عشقناه رغما عنا.. فقد أصبح فرداً مهماً من أفراد عائلتنا... هو عالم افتراضى وهمى نعيش فى أحضانه بكل ما فيه من خيالات واحتمالات.. يجذبنا إليه سحر شاشته الصغيرة السوداء التى سلبت عقولنا، وهامت بها نفوسنا، وأصبحت منتهى أمل الكثيرين منا فى هذه الحياة .
شاشة تستر وراءها أقنعة مزيفة.. كل شخص يختار قناعاً محبباً له ليرتديه ويخاطب العالم من خلاله... هناك من تمثل له هذه الشاشة وسيلة للتسلية وتمضية بعض أوقات الفراغ الممتعة والبعض الآخر يجدها وسيلة لتقوية شخصيته المعدومة فى البيت بإظهار عضلاته أمام الآخرين فتكون بذلك مجالاً خصباً لترويج أكاذيبه ونفاقه وسرد قصص وروايات وهمية لا تمت للواقع بصلة هى فى الحقيقة من نسج خياله المريض لتجعله بطلاً أمام هذا الكيبورد المزخرف بتلك الأحرف التى باتت تستخدم فى الزيف والنفاق .
وهناك امرأة مكتئبة تعانى من شح وبخل زوجها العاطفى فتجد فى هذا الجهاز ضالتها وسلوتها لسماع أحلى الكلمات والإنصات إلى أجمل عبارات الغزل الآثم التى ترضى غرورها كامرأة ... وأعجب ما فى الأمر هو أن البعض يختار لنفسه أكثر من قناع يتخفى وراءه لكى يبدو براقاً لامعاً ومحبباً لدى الآخرين فيطلق ما شاء لنفسه أن يطلق من أحاديث لا وجود لها فى الواقع ولا تعيش إلا فى عمق خيالات الراوى الذى يبثها وكأنها حقائق ليثبت ذاته من خلالها .
جهاز بات إدمانه مؤكدا ومن المستحيل التخلى عنه لأنه عازف ماهر يعزف لنا ما تطرب له نفوسنا، ويدغدغ مشاعرنا، ويبث السعادة المزيفة بداخلنا فتغيب معها كل حقائق الأمور... فعلا هو جهاز سحرى جعلنا نقتسم الحياة بينه وبين العمل.... فأبعدنا عن الأهل والخلان وعن رؤية الأصدقاء والالتقاء بالأحبة.. حتى الأزواج نرى أن كل واحد منهم يستمتع بالأوقات التى يمضيها بصحبة هذا الجهاز ويسعد ويتناغم مع الصداقات التى يكونها من خلاله أكثر من سعادته وأنسه بزوجه وشريك حياته حتى أصبح الكلام بين الأزواج محدوداً ، بل أصبحوا لا يولون الاهتمام الكامل بمشاكل الأسرة وإيجاد الحلول لها.... حتى الأطفال المساكين حرموا من اللعب والجلوس مع أهلهم لأنهم مشغولون عنهم بشاشاتهم فلم يعد أمام هؤلاء الأطفال من سبيل سوى تقليد ذويهم والجلوس أمام شاشات الحاسوب لساعات طوال دون أن يكون للأهل علم بما يفعلون وما يشاهدون ومع من يتواصلون .. فقد يتحدثون مع أطفال من بلدان وثقافات أخرى سيئين فى معتقداتهم وفى تربيتهم وفى نشأتهم وفى أخلاقهم فيكتسبون منهم ثقافات وعادات ومعتقدات لا تناسب بيئتنا ولا تفكيرنا فنفاجأ بأن أطفالنا وفتياننا وفتياتنا قد انحرفوا عن الفضيلة وأصبحوا يقلدون ويحاكون ما يتعلمونه من هؤلاء الغرباء .
معه بتنا نتجنب الصدق ونتسلق على أكتاف الكذب والخداع.. وبدلاً من أن نبث أسرارنا وهمومنا للأهل والأصدقاء.. بتنا نشرك هؤلاء الغرباء فى خصوصياتنا عبر هذا الجهاز ونوليهم ثقتنا.. حتى لواعج قلوبنا أصبحنا نبوح بها لهؤلاء الأشخاص الوهميين القابعين خلف تلك الشاشات دون أن تراهم أعيننا أو ندرك طبائعهم أو نواياهم الخفية .
ما أحوجنا لهذا الجهاز لو كان استخدامه يقتصر على اكتساب العلم، والمعرفة، وتثقيف النفس، واكتساب المهارات، والترويح الهادف، والقراءة الممتعة التى تغذى الروح ويكون فوق هذا وذاك وسيلة للدعوة للخلق القويم والدين ولرب العالمين وبث الفضيلة بين الناس وحثهم للابتعاد عن الرذائل والعادات والأخلاق السيئة .
إن أولادنا وأسرنا أمانة فى أعناقنا.. فما أحوجنا لأن نحافظ عليهم بتغذيتهم بالعلم والإيمان والابتعاد عن مساوئ وسلبيات هذا الجهاز الخطير وجعله مقتصراً على اكتساب المعرفة وكل ما هو مفيد ومثمر.. لأننا أمام بارئنا سنحاسب عما يفعله أولادنا وما تقترفه أيديهم ونحن عنهم لاهون.
وليكن استخدامنا لهذا الجهاز بالاعتدال حتى لا نصبح تابعين له.. بل ينبغى أن يكون هو التابع لنا بحيث نستطيع أن نسكته بكبسة زر ونوجه استخدامه لما فيه الخير وإرضاء ربنا حتى ننعم براحة الضمير.. وحتى تعود القيم والأخلاق تعمر بيوتنا قبل أن تغيب عنها للأبد بسبب سوء استخدامنا لهذا الجهاز الذى أصبح شئنا أم أبينا فرداً من أفراد العائلة وجزءاً هاماً لا يتجزأ من روتين حياتنا اليومى.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محفوظ الظرافي
طرقةُ على الوتر الحساس
عدد الردود 0
بواسطة:
اكرم
اهلا بالاستاذه سحر - اضع تعليق بسرعه لأكون أول المعلقين والمعجبين لحضرتك
عدد الردود 0
بواسطة:
سمير احمد مشيمش
روشتة ... الاستاذه سحر الصيدلى .... لمستخدمى الشاشه السحريه
عدد الردود 0
بواسطة:
شامية
الف شكر سيدة الكاتبات
عدد الردود 0
بواسطة:
محمدحامدحسين
في الجون
عدد الردود 0
بواسطة:
رولا
مقالة رائعة
عدد الردود 0
بواسطة:
رغيد
جميلة أبدعت فيها
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد محمود المالح
سحر خاص
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح لطف الله
التليفزيون
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
موضوع هام