لا أفهم سببا واحدا لعودة تلك الفكرة الفاشلة التى سبق وأن رفضتها جموع الشعب أوعلى الأقل حين خرجت الجماهير، وقد ارتضت خيارات الصندوق كمدخل لنظام ديموقراطى مدنى، وأعنى بها فكرة المجلس الرئاسى التى تبناها من خسر فى انتخابات الرئاسة وخرج من الصندوق بأصوات الشعب.
القصة طويلة وستكشف لنا الأيام عن أن فكرة المجلس الرئاسى المدنى كانت خيارا قديما يستهدف به تولية أشخاص بأعينهم وفرضهم على الشعب الذى زاد وعيه فى الآونة الأخيرة بدليل ما حصل عليه كل من حمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح وخالد على من أصوات جعلتنى أؤمن بأن الشعب دخل فى مرحلة الحلم بالتغيير والكرامة وإيمانه بالثورة الجميلة التى جعلت المواطن يثق أن صوته فى الصندوق سيكون حرا وسيتم احترامه بنزاهة.
الأفكار الثابتة وعدم قبول ما يعارضها هى آفة هؤلاء وهم من أبناء الوطن المخلصين الذين يخافون على مستقبله، غير أن عواطفهم بدلا من أن تقودنا لمستقبل مشرق؛ نراهم يدفعوننا إلى الفوضى بغير أسف ويحمّلون أية أحداث مأساوية تحدث إلى من لم يدعو لها فهم من حقهم أن يعتصموا ويغلقوا الطرق والمحلات وإذا حدثت فوضى فالمسئول عنها هو المجلس العسكرى! الذى تحمّل الأمانة بعزيمة الرجال ولم يقصّروا تجاه وطنهم وحموا الأمة المصرية من خطر الفناء بتوفيق ربانى لا تخطئه الأعين، بينما من ارتدى ثوب الثوار الوطنيين لا يجيدون سوى لغة الصراخ وفرض الأشخاص على الأمة والدعوة لمليونيات وجعل حركة الحياة فى حالة توتر دائم حتى يشعر المواطن الذى وقف الساعات من أجل الإدلاء بصوته بأن وطنه ليس على ما يرام.
السؤال الآن من يسرق الثورة ؟
أهو الذى خاطر برقبته واجتمع منفردا عن الرئيس السابق وبحث التدابير الآمنة للخروج بالوطن من أيام صعبة وإرسال رسالة غير مباشرة لمبارك بأننا لسنا معك ضد الشعب ولن نضرب رصاصة واحدة على مصرى، أم هو الذى يريد أن يفعل مثل مبارك فى فرض الرأى وعدم تقبل إرادة الناخب وعدم احترامه للساعات الطويلة التى وقفها أبناء الشعب من أجل اختيار ممثليهم ؟.
أهو الذى تحمل عبء المرحلة الانتقالية بغير شكوى فى ربوع الوطن من أجل إنجاح ثورة الكرامة ولا ينكر مجهودهم سوى متحذلق؛ لا يقدر للوفاء معنى أم من بات فى الشوارع وكتب الشتائم على الجدران ولا يعرف من لغة الاحتجاج سوى رفع الحذاء فى وجوه البشر؟!!.
الذى يسرق الثورة هو الذى لا يحقق أهدافها والمحاكمات الثورية لا تؤسس عدالة يبنى عليها ضمير وطن ولكن المحاكمة العادلة هى التى تنطق بالأدلة والبراهين وحتى نكون مطمئنين إلى أن القاتل قد أخذ ما يستحقه وصحيح القانون.
المحاكمات السياسية تفتح باب تصفية الحسابات وتخرج من نفوسنا شهوة الانتقام وتأخذنا لمنحى دموى ولا يعقل أن تتلوث ثورة 25 يناير بالدماء المبنية على غير محاكمات عادلة يحكم فيها القاضى بالأدلة ونحترم حكمه كمدخل لبناء دولة تحترم القانون.
الذى يسرق الثورة هو الذى يقول ليتنا كنا فعلنا مع مبارك مثلما حدث للقذافى ويعيد علينا ممارسات البلطجة وتشويه ما تبقى من ثوار ضحوا بأرواحهم الطاهرة من أجل تحويل السلمية إلى بحور دم.
إن تلك الدعوة المشبوهة الآن ونحن فى بداية تصويت المصريين بالخارج وفرض أشخاص بعينهم ليس له سوى تفسير واحد وهو أن من خسر الانتخابات قد ارتدى معطف الطغاة حين يستبدون ويفرضون على الناس ما يرونه هم فقط!.
بأى حق يتقرر مصير وطن ممن لم يمرّ من جولة أولى فى انتخابات حرة ونزيهة؟ وبأى حق يتم فرض أشخاص لم يخوضوا انتخابات ولا أظنهم كانوا حتى سيحظون بشرف المنافسة على قيادة وطن لم يتم احترام رأى أبنائه فيه؟ أن يترك الوطن للأهواء ومن اعتبروا آراءهم بديهيات لا يجوز مناقشتها ومن يعارضها يصبح ضد الثورة ويرغب بعودة نظام مبارك من جديد فهذا هوالسفه بعينه وينذر بمستقبل مؤلم، وتستطيع أن تشم منه رائحة عنف وتمييز وشقاق بين أبناء الشعب الواحد بعد أن عاشوا فى وحدة مثالية طيلة ثمانية عشر يوما إبان تنحى مبارك وقد تجلت فيه مشاعر الحب والقدرة على المشاركة فى تقرير المصير من شعب هبّ من سباته العميق فى وجه نظام أقل ما يمكن وصفه بأنه فاسد، ويدرك أن الحياة يمكن أن تصبح أفضل إذا أراد هو ذلك وحين أراد كانت مكافأة الله له بأن أراه قدرته وهى معجزة فى زمن لا يوجد فيه معجزات.
أيهما يختار السادة المرشحون قبول خسارة شخصية والاعتراف بها أم خسارة وطن نعانى فيه جميعا وهم نزلوا ميدان التحرير وصدقوا أنفسهم أو لم يصدقوا هذا الحشد الهائل والتأثير العاطفى عليهم وتصريحاتهم المؤسفة التى أهانت الشعب على جموعه حول تشكيل المجلس الرئاسى عنوة وبمزيد من الاستخفاف والاستهانة بـ25 مليون مصرى نزلوا لصندوق الانتخابات!.
المسئولية الوطنية لهؤلاء وما يجب أن يتحلوا به هى احترام أصواتنا فما لهذا قامت الثورة ولا ينبغى لها أن تفعل وهو ارتداد عن أهدافها لو كنتم تسمعون حقا أو تقرأون ماذا يقول الشعب عنكم وإذا تجمع حولكم ثلاثة ملايين على أكثر تقدير فى الميدان والمحافظات فهناك 22 مليونا يقولون لكم كفى كفى!!.
وأخيرا ليعلموا جميعا أن الوطن أبقى منا جميعا والتاريخ سيحكم عليهم وما يصنعونه وستدرك الأجيال القادمة من أساء للوطن ومن سهر فى حماية أبنائه.
