المستشار إسلام إحسان

الشيخ والطبيب والمحامى

الأربعاء، 09 مايو 2012 09:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت الشمس مشرقة، لم تشرق هكذا منذ أيام طويلة، ذهبت لأصطحب ابنى إلى التمرين، يلعب الكرة بحب شديد، وجدته يومًا يبكى لأن نادى الزمالك مهزوم، رغم أننى لست زملكاويًّا، لا أعرف كيف ولا متى أحب نادى الزمالك، ولماذا اختاره وتعلق به إلى هذا الحد، عمومًا كل هذا لا يهم، المهم أنه عرف ما يريد، واختاره بحرية وعن اقتناع، ويحب اختياره، ويتمسك به، ثم توجهنا للمسجد لصلاة الجمعة، الإمام هاجم فى الخطبة الدعوات التى تطلق ضد أداء البرلمان، ووصف الداعين لها بأنهم مخربون، ويريدون الإضرار بالبلاد وإشاعة الفوضى فيها، وأخذ يدعو عليهم فى الصلاة، والمصلون يؤمنون على دعائه، عقب الصلاة اعترض شاب يافع على ذلك، وهاجم الإمام، وانبرى عدد من المصلين للدفاع عن الإمام وتأييده، والهجوم على الشاب، واتهامه بأنه صغير مغرر به، فدافع الشاب عن نفسه بحدة، واستمر الخناق والجدل فى مشهد غير مألوف فى النادى، فلم يسبق لى أن شاهدت هذا المشهد فى النادى من قبل، فعادة كان الناس يأتون للنادى للتروح عن أنفسهم، لا ليتناقشوا فى السياسة، ويبدو أن ذلك كان ماضيًا ولم يعد يحدث فى الحاضر.
اتصلت هاتفيًّا بواحد من أعز أصدقاء عمرى، يعمل أستاذًا مساعدًا بكلية الطب، أعرفه منذ أكثر من ربع قرن، هو مثال للنقاء والضمير والإخلاص، وقصصت عليه ما حدث، فقال لى إن ذلك حدث أيضًا فى المسجد الذى كان يصلى فيه، وأنه تصدى للإمام بعد الصلاة، وأن المصلين هاجموه، قال لى نحن على حق، وهناك تيارات معينة سطت على الثورة، قلت له: ما المطلوب الآن؟ قال لى: لابد أن يستعيد الشعب الثورة. قلت له البرلمان منتخب بانتخابات نزيهة، وبالتالى يجب احترام إرادة الناخبين. قال لى: لقد تم تضليل الناخبين باسم الدين. قلت له: هذا الكلام يشكك فى أهلية الشعب وقدرته على الاختيار، ولا يمكن قبوله. قال لى: الفساد كما هو لم يتم التصدى له، والأموال المسروقة لم يعُد منها جنيه واحد حتى الآن. قلت له: معك حق، هذا حقيقى، سنة ونصف السنة فترة ليست قصيرة، كانت تكفى لتعديل التشريعات والقوانين اللازمة لتمكين الأجهزة المختصة بمكافحة الفساد من أداء دورها، ومنها النيابة الإدارية، لكن ذلك لم يحدث، وهذا خطأ فادح ارتكب فى حق الثورة والبلد، لكن هذا ليس مسئولية البرلمان وحده الذى لم يمض على انتخابه إلا شهور قليلة، وعمومًا نأمل أن يبادر البرلمان إلى تحقيق ذلك، قال لى: نريد القصاص، لم يعدم أحد حتى الآن رغم مئات القتلى فى المظاهرات. قلت له: هذه مشكلة معقدة، لا تطلب من القاضى أن يحكم على خلاف الثابت فى الأوراق لمجرد إرضائك، فأنت لن تنفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون، لا تحملوه فوق طاقته. وذكرته بأن كل قضايا التظاهرات فى مصر بدءًا من مظاهرات الطلبة عام 1924 ومرورًا بمظاهرات 1977، كلها يحكم فيها بالبراءة لشيوع الاتهامات، فهذا هو حال القضاء المصرى، يقضى بالعدل، ومجلس الدولة دائمًا يحكم لمصلحة الفرد فى مواجهة الإدارة، والنيابة الإدارية تحفظ نصف البلاغات الواردة لها من الإدارة، أى تنتصر للموظف وتنصفه، هذا واقع. قال لى: لجنة الانتخابات الرئاسية تتصرف بطريقة غير صحيحة فى كثير من الأمور، ولماذا تحصن قراراتها؟ قلت له: هذا الكلام غير دقيق، فاللجنة مشكلة من أقدم القضاة فى الدولة، وتشكيلها هذا يوجب عدم الطعن على قراراتها، إذ كيف سيلغى قاضى قرارًا أصدره قاضٍ أقدم منه؟ بالإضافة إلى أن التشكيك فى قراراتها يأتى بنتيجة تدخل الهوى فى الرأى القانونى لدى أغلب من يتعمدون الاعتراض والتشكيك فى قرارات اللجنة لأغراض الظهور الإعلامى، ولمصلحة من أضيروا من هذه القرارت، وهو ما يؤدى إلى إشاعة البلبلة بين الناس غير المتخصصين فى هذه المسائل الدستورية والتشريعية المعقدة، وتحصين قرارات اللجنة أمر لازم لحماية منصب رئيس الجمهورية من التشكيك فيه من بعض من لا يؤمنون بالديمقراطية ولا يحترمون نتيجة الانتخابات، وهم كثر للأسف نتيجة عوامل كثيرة، ثم إنه بمسايرة منطق عدم الثقة فى أعمال اللجنة رغم تشكيلها من أقدم القضاة فى الدولة، فستجد من يشكك ولا يقبل أحكام القضاة الآخرين الذين يطلبون الاحتكام إليهم عند الطعن على قرارات اللجنة، وهكذا سندخل فى حلقة مفرغة لا نهاية لها، والدليل على ذلك الأحكام القضائية المتعلقة ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور والأحكام المتعلقة ببطلان انتخابات مجلس الشعب والشورى لبطلان النظام الانتخابى الذى أجريت على أساسه، والتى طعن عليها كلها، وما زالت منظورة أمام محاكم أخرى، فهل ستظل الدولة بدون رئيس جمهورية أو برئيس مشكوك فى شرعيته فترة من الزمن حتى يفصل فى المنازعات بأحكام قضائية نهائية؟ إذا حدث ذلك فستكون العواقب وخيمة على مستقبل الدولة واستقرارها وعلاقاتها الدولية. قال لى: نحن نريد الخير لمصر، ونحن على حق. وأصر على رأيه.
وبعد أن أغلقت هاتفى التقيت مصادفة بأستاذى الذى كنت أتعلم منه وقت أن تخرجت فى الكلية، وكنت أعمل حينئذ بالمحاماة، قال لى: "البلد باظت، ومش حترجع تانى أبدًا، الناس مش متعودة على الحرية والديمقراطية، فوقعوا فى الفوضى". قلت له: أنا خايف من أن الاختلافات دى تستمر بعد انتخاب رئيس الجمهورية، الذى لن يعجبه أى قرار سيخرج إلى الشارع ويقطع الطريق. قال لى: سيحدث هذا حتمًا، لا مفر. صرخ فىَّ ابنى وقال لى: هو انت حتقعد طول اليوم تتكلم فى التليفون يا تتكلم مع اللى تقابله فى الكلام ده؟ قلت له: أعمل إيه، إحنا فى مشكلة. قال لى: سيبك، المهم الزمالك حيلعب تانى إمتى؟ قلت له: مش عارف، نفسى ميبطلوش لعب، يلعبوا كرة بحب، ولا يموت أحد فى مباراة تانى، نفسى يسمعوا عبدالحليم وأم كلثوم وفيروز بحب، نفسى يضحكوا من قلبهم مع عادل إمام وهنيدى، زى زمان، ونفسى كمان يتكلموا فى السياسة، ويشاركوا فى صنع مستقبلهم، دون أن يتشاجروا، وأن يؤمن كل مصرى بأن رأيه خطأ يقبل الصواب ورأى غيره من إخوانه المصريين الذين يتناقشون معه صواب يحتمل الخطأ.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة