يؤكد تكرار المشاهد الدموية، وآخرها أحداث الاعتصام بالقرب من وزارة الدفاع، أن هناك خللاً جسيمًا من جهة الثورة وكل فصائلها الشعبية والسياسية، فى التعامل مع قضية أساليب وآليات حل النزاعات الفعالة.
لست معنيًّا فى هذا المقال بتحليل المواقف السياسية، وتحميل طرف أو جماعات سياسية المسؤولية عن الضحايا والمصابين، بقدر ما يعنينى التركيز على مستقبل التعامل مع تلك الأحداث، التى سوف تتكرر، مادامت لا توجد آليات واضحة للتعامل معها.
بنظرة سريعة على الأحداث السابقة، ممثلة فى أحداث ماسبيرو، وأحداث محمد محمود، وما تلاها، نكتشف أننا دائمًا نعانى من صراع بين مؤسسات حاكمة، ممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأجهزته، بالتعاون مع وزارة الداخلية من ناحية، وبين مجموعات من الشعب.
ودائمًا ما تظهر فى الوقت المناسب مجموعات من البلطجية المأجورين أو المأمورين، للتعامل مع المتظاهرين والمعتصمين وترويعهم.
وفى الحلقة التى لن تكون الأخيرة فى تلك الأحداث، ممثلة فى أحداث "العباسية"، نجد أن النزاع انتقل إلى مرحلة مختلفة، تبرز تحولاً فى استراتيجية الأجهزة المؤسسية، حيث لم تسمح لنفسها، حتى كتابة تلك السطور، بالتدخل المباشر كما كان يحدث قبل ذلك.
وتحول الأمر من نزاع بين مؤسسات وبين مجموعات شعبية، يمكن تحميل المؤسسات مسئوليته بصفة مباشرة، إلى نزاع فى ظاهره بين مجموعة من الشعب (الثوار والمحتجين)، وبين مجموعة أخرى (البلطجية).
وهنا تبرز مجموعة من الحقائق، تقابل دائمًا بالتجاهل والصمت:
1 ـ يعمل المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأجهزته بخطط علمية، واستراتيجية، مسبقة، تمكنه من أن يكون دائمًا فى موقع الفعل والتحريك للأحداث، ونادرًا ما تحدث مفاجأة، تضعه فى حالة رد الفعل، وهذا أمر طبيعى فى دولة تملك مؤسسات وأجهزة تلم بكل المعلومات والتفاصيل عن الدولة، والشعب عامة، وحتى عن الأفراد.
ومن يمتلك المعلومات، والخبراء فى الأجهزة الأمنية، يملك التحكم فى أعصاب الدولة، والاستباق حتى وإن بدا ذلك دائمًا أنه مجرد رد فعل، ناتج عن فعل الثورة والثوار.
2 ـ مقدرات الأحداث السياسية، وكل ما نعيشه من أحداث، لا يخضع لقانون الصدفة، وهذا ما أثبتته التجارب، من التصويت على الإعلان الدستورى، وكل التبعات السياسية الناتجة عنه.
3 ـ بانتقال استراتيجية النزاع، من صراع بين مؤسسة وبين مجموعات، إلى صورة صراع مجموعات ضد مجموعات، ننتقل إلى ترسيخ فكرة حرب الشوارع فى وعى الفصائل الثورية، ووعى الشعب على المدى المتوسط، مما يزيد حالة الإحباط النفسى فى المجتمع، ويضعف موقف المتظاهرين والمعتصمين فى ممارسة حقهم الدستورى فى التظاهر والاعتصام، ويعطى الأجهزة الأمنية الفرصة للتنكيل بهم فى إطار مبدأ مكافحة الشغب دون تفريق بينهم وبين البلطجية.
ومما سبق يتبين لنا أن الثورة، ممثلة فى كل الفصائل السياسية من أقصى يسار اليمين، إلى أقصى يمين اليسار، لن تبلغ أبدًا القدرة على الوصول، من جهتها، إلى حلول سريعة وفعالة، لحماية نفسها فى وقت الأزمات المشابهة، إلا بالعمل من خلال المراكز البحثية، والخبراء على وضع خطة ومنهج علمى لتدريب كوادر شبابية من المتطوعين والمنتمين لجميع الأحزاب.
ويركز التدريب المقترح على أساليب الوساطة وحل النزاعات المجتمعية، وفنون استيعاب الآخر وفكره السياسى، ولغته.
ويشمل ذلك إمداد كل فصيل بالمفردات والأساليب العلمية فى التواصل الخالى من العنف الفكرى واللفظى، لدمجها فى مفردات خطابه الفكرى والأيديولوجى، أثناء معالجة النزاع، عندما تتكرر أحداث مشابهة.
إن اتخاذ وضعية الحياد عند التدخل فى نزاع كوسيط، يتطلب تدريبًا مكثفًا على الشعور بالآخر فى أصعب المواقف، والقدرة الجيدة على الاستماع والتحليل، وتحليل المشاهد، قبل التفوه بكلمة.
قد نكون بدأنا بعد الثورة بالسياسة، فلم يكن هناك مفر من ذلك، ولكن ما شهدناه وعايشناه عن مجتمعنا وشعبنا، خلال كل تلك الأحداث الدامية، يؤكد أن الثورة تجهض نفسها، بتقصير قوى الثورة فى الحفاظ على سلميتها، بسبب التخاذل فى الأخذ بأسباب التنوير والتدريب، كهدف أسمى يضارع ممارسة السياسة فى أهميته.
وليتحمل قادة الأحزاب وقادة الحركات الثورية، والرموز المجتمعية، مسؤوليتهم فى إعطاء المجلس الأعلى تلك الفرص الذهبية، لإيجاد الذرائع للبقاء فى الحكم، أو استمرار الضغط للتحكم فى مصير الثورة.
محمد جاد الله يكتب: كى لا تتكرر مشاهد العباسية الدامية
الأربعاء، 09 مايو 2012 10:12 م
أحداث العباسية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد نصر
لم يعد الشعب يريد
عدد الردود 0
بواسطة:
طاهر الشافعي
كلمات تحمل الأمل والحرص الشديد على مكتسبات الثورة..سلمت مصر بامثالك
عدد الردود 0
بواسطة:
نهى طاهر
ما زال أمامنا الكثير..