حلمى النمنم

محاكم تفتيش

الأحد، 10 يونيو 2012 06:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مع اقتراب يوم انتخابات الإعادة، تزداد حدة المنافسة ويزداد الاستقطاب ضراوة بين الطرفين، وهذا كله متوقع، ويجب أن يكون صحيا ومفيداً، بمعنى أن يصب هذا كله فى جانب الممارسة الديمقراطية، وتعميق مفهوم الحرية الذى يتمثل فى حق الاختيار وعدم الخوف.. لكن ما نراه فى الواقع ليس كذلك، يتجه الاستقطاب نحو التخويف، وأكاد أقول الإرهاب والتخوين، من يعلن أنه يساند الفريق شفيق فهو على الفور خائن لدم الشهداء، ويبيع الثورة، ومن يقل إنه مع د.محمد مرسى فهو من دعاة الدولة الدينية والإرهاب و...
وأثبتت تجارب الشهور الأخيرة أننا نجيد الهدم أكثر مما نجيد البناء، كثيرون من مناصرى د.مرسى لايدافعون عن مرشحهم، ولا يتحدثون عن برنامجه، ولا يذكرون قدرات المرشح، وما يمكن أن يحققه، لكنهم يركزون على هدم الخصم، والتركيز على ما يرونه سلبيات وعوامل قصور.. يفعل الشىء نفسه مناصرو الفريق شفيق، هم يتحدثون عن مآخذهم على الخصم وملاحظاتهم عليه.. وسط هذا كله يصاب المواطن العادى بالحيرة وبالقلق، لا يعرف بصدق لمن يصوّت.. هو بإزاء الشىء ونقيضه.. ولو أن مواطنا محايدا استمع إلى رأى كل فريق، فهو على الأغلب لن ينحاز إلى أى منهما، فلم تترك الحملات الدعائية لأى منهما فضيلة.
لم يتعلم الطرفان من مناظرة عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح، فقد أدت هذه المناظرة إلى تراجع فرص كل منهما، لأن كلا منهما ركز فى المناظرة على تشويه الخصم والانتقاص منه، أكثر مما اهتم بتقديم نفسه، وبعد هذه المناظرة صعدت أسماء أخرى، مثل حمدين صباحى، والفريق شفيق نفسه.
وبسبب سوء الحملات الإعلانية وموجة الاتهام والتخويف أو التخوين، دخلنا فيما يمكن أن نسميه محكمة تفتيش.. كل يقابل الآخر الآن ويسأله لمن ستصوّت؟ يطرح السؤال بعدوانية وبترقب، فيخاف المسؤول من السائل فيتلعثم، ثم يقول.. لن أعطى صوتى لأحد.. وبعد أن يهدأ الموقف يسر لك أنه قال ذلك ليتخلص من حرج الموقف، فهو لا يأمن أن يعلن موقفه بصراحة.. وهكذا فإن هذه الجولة من الانتخابات، بدلا من أن تشيع الحرية وتقدم درسا فى أن يعلن أى إنسان موقفه بلا خوف وبلا خشية، إذا بها تحدث العكس.. والسبب هو الدعاية الرديئة وما أشاعته من جو محاكم التفتيش، الذى نعيشه فعلاً.. لقد رأينا كتاباً كبارا وسياسيين بارزين وإعلاميين ناضجين، تعرضوا لهجوم بالغ القسوة، وصل حد السب والقذف، فضلاً عن إهدار ما لهم من قيمة ومن تاريخ لمجرد أن يعلن أى منهم موقفه فى المعركة الانتخابية، وحين يتابع المواطن العادى ما يتعرض له هؤلاء، فإن الرسالة تصله وهى أنه ليس فى مأمن إن هو قال رأيه، ومن ثم يصبح تجاهل الموضوع برمته والانسحاب منه أفضل بالنسبة له.
تحتاج الحملات الانتخابية إلى ميثاق شرف وكود أخلاقى يقره ويلتزم به الجميع، سوف تنتهى المعركة الانتخابية وسوف يكون هناك رئيس، ولا يجب أن تترك المعركة الانتخابية جروحاً يصعب أن تندمل وتحدث دماراً يكون من المستحيل تجاوزه.
أعرف أننا محدثين فى المعارك الانتخابية وفى ممارسة العملية الديمقراطية، ولكن يجب أن نحذر وأن ننتبه.. تحولت الانتخابات من المنافسة إلى العداء، ومن السعى نحو الأفضل وتقديم أجود ما لدينا إلى التفتيش فى الضمائر وفى السرائر لاستخراج أسوأ ما فيها، تدار المعركة بمنطق النميمة تارة والانتقام وتصفية الحسابات تارة أخرى، وضاعت القضايا الكبرى فى الطريق، لأنها لم تعد تشغلنا.. وفى مثل هذا المناخ لن يكون هناك فريق خاسر وآخر كاسب.. لا منتصر ولا منهزم، بل الكل خاسر ومنهزم.. تصبح معارك هدم وتدمير.
محاكم التفتيش قائمة ومشرعة فى كل جانب، وثبت أن معظمنا ليس مستعدا لتقبل حرية الآخر واختياره.. مازال ينقصنا الكثير لنحترم الحرية ونقدرها.. الحرية لخصومنا، كما هى لنا.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة