبير وظهرت العديد من الاعتراضات على الرئاسة والحكومة التونسية.
وتعرض المرزوقى للهجوم فى أكثر من موقف بسبب تصريحاته التى وصفت بنها غير ناضجة إلى حد ما، وربما اضطر المزوقى للاعتذار عن بعضها، كما هو الحال فى تعليقه ووصفه لبعض المجموعات التى استضافت الشيخ وجدى غنيم بـ"الجراثيم" وهو ما دفع التيار السلفى إلى الهجوم عليه بقوة حتى اعتذر عن هذا الوصف، كما تعرض المرزوقى أيضا لهجوم قوى جدا بعد موافقته على استضافة مؤتمر أصدقاء سوريا.
ووفقا لنتائج أحد استطلاعات الرأى التى نشرها موقع المصدر التونسى والصادرة عن المجمع العالمى للدرسات فإن منصف المرزوقى حاز المرزوقى على ثقة 66 بالمائة من المستجوبين البالغ عددهم 1711 شخصا أعمارهم فوق 18 عاما ويمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية والجهات والمهن وبطريقة علمية، وأوضح التقرير أنه بهذه النسبة تراجع فى الثقة بـ 7 نقاط مقارنة مع الشهر الماضى.
أما بالنسبة لمدى رضاء التونسيين عن أداء الحكومة وعن طريقة تسيير البلاد فإن الاستطلاع أكد أن ثقة التونسيين فى الحكومة يواصل التراجع منذ فبراير الماضى، فيما زادت نسبة غير الراضين عن أدائها وعن طريقة تسييرها.
الثورة التونسية تفقد مسارها.. تجاوزات التيار السلفى.. التباطؤ فى الدستور والانتخابات.. وتراجع الثقة فى الرئاسة والحكومة.. مشكلات أثقلت خطوات ثورة "الياسمين"
الإثنين، 11 يونيو 2012 02:02 م